| الجندي الأمريكي ...V... المتعهد العسكري |
دبي، دولة الإمارات العربية المتحدة(CNN) -- فرضت شركات الأمن الخاصة، نفسها بقوة في نزاعات القرن الحادي والعشرين لملء الفراغ الناجم عن انكماش الجيوش التقليدية واستمرار النزاعات المسلحة حول العالم. وشهدت السنوات الأخيرة تضخّما في حجم تلك القوات "العسكرية المدنية"، التي يراها البعض سلالة جديدة من "المرتزقة"، فيما يقرّ البعض الآخر بأنّها قطاع لا يستهان به تبلغ قيمته العالمية، قرابة 100 مليار، وسط مخاوف من تأثير ظاهرة "جيوش الإيجار" على خارطة الأمن الدولي ومنافسته الجيوش النظامية. وحققت حروب العراق وأفغانستان بجانب تلك الموعودة ضد الإرهاب فورة في سوق "الجيوش الخاصة" وقطاع الشركات الاستشارية لإدارة المخاطر، التي استقطبت أفضل الكوادر العسكرية المحنكة من وحدات القوات الخاصة التي هجرت جيوش الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل وجنوب أفريقيا، مستسلمة لبريق الدولار والحوافز المغرية. وأجمع مراقبون على أن العراق يمثل أكبر سوق جاذبة للجيوش الخاصة في التاريخ الحديث، ويُعتقد أنه سيكون بمثابة حقل اختبارات، لتحديد مستقبل ذاك القطاع. ويترافق تنامي "شركات الأمن الخاصة" مع تزايد المخاوف حول دورها المتداخل مع الجيوش النظامية في ظل تزايد النزاعات المسلحة وإخفاق الحكومات في تغطية المتطلبات الأمنية، وقال محرر الشؤون الأوروبية بصحيفة "الغارديان" إيان ترينور، في وقت سابق، إن ظاهرة "جيوش الإيجار" بلغت مرحلة اللاعودة، وأن الجيش الأمريكي سيجد صعوبة بالغة في شن أي حروب جديدة دون الاستعانة بها. ويشكك د. ثيودور كاريسك، كبير الخبراء السياسيين في "راند كوربريشن Rand Corporation" في المزاعم القائلة باعتماد الجيش الأمريكي بشدة على ذلك القطاع. وجاء رده على سؤال من CNN بالعربية حول إفادات بعض العسكريين، حيث اعتبر أن الجيش الأمريكي لا يملك القدرات على تشغيل بعض أنظمة الأسلحة أو صيانتها. وقال في هذا الصدد "أجد صعوبة بالغة في تصديق ذلك، لكن من السهولة الاعتقاد أن الشركات العسكرية الخاصة قد تساعد في صيانة تلك الأنظمة، ويدخل ذلك في سياق الإستعانة بالخبرات الخارجية." وقال النقيب مارك أو. هيدال، من سلاح الجو الأمريكي في ورقة بعنوان: "الاستعانة بالخبرات الأجنبية في المهنة.. نظرة إلى المتعاقدين مع الجيش وتأثيرهما على مهنة العسكرية" أنه "من السذاجة الاستمرار في الاعتقاد أن مهام المتعاقدين الأمنيين لن تتداخل مع المهنة العسكرية على الإطلاق." ويجادل المناهضون للظاهرة بأن إيكال صميم المهام العسكرية إلى شركات خاصة سيؤثر، دون شك، وعلى المنظور البعيد، على المؤسسات العسكرية، ويتوجس البعض خيفة من تنامى القدرات العسكرية لتلك الشركات وسنها لقوانين خاصة تنظيم عملها قد يضعها على قدم المساواة مع الجيوش التقليدية. | فرضت شركات الأمن الخاصة كواقع في نزاعات القرن الحالي |
كما يتخوف هذا الفريق من ظاهرة استبدال الجندي النظامي بآخر مدني، مزود بأحدث الأسلحة العسكرية لا تحكمه قواعد عسكرية أو ضوابط دولية قد يفتح المجال أمام انتهاكات، كما شدد على ضرورة وضع ضوابط ديمقراطية وآلية لتنظيم عمل هذه الشركات. وذهب البعض إلى القول إنّ العائدات الهائلة التي تدرها النزاعات المسلحة، قد تدفع ببعض تلك الشركات إلى تأجيج العنف لاستمرار "صناعة الحرب المجزية،"، إلا أن د. سابرينا شولتز، مديرة قسم السياسات، في "الجمعية البريطانية لشركات الأمن الخاصة" (bapsc) دحضت لـCNN بالعربية تلك المزاعم. وشرحت شولتز قائلة : "شركاتنا غير مصرح لها بخوض عمليات عسكرية، لذلك لا يمكنها القتال في أي حرب، من تقوم بذلك تصنف كمرتزقة وليست شركة أمنية خاصة PSC أو شركة عسكرية خاصة PMC." وتابعت: "أعضاء الجمعية يوفرون الأمن في أجواء عالية المخاطر تتضمن أوضاع ما بعد الحرب، ومناطق مضطربة بعد كوارث طبيعية، ولكن قطعاً..