| مجموعة من زعماء أمريكا اللاتينية اليساريين خلال إحدى القمم التي جمعتهم |
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- لم يشكل تفكك الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية أزمة عند بعض الشعوب، وبخاصة تلك التي عاشت تحت وطأة الدكتاتورية وفرق الموت والاغتيالات، ولم يكن هذا التفكك ليدفعها للارتماء في أحضان الرأسمالية والاستسلام لها، ولهذا السبب، على ما يبدو، اتخذت دول أمريكا اللاتينية توجهاً مختلفاً عن التوجهات لدى الكثير من دول آسيا وأفريقيا. فقد بات اليسار يسيطر على الجزء الأكبر من القارة اللاتينية، حيث اختار شعوبها، وفي ظل عملية ديمقراطية نزيهة، قادة وزعماء يميلون أكثر نحو الاشتراكية واليسار، وهو توجه بالضرورة يخالف ما تشتهيه الولايات المتحدة. ولا تخفي بعض تلك القيادات، التي لم تتول الحكم عن طريق البندقية والانقلابات كما كان سائداً في القرن العشرين، عداءها ضد السياسات الأمريكية. فهل تكون عودة اليسار في أمريكا اللاتينية بقوة مقدمة لعودتها على الساحة العالمية بقوة أكبر، وخاصة مع انفراد الولايات المتحدة الأمريكية في الهيمنة عليه طوال العقدين الأخيرين، أو تحديداً بعد انهيار الكتلة الشرقية؟ الجوع.. فشل للنموذج الرأسمالي ولكن السؤال الذي قد يتبادر إلى الذهن، وفي ظل ثورات الجوع التي اجتاحت عدداً من الدول بدءاً من آسيا شرقاً إلى هاييتي غرباً، مروراً بمصر في أفريقيا، ألن تتحول هذه الدول إلى الاشتراكية بعد أن أنهكتها الرأسمالية و"امتصت دمها" كما عبر بعض المتظاهرين المستاءين من توجهات بلادهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ مؤخراً، انضم الرئيس الفنزويلي، هوغو شافيز، إلى حلفائه اليساريين، من أجل إنشاء برنامج بقيمة 100 مليون دولار، لمحاربة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بالنسبة إلى فقراء أمريكا اللاتينية. ووعد شافيز أيضاً، إلى جانب قادة من كوبا وبوليفيا ونيكاراغوا بإنشاء برامج مشتركة لتطوير الزراعة بالإضافة إلى صندوق أمن غذائي جديد، ولكنهم لم يقدموا أي تفاصيل عن كيفية عمل البرامج والصندوق. وقال شافيز للرئيس البوليفي، إيفو موراليس، والرئيس النيكاراغوي دانيال أورتيغا، ونائب الرئيس الكوبي، كارلوس لاغ خلال قمة في كراكاس "أزمة الغذاء هي أكبر دليل على الفشل التاريخي للنموذج الرأسمالي." آخر التحولات في أمريكا اللاتينية أدى فوز"مطران الفقراء" في انتخابات باراغواي الرئاسية إلى توسيع موجة الحكم اليساري في أمريكا اللاتينية وعزل الحكومات المحافظة المتبقية أكثر. وما إن يستلم فرناندو لوغ السلطة في الخامس عشر من أغسطس/ آب، ستكون الحكومات الوحيدة ذات الميول اليمينية في أمريكا اللاتينية موجودة فقط في كولومبيا والسلفادور والمكسيك، وجدليا في بيرو، حيث تحول أخذ حزب شعبي ذو ميول يسارية بالتحول تدريجياً إلى اليمين. وإثر فوز فرناندو لوغ، قال رئيس الإكوادور، رفاييل كوريا "إن نصر الرفيق فرناندو لوغو هو... حجر آخر في تأسيس أمريكا اللاتينية الجديدة التي هي فقط، مستقلة وذات سيادة، ولما لا، اشتراكية." ولكن المطران الكاثوليكي السابق قال إن "لاهوت التحرير" الذي تأثر بالماركسية ألهم دفاعه عن الفقراء، ونصره يدفع باراغواي بوضوح باتجاه اليسار من حزب "كولورادو"، الذي حكم خلال الديكتاتورية والديمقراطية منذ1947، من ضمنها 35 عاما تحت حكم الفريق أول ألفريدو شتروسنر القاسي والمعادي للشيوعية. بداية التحولات اليسارية بدأت نقلة أمريكا اللاتينية اليسارية منذ وصول الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز إلى الحكم قبل عشر سنوات، من ثم أكملت مع رؤساء جدد في البرازيل والأرجنتين وأوروغواي وتشيلي وبوليفيا والإكوادور وغواتيمالا ونيكاراغوا. قال مايكل شيفتر من مؤسسة الدراسات الأمريكية للحوار الأمريكي الداخلي: "لا شك أن انتخابات باراغواي هي دليل آخر على