عندما يتحول جو العمل إلى استعباد..
(CNN) -- قد تكون العبودية فكرة مستهجنة في القرن الحادي والعشرين، إلا أن أكثر من 40 ألف برازيلي يكتوون بنار السُّخرة، في حين أن أكثر من 12 مليون شخص في العالم يعانون من هذا النوع من العبودية.
ويقول مسؤولون حكوميون وناشطو حقوق الإنسان في البرازيل إن هناك عدداً من البرازيليين يفتقرون إلى أجور حقيقية ولا يستطيعون مغادرة معسكرات العمل النائية التي يعيشون فيها.
ويسمي هؤلاء الوضع الذي يعيشه أولئك العمال بعبودية العمل، أو "السخرة"، وهو وضع يكافحون من أجل اجتثاثه.
وقال فريق حكومي تم تشكيله عام 1995 إنه تمكن في 2008 من تحرير 4634 عاملاً، وذلك عقب 133 غارة شنها على مصالح تجارية ومزارع ضخمة تعتمد على عمال يُجبرون على العمل فيها.
وقال بيتر حكيم، رئيس مركز الحوار ما بين الدول الأمريكية، وهو مركز بحثي مقره واشنطن، إن "العبودية هي الجزء الأبرز من كثير من الممارسات التي تستغل الناس الفقراء والعمال في البرازيل."
ويتم إخضاع العمال للعبودية في البرازيل، بأن يجوب مستقطب للعمال، يطلق عليه "غاتو" أو قطة، الأحياء الفقيرة والمعدمة في طول البلاد وعرضها، بحثاً عن أناس يقبلون بالعمل في أماكن بعيدة ونائية.
وبمجرد أن يغادر العامل منزله وعائلته، يغدو معرضاً لكل أنواع الاستغلال، مثل أن يقال له إنه مدين مقابل توفير له الانتقال والطعام والمبيت وخدمات أخرى.
ويطلق على هذه الممارسة بالتبعية المترتبة عن الديون، وهي "تماثل التعريف الرسمي للعبودية،" كما تقول الجمعية الدولية لمناهضة العبودية، وهي جمعية غير حكومية مقرها بريطانيا.
وتوضح الجمعية أن "الشخص يقع في العبودية المترتبة عن الدين، حينما يطالَب بالعمل لتسديد قرض أو سلفة مقدمة من رب العمل. وبمجرد أن يصبح مديناً فإنه يفقد السيطرة على ظروف عمله."
وكانت منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة قد قدرت أن هناك ما بين 25 ألف و40 ألف برازيلي يعملون تحت هذه الظروف في 2003.
أما ليوناردو ساكاموتو، مدير مجموعة حقوق الإنسان المسماة "ريبورتر" في البرازيل، فيقول إنه لا يعرف رقماً مؤكداً، ولكنه واثق بأنه يوجد في البرازيل أكثر من 25 ألف يعمل في السخرة.
في حين أن جمعية مناهضة العبودية تقدر بأن هناك 12.3 مليون عامل سخرة في مختلف أنحاء العالم.
وتقول الجمعية إن "العمل الإجباري موجود في السودان ونيبال والهند وموريتانيا، إلى جانب دول غنية عديدة (بما فيها المملكة المتحدة)، حيث يخضع الناس الضعاف للعمل القسري أو الاستعباد الجنسي."
ويذكر أن الفريق الذي شكلته الحكومة البرازيلية قد حرر 6000 آلاف عامل تقريباً في 2007، و33 ألف شخص منذ تشكيل الفريق في 1995.
وكان وزير العمل البرازيلي كارلوس لوبي قد قال في مقابلة حديثة مع وكالة أنباء حكومية "إن الجهود التي تقوم بها حكومته في هذا المجال ستتضاعف في هذه السنة."
وقالت آيدن ماكودا، مديرة الجمعية الدولية لمناهضة العبودية، في تصريح لشبكة CNN إن "التزام الحكومة البرازيلية بمضاعفة جهودها في هذا السبيل في 2009 هو مشجع. فالقيادة الفاعلة والصريحة التي نلمسها من البرازيل تعد نادرة."
مضيفة أنه " حتى الهند التي تشبه البرازيل في أنها دولة ديمقراطية وعضو في مجموعة العشرين، مازالت البلد الذي يضم أكبر عدد من العبيد في العالم."
ويؤكد ساكاماتو أن العبودية ترتبط بالفقر، فمع أن معدل الفقر تراجع مؤخراً في البرازيل إلى أدنى مستوياته في 25 عاماً، فإن هناك فقيراً من بين كل أربعة برازيليين، وفقاً للمسح الذي أجراه عام 2006 مركز الدراسات الاجتماعية، وهذا يعني أن 49 مليون برازيلي على ألأقل يعيشون في ظروف اقتصادية صعبة، من أصل 200 مليون إجمالي عدد السكان.
وقال حكيم إن "البرازيل بلد ضخم وكبير وفيه كثير من الفقراء."
مضيفاً "كلما ابتعدت عن المناطق الصناعية والمأهولة بالسكان، تجد أعداداً كبيرة من الناس الذين يبذلون كل جهدهم من أجل أن يستمروا في هذه الحياة."
إلا أن السخرة آخذة في الانتشار في هذا البلد اللاتيني.
ووفقاً للكاهن سافير بلاسات المسؤول في لجنة الأرض الرعوية الكاثوليكية "إننا نكتشف بؤراً جديدة للسخرة في مناطق في البرازيل لم نكن نعدها كذلك من قبل."
وفي المقابل، هناك جهات وقوى وأشخاص في البرازيل لا يوافقون على وصف ظروف العمل القاسية هذه بأنها "عبودية"، إذ إنها برأيهم لا تتوافق وخصائص العبودية التي عرفتها البرازيل في القرن التاسع عشر.
فبولو سوتيرو، مدير المعهد البرازلي بمركز دراسات وودرو ويلسون بواشنطن، يعتقد أيضاً أن تسمية تلك الممارسات بالعبودية فيه مغالاة.
فبرأيه أن "استخدام عبارة عبودية العمل أحياناً لا يصف حقيقة هذا الأمر."
وقال سوتيرو "إنها لا تعدو كونها ظروف عمل غير عادلة، ومستغلة."
ويشير إلى أن صناعة السكر البرازيلية توظف نحو 900 ألف عامل، ولكن 4 آلاف فقط تم تحريرهم السنة الماضية مما يسمى "عبودية العمل".
وأضاف أن سمعة كثير من رجال الأعمال قد تلطخت بفعل تصرفات سيئة يقوم بها يرتكبها بعضهم.
يشار إلى العبودية أبطلت في البرازيل في 1888، وهي ممنوعة بموجب الشرعة العالمية لحقوق الإنسان التي صدرت في 1948، وكذلك بموجب المعاهدة الإضافية للأمم المتحدة لعام 1956 الخاصة بإلغاء العبودية وتجارة الرقيق والسلوكيات المشابهة للعبودية.