لا يخوضون عمليات قتالية.. هذا أمر غير أخلاقي أو شرعي." وعلى الجانب الآخر، يرى المؤيدون أن "شركات الجيوش الخاصة" تضيف إلى مناطق النزاعات العسكرية فعالية وكفاءة القطاع الخاص وترفع عن كاهل الجيوش الرسمية أعباء قد تجهد النظام وتشتت تركيزه عن مهامه الرئيسية في خوض الحروب. "جيوش للإيجار تردد أن غزو الولايات المتحدة للعراق فتح "صندوق الشر - Pandora Box" إلا أن ما ظل خافياً، على الأقل حتى حادثة التمثيل بجثتي أربعة من متعهدي "بلاكووتر" الأمريكية في الفلوجة عام 2004، ومقتل 17 عراقياً على أيدي عناصر ذات الشركة في سبتمبر/أيلول عام 2007، أثبت أن الحرب فتحت أبواب الارتزاق على مصراعيها لجيوش الظل، التي يراها البعض كسلالة جديدة من "المرتزقة" في حلة حديثة تواكب العولمة. وكشف تقرير للأمم المتحدة نشر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن صناعة الجيوش الخاصة، التي تدخل في إطار قالب جديد من أشكال الارتزاق، في تزايد مطرد، وأن حربي العراق وأفغانستان وراء تنامي الظاهرة. | حربا العراق وأفغانستان ساهمتا في تنامي ظاهرة الجيوش الخاصة |
وقال خبراء حقوق الإنسان المستقلون، الذين أعدوا التقرير، إن حادثة مقتل مدنيين في العراق على أيدي عناصر شركة "بلاكووتر"، تعكس مخاطر استخدام هذه الشركات. وجاء في التقرير الذي أعدته اللجنة برئاسة الخبير الإسباني خوسيه لويز غوميز ديل برادو، أن "خصخصة الجيوش من قبل بعض الدول الأعضاء خلال الأعوام العشرة الماضية أسفرت عن تنام مطرد في في ظاهرة الجيوش الخاصة والشركات الأمنية." وأشار التقرير الأممي إلى أن الحصانة التي يكفلها القانون الوطني للعناصر المسلحة الخاصة في مناطق النزاعات المسلحة، تؤدي لانفراط في سلوكياتهم، وأورد: "يبدو أن الجهة الوحيدة المخولة بمحاسبة هؤلاء المتعهدين هي شركاتهم." "محاربون" أمميون تتفاوت أدوار المتعهدين الأمنيين في العراق بين تقديم الدعم اللوجسيتي، والتدريب، وخدمات عسكرية وأمنية/حماية، واستجواب المعتقلين بجانب توفير الحماية لعمليات الجيش الأمريكية وكبار المسؤولين، وهي أدوار كانت ضمن واجبات الجيوش العسكرية في السابق. وأشارت تقارير إلى أن الشركات العسكرية الخاصة اضطلعت خلال أهم مراحل العمليات القتالية في حرب العراق، بمهام مختلفة من إطعام وإسكان القوات الأمريكية إلى صيانة أحدث وأكثر الأنظمة العسكرية تعقيداً منها قاذفات ستيلث B-2 ومقاتلات ستيلث F-117 وغلوبال هوك وطائرات الاستكشاف ومروحيات الأباتشي القتالية وأنظمة الدفاعات الجوية في العديد من السفن الحربية. ويقدر أن عناصر تلك الشركات الخاصة هناك تفوق التحالف عدداً وعتاداً. وتؤكد د. شوتلز، أن حرب العراق، أنعشت ودون شك صناعة الجيوش الخاصة منذ عام 2003 وحتى 2006، عندما أخذ المعين ينضب، فاستتباب الأمن يغني عن الحاجة لشركات الأمن، وعناصرها الذين بلغت أجور بعضهم في مطلع الحرب، قرابة 1500 دولار في اليوم. | شركات الأمن الأمريكية والبريطانية المساهمان الأكبر في سوق الجيوش الخاصة |