أن الجغرافية السياسية في أمريكا اللاتينية تغيرت بطرق رئيسية." نيكاراغوا: نجح القيادي اليساري، دانيال أورتيغا، في انتزاع الفوز من منافسه المحافظ إدواردوا مونتيليغري، المصرفي وخريج جامعة هارفارد. وكان أورتيغا قد قاد الثوار السندنستيين للإطاحة بنظام الدكتاتور سوموزا، المدعوم آنذاك من الولايات المتحدة، وشكل حكومة يسارية دخلت في حرب مع قوات الكونترا (المعارضة) المدعومة من الولايات المتحدة في أوائل ثمانينيات القرن الماضي. غير أنه عاد لاحقاً وخسر في الانتخابات الوطنية، ولدورتين، قبل أن يعيد الكرة مرة أخرى ويفوز في الانتخابات الأخيرة. كوبا: قبل تولي راؤول كاسترو، شقيق الزعيم الكوبي التاريخي فيدل كاسترو، كان الأخير النجم اليساري الأبرز في أمريكا اللاتينية. وكان كاسترو الزعيم الوحيد في نصف الكرة الغربي الذي التزم الخط الماركسي، إلى جانب أنه رمز مناهض للولايات المتحدة منذ توليه السلطة في العام 1959، مع زميله الثوري الأرجنتيني تشي غيفارا، بعد إطاحة نظام الديكتاتور الكوبي السابق، فولغينسيو باتيستا. وكان كاسترو ألد أعداء الولايات المتحدة، التي سعت جاهدة للتخلص منه، غير أن كل محاولاتها باءت بالفشل، ولعل عملية خليج الخنازير، بعد وقت قصير على تولي كاسترو السلطة في كوبا تشكل أكبر فشل أمريكي في هذا المجال. فنزويلا: يعد الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، خليفة كاسترو في العداء للولايات المتحدة والخصم اللدود للرئيس الأمريكي جورج بوش، كما أنه دائماً ما ينتهز الفرص لانتقاد بوش وسياساته ومعارضته، ولا شك أن شخصيته الكاريزمية الطاغية تساعده في ذلك، طبعاً إلى جانب الثروة النفطية التي تتمتع بها بلاده. وكثيراً ما ينسق شافيز مع خصوم الولايات المتحدة، ويحاول كسب أعدائها إلى جانبه ودعمهم، مثل إيران وسوريا. ويروج شافيز للاشتراكية، متجنباً اللجوء إلى أسلوب كاسترو في الحكم، مثل إغلاق وسائل الإعلام المستقلة وحظر الأحزاب المعارضة والقطاع الخاص. بوليفيا: يتولى الحكم في بوليفيا الرئيس إيفو موراليس، وهو اشتراكي مثل شافيز، كما أنه عمل سابقاً في زراعة الكاكاو. ويعد موراليس أول زعيم في أمريكا الجنوبية من السكان الأصليين. وكثيراً ما عبر موراليس عن شكوكه حيال التحركات الأمريكية واصطدم مع واشنطن في قضايا مثل سياسة المخدرات، كما أقام علاقات وثيقة مع كاسترو وشافيز، لكنه كان أقل عداء منهما تجاه الولايات المتحدة. البرازيل: فاز الرئيس البرازيل لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، الزعيم العمالي السابق، بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البرازيل أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي. واعتمد دا سيلفا خطاً وسطاً فيما يخص قطاع الأعمال، فيما قام بتوسيع وزيادة الدعم للفقراء. ويحتفظ دا سليفا بعلاقات طيبة مع كل من كاسترو والولايات المتحدة، التي لم يظهر لها عداء كسابقيه، رغم ميوله اليسارية كزعيم عمالي. الأرجنتين: يقود الحكومة الأرجنتينية حالياً الرئيسية كريستينا فيرنانديز زوجة الرئيس السابق، نيسترو كيرشنر، وكلاهما يميل نحو يسار الوسط. شيلي: يتولى الحكم في جمهورية شيلي، التي حكمها الديكتاتور السابق، بينوشيه، الطبيبة والسجينة السياسية السابقة، ميشيل باشيليه، والتي تمكنت من الفوز في السباق نحو الرئاسة في مارس/آذار الماضي، بوصفها ثاني رئيس على التوالي للحزب الاشتراكي. وتدعو الرئيسية الاشتراكية لتوسيع البرامج الاجتماعية والاشتراكية في بلادها، لكنها تفضل اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. أوروغواي: يتولى الحكم في الأورغواي، الرئيس تاباري فاسكويز، وذلك منذ مارس/آذار عام 2005، بوصفه أول زعيم يساري للبلاد. ويركز فاسكويز، وهو طبيب وعمدة سابق للعاصمة مونتيفيدو، على دعم الفقراء ومساعدتهم، فيما تعهد بالمحافظة على السياسات الاقتصادية المحافظة. |