الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN"، يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
بعد سباق نشط في الأسواق العالمية ومرور ما يدعى باختبارات التوتر المتعلقة بالمصارف في الولايات المتحدة، يتشوّق الجميع إلى الإعلان أنّ الأسوأ مرّ ولا ينتظرنا سوى نفحات الازدهار.
قد يدفعنا متابعو التاريخ إلى التفكير مجدداً، فخلال الانهيار الكبير، اعتقد المستثمرون خطأ أنّ الازدهار الأولي دائم لكنّهم استمرّوا بالمعاناة لأربع سنوات.
هذا الأسبوع، حظيت بفرصة المشاركة في إدارة مؤتمر الاستثمار في الفنادق العربية الذي أقيم في دبي، وقابلت لاعبين بارزين على ساحة الاستثمارات وهما سلطان أحمد بن سليّم من "عالم دبي"، والأمير سلطان سلمان عبد العزيز السعود من الهيئة العليا للسياحة. ويُعرف الأخير بأنّه تمكّن من مشاهدة العالم برمّته عندما قام برحلة إلى الفضاء عام 1985 بصفته رائد فضاء في مهمة ديسكفري.
وفي إطلالتهما التي دامت نصف ساعة، قدّم كلّ منهما تقييماً واضحاً وصريحاً عمّا نحن عليه اليوم. وقال رئيس "عالم دبي" إنّه سيكمل كلّ المشاريع قيد الإنجاز لكنّه سيؤجّل المشاريع الجديدة بما فيها البرج الذي يبلغ ارتفاعه كيلومتر و المصمم ليتخطّى برج دبي. حدّ سلطان بن سليّم من نفقات مجموعته النخيل من خلال التخلّي عن 15 في المائة من فريق العمل. وقد علّق قائلاً: "سنؤجّل كلّ ما لا يمكننا تمويله الآن".
امّا قصّة السعودية فتبقى حكاية توسيع فبعد ستة أعوام من الفائض، تنفق المملكة بحرية على قطاعات التربية والعناية الصحية وحتى السياحة. ويحاول الأمير سلطان استعادة 15 مليار دولار أنفقها السعوديون خارج البلاد خلال عطلاتهم. وفي الوقت نفسه، تقوم السعودية بتحديث البنى التحتية، فمع بلوغ عدد السكان 28 مليوناً بما فيهم 6 ملايين مغترب، قررت المملكة أن تفتح أو تعيد تأهيل 22 مطاراً محلياً أو دولياً. وياتي ذلك بموازاة الاستراتيجية القائلة بتطوير أربع مدن اقتصادية جديدة.
ومن جهته، قال ماريوس ماراتيفتيس من مصرف ستاندارد تشارترد لأصحاب مشاريع الفنادق، إنّ منطقة الشرق الأوسط هي "المنطقة الأكثر مرونةً في العالم". ولا شكّ أنّه محقّ من حيث التوقعات المصرفية القائلة بأنّ منطقة الشرق الأوسط ستبقى عائمة فوق المياه عام 2009 لتبلغ نسبة النمو فيها 1 في المائة. أمّا الأمريكيون والأوروبيون فسيشكرون نجوم الحظّ على هذا الأداء.
من ناحية أخرى، عندما يقيس المرء حرارة قطاع الأعمال خلال فترة مكوثي التي دامت ثلاثة أيام في دبي، يدرك أنّ الواقعية قد وصلت إلى المركز المالي في المنطقة. وقد توقّفت مجموعة من المحامين عن مشاركة أفكارها عن الموضوع فيما كنت أقف بقربهم بانتظار سيارة الأجرة لكنني سمعت احدهم يقول إنّ شركتهم بخير هذا العام لكن إن كان العام 2010 مشابهاً لعام 2009 قد لا ينجون من التباطؤ الحاصل.
لكن لسوء الحظّ، هذا هو جوهر التحدّي. فالعام المقبل لا يبدو مشرقاً مع الحالة المتردية للقروض ومع استحقاق ديون الحكومات والشركات ابتداءً من الخريف المقبل. وقد عبّر مسؤولو الحكومات عن ثقتهم بأنّ السندات بقيمة 10 مليار دولار ستكون بخير، كما كان سلطان بن سليّم من هذا الرأي أيضاً في ما يتعلّق بعالم دبي والحاجة إلى إعادة التمويل بقيمة أكثر من 4.5 مليار دولار العام المقبل.
لقد تمّ اختبار المنطقة سابقاً واجتازت التحديات بنجاح. وخلال قيامه بجولة في مجمّع الفنادق الذي يملكه، قارن جيرالد لوليس، رئيس مجموعة الجميرا، هذا التحدي الاقتصادي بالنتيجة السريعة التي يجب التوصل إليها بعد 11 سبتمبر/أيلول وحرب الخليج.
وقال لوليس البالغ من العمر 30 عاماً إنّ دبي قامت "بتقييم واقعي جداً عن وضعنا الحالي. ونعرف أنّ الأمر خطير لكن قد يكون أسوأ بكثير."
وبالإضافة إلى التخلّي عن الموظفين، اضطرت مؤسسة دبي Dubai Inc. إلى الاستجابة بسرعة للمحافظة على الزوار. وقد تعاون العاملون في مجال الضيافة والفنادق شأن لوليس مع طيران الإمارات لتقديم عروض مشتركة. وفي هذا الصدد، يفيد لوليس إنّ نسبة الإشغال في مجمّعاته بلغت 97 بالمئة خلال شهر ابريل، لكنّ لم يأت ذلك سوى بعد خفض عائدات الغرفة الشاغرة بنسبة 20 بالمئة خلال الفصل الأول من السنة.
تملك مجموعة الجميرا مشاريع إنمائية كبيرة لكنّ المالك المشغّل لفندق برج العرب المعروف يتخّذ المزيد من الإجراءات الاحترازية. وبالتالي، قدّ تمّ تأجيل المشاريع الخاصة بأولى الفنادق الستّة التي سيتمّ تشييدها في الصين وذلك حتى فصل الربيع او الصيف من العام المقبل. إلاّ أنّ لوليس يخطط لإدارة 60 فندق بحلول عام 2012 على أن يكون نصفها عاملاً في ذلك الوقت.
وبعد المؤتمر، أمضيت ساعةً من الوقت في موقع "النزهة" على شاطئ الجميرة وهي منطقة عصرية تزخر بالمطاعم والمتاجر الفاخرة، ولاحظت أنّ المحليين والسواح معاً ينفقون إنما ليس بالوتيرة نفسها كالعام الماضي.
وفي بداية نزهتي، توقفت لأشاهد مشهداً غير اعتيادي في الخليج: رافعة تحمل مهدّة تهدم بناءً "قديماً". فعلى ما يبدو، يتمّ تنظيف هذا الموقع الرئيسي من مبنى سكني آخر. كانت تلك نفحة نادرة من النشاط في مدينة اعتادت على الحركة والنشاط الدائمين لكنّها تستريح لبرهةٍ اليوم لتحدّد مواقع الازدهار الممكنة وسط رمال الصحراء.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.