ويبلغ متوسط أجر المتعهد الأمني، في الوقت الحالي، نحو 500 دولار يومياً، وفق شولتز. ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية في فبراير/شباط، تقريرا أشارت فيه إلى أن أرباح شركات الأمن والجيوش الخاصة البريطانية قفزت من 320 مليون إسترليني عام 2003 إلى 1.8 مليار إسترليني 2004. وقدرت شولتز أعداد المتعهدين الأمنيين ما بين ألفين إلى ثلاثة آلاف من الدول الغربية، بالإضافة إلى ما بين 5 آلاف إلى 7 آلاف من العناصر الوافدة من دول العالم الثالث، إلا أن الأرقام تشير إلى وجود نحو 180 ألف متعهد أمني يعملون تحت مظلة 200 شركة أمنية بالعراق حتى يومنا هذا. وتشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة وبريطانيا تقدمان 70 في المائة من احتياجات سوق الجيوش الخاصة، وتجند شركات الأمن "محاربيها" من مختلف أصقاع الأرض منها أستراليا وفرنسا وكندا، وجنوب أفريقيا. وذكر تقرير أممي أن شركات الأمن تجد ضالتها المنشودة في أمريكا اللاتينية حيث صقلت الأنظمة القمعية والنزاعات الأهلية المسلحة المهارات القتالية لتلك العناصر. تنامي صناعة الحرب وخصخصة النزاعات المسلحة يقول روبرت يانغ ميلتون، الذي رافق الجيش الأمريكي و"الجيوش الخاصة" في حربي العراق وأفغانستان إن "فكرة الجنود المدنيين تضرب صميم كافة مبادئ الأمريكيين.. قاتلنا في هذه الحرب مدة أطول من الحرب العالمية الثانية.. والجيش يعتمد تماماً على القطاع الخاص." ويقول ميلتون"، إن "محاربي" الشركات الأمنية الخاصة، ممن اكتسبوا حنكة قتالية في العراق، سيواصلون البحث عن المال ومغامرات جديدة في أماكن أخرى، مضيفاً: سيكون لذلك تأثير هام على خريطة الأمن العالمي." وأضاف: "إذا أراد الجيش تأجير مرتزقة لخوض المهام القتالية بالنيابة عنه، فعلى الأرجح سيجد كتيبة بأكملها جاهزة للقيام بذلك." ويرى خبراء أن الجيش الأمريكي، الذي يعتمد بصورة عالية على "الجيوش الخاصة"، غير قادر على شن أي حرب دون الاستعانة بهم، بينما يتهيب شق آخر أنها قد تتهدد مهنة العسكرية. ويخالف كاريسك، هذا الرأي قائلاً إن بقاء الشركات العسكرية الخاصة مرهون بالجيش، وأردف : "من منظوري الخاص، المؤسسات العسكرية هي التي تكلف الشركات العسكرية الخاصة، لذلك ضمان مصالحها المكتسبة يقتضي تمتع ذاك القطاع بوافر الصحة." ويشير مراقبون إلى أن الكم الهائل من المتعهدين الأمنيين في العراق يعكس من جهة إخفاق إدارة واشنطن في التكهن والتخطيط لحجم مقاومة ما بعد الحرب، وتعكس من جهة أخرى مساع أمريكية لـ"خصخصة آلة الحرب". ومثل العراق نقطة تحول في الإستراتيجيات العسكرية للولايات المتحدة التي أضحت، ولأول مرة، تعتمد بصورة كثيفة على المتعهدين الأمنيين لتقديم خدمات أمنية واسعة في مناطق ساخنة، وفق تقرير الكونغرس. | أنعش العراق قطاع الجيوش الخاصة |
وقال الكاتب جيرمي سكاهيل، الذي أمضى ثلاث سنوات في التحقيق عن "بلاكووتر" وصعودها الاستثنائي إلى "أقوى جيش مرتزقة نفوذاً في العالم"، على حد زعمه: "بالنسبة لي.. كان بالقطع ثورة على شؤون الجيش الأمريكي.. الذي تقلص دوره إلى شريك صغير في تحالف الاحتلال بقيادة شركات الخاصة." وتثير الأعداد الهائلة لمقاتلي الجيوش الخاصة في العراق قلق الساسة في واشنطن، إلا أن الرئيس الأمريكي جورج بوش رجح إمكانية "خصخصة آلة الحرب" الأمريكية وتشكيل "فيلق احتياط المدنيين" في تطور محوري لكيفية استجابة الولايات المتحدة للحروب والكوارث الطبيعية وعمليات إعادة الأعمار. وأعلن بوش في وقت سابق: "مهام مثل هذا الفيلق