خاص بموقع CNN بالعربية
عازف عود يطرب رواد مطعم شعبي بفاس
الرباط، المغرب (CNN)-- هم فنانون، عازفون ومغنون، قد لا يقلون موهبة عن أولئك الذين يصعدون منصات الحفلات أو يظهرون على شاشات الفضائيات، غير أنهم لا يقاسمونهم أحلامهم، ولا يفكرون في "النيولوك" لحفلة نهاية الأسبوع، أو في ملايين العقد القادم مع شركة الانتاج، بل فقط في كسب ما يسد رمقهم ويؤمن كفاف أسرهم.
فنانون متجولون يذرعون شوارع المدن المغربية، متنقلين بين المقاهي والحافلات العمومية والأسواق الشعبية الأسبوعية، يصمدون أمام ضيق فسحة العيش، وقد بارت تجارتهم، وقل جمهورهم، وباتوا عرضة للسخرية والاحتقار ومطاردة رجال الأمن، وللتشرد والبؤس.
كان العم ادريس خياطا بمدخول شهري محترم، قبل أن يفقد الجزء الأكبر من بصره، ويجد ظهره عاريا إلى الحائط، فما كان منه إلا أن عاد إلى عشقه الأول، الموسيقى، التي لم يتخل عنها إلا مكرها تحت ضغط الوالدين.
ومع اللحظات الأولى للمساء الرطب في شوارع فاس، يتأبط العم ادريس عوده متجها إلى مكانه، شبه الدائم، ينزوي في كرسي قبالة مطعم شعبي صغير، حيث لايزال يلقى ترحيبا نادرا، منطلقا في تسلية الزبائن بمقاطع من أغاني مغربية أصيلة، منتظرا بين حين وآخر عطاءات المتعاطفين والمستمتعين بفنه.
ويقول العم ادريس لموقع CNN بالعربية: "لقد تقدمت في السن، ولم أعد قادرا على الحصول على عمل ضمن جوقة موسيقية لها نشاطها المنتظم، كما أني أحاول تجنب التجوال لأن بضاعتنا لم يعد مرحبا بها كما كان الأمر سالفا. رجال الأمن الخاص المرابطون في أبواب الحانات والمطاعم يمنعونني من الدخول والتواصل مع الناس، فآثرت الاقتصار على هذا المكان، معتمدا على سماحة صاحب المحل."
ولا يكاد دخل العم ادريس يتجاوز 50 إلى 60 درهما في اليوم (5 الى 7 دولارات)، هذا في أيام الصيف الصاخبة، أما في فصل الشتاء، فإن الحال يسوء تماما.
ويضيف قائلا: "الوالدة رحمها الله هي التي منعتني من احتراف الفن في أوانه، كانت تحرق كل آلة موسيقية تجدها في البيت، وها قد عدت الى الموسيقى رغما عني، بعد طول انقطاع، وبعد أن انصرف الناس عن الفن المحترم، فأصبحت، ومن مثلي، محل سخرية الشباب."
وأقصى ما يتمناه العم ادريس أن يسدد ديونه المتراكمة، وينجح في ضمان الدراسة لطفليه الصغيرين من زواج متأخر.
غير أن الخوف من المستقبل يتملكه: "مع أن الدولة كان بإمكانها أن تفعل لنا الكثير، لأن فننا مازال له مكانه في الفنادق والاقامات السياحية، وكان بالإمكان الاتفاق مع أصحاب هذه المحلات على تهيئة فضاءات للموسيقى الأصيلة التي يعشقها السياح مقابل أجر شهري متواضع، وكذا العمل على تنظيم ممارسة هذه المهنة، بدل أن تصبح بمثابة تسول مقنع."
من جانبه، يواصل حمادي، هو الآخر ماراثونه اليومي عبر حافلات العاصمة الرباط، متأبطا آلته الوترية العتيقة، ومرددا أغاني دينية شعبية، يدغدغ بها عواطف الركاب، وهو لا يمني النفس بالتفاتة رسمية تجاه أمثاله، بل جل مبتغاه أن يخلي رجال الأمن بينه وبين الأسخياء من المارة، لأنه مل من جولات الكر والفر وهو في منتصف عقده السادس.
وفي هذا السياق، يقر حسن النفالي، رئيس الائتلاف المغربي للثقافة والفنون، الذي يهتم بالوضع الاجتماعي للفنانين بالمملكة، بأن هذه الشريحة لم تحضر قط ضمن دائرة الاهتمام العمومي، غير أنه يعزو ذلك إلى عوامل موضوعية، من بينها صعوبة حصر هذه الفئة من الفنانين، كما أن نشاطهم يتخذ طابعا استرزاقيا أكثر منه إبداعيا، على عكس الوضع في بعض البلدان الأوروبية، حيث يبحث فنانون حقيقيون عن تجريب صيغ فنية وتنشيطية أمام عموم الناس في الساحات والأماكن العامة.
وأوضح النفالي في تصريح لموقع CNN بالعربية، أن انتظام هؤلاء الفنانين في جمعيات مضبوطة الأعضاء قد يتيح لهم الاستفادة من الضمانات التي يوفرها "قانون الفنان"، ويسهل إمكانية التدخل لمعالجة أوضاعهم الاجتماعية، على غرار ما تحقق بالنسبة لمنشطي ساحة الفنا الشهيرة بمراكش (موسيقيين وممارسي ألعاب بهلوانية، ورواة الحكايات...) التي صنفتها اليونيسكو جزءا من التراث الشفوي للإنسانية.