البطالة.. من العوامل التي ساهمت في الأزمة
نيويورك، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- يمكن تتبع بعض الأمراض المعدية إلى ما يسميه الباحثون في المجالين الطبي والصحي "المريض الأول"، وهو أول شخص حمل المرض قبل أن ينقله إلى الآخرين، ومثال ذلك المريضة "ماري تيفوئيد" أو "ماري مالون" التي زعم أنها السبب وراء انتشار حمى التيفوئيد في مدينة نيويورك وضواحيها بين عامي 1901 و1906.
الأمر نفسه ينطبق على الركود الاقتصادي العالمي الحالي، فهناك شخص ما تسبب بسلسلة الأحداث التي أدت إلى هذا الركود الأكبر من نوعه منذ الكساد العظيم، والذي تشير بعض التقديرات إلى أنه فقدان نحو 50 مليون شخص لوظائفهم في مختلف أنحاء العالم، وفقاً لتقديرات منظمة العمل الدولية.
أما هذا الرجل فقد كان قد اشترى منزلاً في مدينة ستوكتون بولاية كاليفورنيا في العام 2003، بعد أن حصل على قرض ائتماني، وتخلف عن تسديد القرض المستحق عليه للبنك طوال 39 شهراً.
معظم الخبراء الاقتصاديين يلومون أسواق قروض الائتمان التي أطلقت الانهيار الاقتصادي جراء تدهور أسعار المنازل في الولايات المتحدة، وبالتالي خفض قيم ضمانات القروض العقارية الثانوية.
وفشل الخبراء في الوول ستريت، الذين وضعوا هذه الأدوات المالية، في التنبؤ بسرعة انخفاض قيم القروض غير الجيدة وذلك لأن قيمة المساكن على المستوى الوطني واصلت ارتفاعها طوال عقود.
ومع ارتفاع تقييم المنازل بصورة أكبر بكثير من قيمها الحقيقية، فقد اقتضى الأمر أن تتعرض "المشتقات المالية" والبنوك والمؤسسات المصرفية والمالية إلى خسائر هائلة، وربما كان هذا السبب وراء الانتقادات التي وجهها رئيسا وزراء الصين وروسيا إلى الولايات المتحدة، جراء فشل تشريعاتها ولوائحها المالية في منع انتشار "المشتقات المالية السامة."
جراء عدم القدرة على السداد، كان على المؤسسات المالية التي قدمت القروض تملك عدد كبير جداً من المنازل والمساكن التي لم يتمكن المقترضون من دفع المستحقات الشهرية المترتبة عليهم، وخسرت بالتالي المصدر الرئيسي للسيولة النقدية.
وبالنتيجة، ولعدم توفر السيولة المالية، باعت المؤسسات المالية هذه المنازل والمساكن للبنوك والمؤسسات المالية الكبرى التي كانت قد قدمت القروض المالية للمؤسسات المالية الثانوية.
وبالطبع، سبقت هذه العملية، أن وكالات التصنيف العالمية، التي تتلقى تمويلها من أصحاب السندات، دأبت خلال الفترة الماضية على منح تصنيفات عالية للإصدارات المالية المدعومة بقروض الرهن العقاري الثانوية، والتي اتضح لاحقاً أن معظمها ليس آمناً بالقدر الذي روّج له.
وفي العام 2007، بدأت معدلات الرهن العقاري ترتفع بصورة غير معهودة، ومنحت المؤسسات المالية الثانوية القروض الضخمة للمواطنين من دون أي ضمانات حقيقية بالسداد.
كذلك يحصل المقترضون على تسهيلات كبيرة خلال السنوات الثلاثة الأولى من القرض، ثم يعاد جدولتها لمدة أطول فيما بعد.
وهكذا وجد المقترضون، الذين اشتروا منازلهم، أنفسهم يدفعون أقساطاً شهرية أكبر، وفي كثير من الحالات لم يعد بإمكانهم السداد، وتحديداً مع زيادة معدلات البطالة وفقدان الوظائف.
وهنا بدأت تختفي السيولة النقدية لدى مؤسسات الإقراض الثانوية، وبصورة متسارعة، ولحقها تدني في القيم الحقيقية "للمشتقات المالية."
بحسب النماذج المالية، فإن هذا الشخص الذي حصل على قرض من مؤسسة مالية ثانوية عام 2003، المعروف بأنه "المتسبب الأول" للركود، كان ينبغي أن يواصل تسديد القروض على مدى عشرة أعوام، ثم يبيع منزله، وعندما أعيدت جدولة ديونه عام 2006، تخلف مرة أخرى عن السداد.
وفي اليوم التالي تخلف شخص آخر عن دفع أقساط منزله، ثم ثالث، وبات الأمر كالعدوى، الأمر الذي أدى إلى خسارة عالم قروض الائتمان لخصائص الربح المالي، التي كان ينبغي له أن يحصل عليها.
وهكذا أصبح الأمر مثل كرة الثلج المتدحرجة من أعلى الجبل، فبدأت الأزمة من كرة صغيرة وتطورت مع تدحرجها إلى كتلة ثلجية هائلة تدمر كل ما يعترض سبيلها، دون أن يكون هناك من يمكنه إيقافها عن التدحرج والتدمير.
أما الشخص المتسبب بهذه الأزمة، أي المواطن الأمريكي الذي حصل على القرض وتخلف عنه، فهو زبون لدى مؤسسة "كانتري وايد" CountryWide، وحصل على قرض رهن عقاري بقيمة 250 ألف دولار لمدة خمسة أعوام.
وبحسب القرض، لم يكن ينبغي لهذا الشخص أن يدفع أي شيء مقابل الحصول على القرض.
وفي الأثناء، أخذت الفوائد على قروض الإسكان في منطقة ستوكتون بكاليفورنيا ترتفع بنسبة 10 في المائة سنويا، على مدى السنوات الأربع التالية.
وبعد شهرين على إعادة جدولة ديون هذا الرجل في العام 2006، خسر وظيفته، ولم يتمكن من تسديد أي دفعة، وهو يبحث عن عمل الآن من أجل البدء بتسديد الدفعات المستحقة عليه!