ستماثل احتياط الجيش، وستخفف العبء عن كاهل قواتنا المسلحة بالسماح لنا بتوظيف المدنيين الذين لهم مهارات ضرورية لإنجاز رسالتنا في الخارج عند احتياج أمريكا لهم." وبزغ نجم "الجيوش الخاصة" مع انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. فقوام الجيش الأمريكي الحالي يبلغ 60 في المائة من حجمه قبل عقد مضى، وتقلص الجيش الأحمر بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، كما تلاشى جيش ألمانيا الشرقية بعد توحد الألمانيتين، وقضت نهاية التمييز العنصري في جنوب أفريقيا على احتكار "الأبيض" للمهنة العسكرية. ودفعت كافة تلك العوامل بقرابة ستة ملايين عسكري سابق إلى سوق البطالة، وبدأ قطاع "الجيوش الخاصة" في امتصاص تلك الكوادر وتوظيف مهاراتهم العسكرية. مطالب بتنظيم القطاع طالبت الأمم المتحدة ومنظمة الصليب الأحمر الدولية مراراً الحكومات بإصدار قوانين تنظم عمل قطاع "الجيوش الخاصة" والحماية من الأخطار المتلازمة مع خصخصة استخدام العنف في مناطق الحروب. وأعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند في فبراير/شباط الماضي أن الحكومة تواجه تحدياً قانونياً إزاء إخفاقها في إصدار قانون ينظم مهام "جيوش الظل." ومن جانبه أعرب النائب الأمريكي جان شاكويسكي، أكبر ناقدي خصخصة الحرب، عن مخاوفه من افتقاد تلك القوانين المنظمة قائلاً: "لدينا أفراد غير ملزمون بأتباع الأوامر أو بقواعد السلوك العسكري، ولائهم للرؤسائهم وليس بلادهم." واستوضحت CNN بالعربية د. عبد الحميد الأحدب، الخبير في القانون الدولي حول وصف العناصر الأمنية بأنها ليست سوى صورة أكثر حضارية لـ"المرتزقة." وقال د. الأحدب إن الأمر موضوع خلاف، فالجواب يعتمد على خصوصيات كل حالة وخاصة النشاط الخاص الذي تمارسه الشركات الأمنية الخاصة، بالإضافة إلى جنسية موظفيها، مشيراً إلى أن نشاطها محصور، من حيث المبدأ، بالخدمات الأمنية التي تشمل أنشطة تصل إلى المشاركة المباشرة في القتال مثل العمليات العسكرية.. ويتبع ذلك في معظم الحالات، من وجهة نظر قانونية محضة، أن تلك الشركات تقع خارج نطاق التعريف الوارد في المادة 47 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف التي تتطلب أن يشترك الشخص بشكل مباشر في الأعمال القتالية. وأضاف د. الأحدب معرفاً أن الموظفين التابعين لشركات الأمن الخاصة، الذي يشاركون بشكل مباشر في الأعمال الحربية (APGC77, Art.47.b) لا يمكن توصيفهم على أنهم مرتزقة إلا أذا كانوا إما رعايا طرف في النزاع أو من المقيمين في أراض خاضعة لسيطرة طرف في النزاع، مشيراً إلى أنه في حالة "بلاكووتر" فأن الأمريكيين العاملين لحساب الشركة لا يعتبروا من المرتزقة أثناء مساعدتهم الجيش الأمريكي، إلا أن العاملين من جنسيات أخرى تحت لواء الشركة، ودولتهم لا تشارك في تحالف العراق، فهم يقعون تحت تعريف الـ"مرتزقة." هذا وقد جاء إعداد هذا التقرير عقب إعلان وزارة الخارجية الأمريكية تجديد عقد عمل شركة "بلاكووتر" الأمنية في العراقية، والتي سلطت حادثة مقتل 17 عراقياً على يد متعهديها العام الفائت، الضوء على حجم"الجيوش الخاصة" في العراق والحصانة التي تتمتع بها تلك القوات من الملاحقة تحت طائلة القانون العراقي. ويعدّ ما قاله الصحفي الأمريكي سكاهيل أفضل وصف لما يحدث حيث أشار إلى أنّه "جرت 64 محاكمة عسكرية لجنود ارتكبوا مخالفات في العراق.. ولم تعقد محاكمة واحدة لمتعهد أمني تحت طائلة أي من القانونين المدني أو العسكري." |