هل ينذر الهدوء في غزة بعاصفة قريب؟
قبل ساعات قليلة من بدء الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما موكبه الرئاسي من "كابيتول هيل" باتجاه البيت الأبيض، كان في قطاع غزة موكب من نوع آخر، أطلقته حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، شارك فيه آلاف من الناس، يحملون أعلاماً خضراء، وهي الأعلام التي تمثل الحركة، يسيرون على حطام ما كان يوماً يُعرف بمبنى البرلمان الفلسطيني في غزة.
الزميل بن ويديمان رصد موكب غزة بقوله: في هذه المسيرة، جرى إلقاء العديد من الخطابات والكلمات، جميعها تدور حول نقطة واحدة، وهي "النصر على العدو الصهيوني، والحاجة إلى مقاومة العدوان، وتحرير الأرض الفلسطينية بأكملها."
خلال عملي في قطاع غزة، قمت بتغطية الكثير من المسيرات المشابهة، ولعل أكثر ما شدني وفاجأني هو تلك الابتسامات التي تعلو وجوه المشاركين، والتي لا زالت هناك رغم جميع ما حصل منذ 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي في القطاع.
فرغم القصف الكثيف للقوات الإسرائيلية على قطاع غزة، ومقتل أكثر من 1300 شخص (معظمهم من المدنيين)، وجرح وتشريد أكثر من خمسة آلاف شخص، وتدمير الآلاف من المنازل، منها المؤسسات التعليمية، والصحية، ومؤسسات الأمم المتحدة.. لا زالت حماس موجودة هنا.
وبعد يوم واحد فقط من إعلان وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي، عادت شرطة حماس إلى الشوارع لتنظيم السير، بينما يسير هنا وهناك مقاتلوها، يحملون على أكتافهم بنادقهم ورشاشاتهم، وعلى الناحية الأخرى من المدينة بدأ عمال الكهرباء سعيهم من أجل إعادة التيار الكهربائي إلى القطاع بعد انقطاع دام طويلاً، بينما تجد على الناحية الأخرى الجرافات تنظف المكان من دمار ملت العين النظر إليه.
في ذلك الصباح، كنت موجوداً في الجزء الشمالي من بيت لاهيا، قرب الحدود الإسرائيلية، ورأيت فوقي صاروخين انطلقا باتجاه إسرائيل.. هذان الصاروخان لم يكونا إلا رسالة من حماس إلى إسرائيل: نحن لا زلنا هنا.. وفي نهاية ذلك اليوم، أعلنت حماس أيضاً وقفاً لإطلاق النار.
من جهة ثانية، يؤكد المسؤولون الإسرائيليون أنهم أضعفوا القوة العسكرية لحماس، إلا أن أحداً في غزة، وحتى أولئك المعارضين لها، يؤيد هذا الرأي.. فقد هز الهجوم الأخير حركة حماس، إلا أنها لا تزال واقفة.. وفي العالم العربي العديد من الناس يرون في مقاتلي حماس الأبطال المحررين، وليس بالضرورة أن يكون القادة أو الفاسدون من أولئك.
حماس في غزة في 2009، وحزب الله في لبنان في 2006، لم تستسلما للقوات الإسرائيلية، ولم ترفعا الأعلام البيضاء.. وحاول أن تقارن ذلك بالهزيمة المذلة للقوات العربية مجتمعة وممثلة في الأردن، وسوريا، ومصر، أمام إسرائيل في حرب 1967، التي لم تستمر إلا ستة أيام.
وهذا يشعرنا أن هناك نمطاً يجعل إسرائيل، المعروفة بقوتها في الشرق الأوسط، غير قادرة على هزيمة أعدائها في أرض المعركة.. وأي شخص في الشرق الأوسط يعرف أن "الصمود أمام إسرائيل هو النصر."
والآن وبعد انتهاء الهجوم، لن تغير إسرائيل من سياسة الحصار على قطاع غزة، والذي بدأته في يناير/ كانون الثاني 2006، بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية.
كما أنها قد لا تسمح للكثير من المعونات بالدخول إلى القطاع.. وهي أيضاً لا تنوي أبداً بدء أي نوع من الحوار مع حماس، كما أنها ستسعى لنيل آذان صاغية في كل من واشنطن والاتحاد الأوروبي، للتأكد من عدم رغبة العالم في وجود حماس.
ولا يمكن توقع الكثير من الأوروبيين، الذين أعلنوا، إلا قليل منهم، أنهم لن يرسلوا أي مساعدات إلى القطاع ما دامت حماس تسيطر عليه.
أما الولايات المتحدة فقد أكدت في آخر أيام الرئيس السابق جورج بوش عزمها على عدم الاعتراف بحماس، وقد تكلل ذلك بتوقيع اتفاقية لوقف تهريب السلاح إلى قطاع غزة.. ولاي يجب أن ننسى أن مصر لم تكن طرفاً في هذا الاتفاق، ولم يتم استشارتها.
وكل ذلك هو جزء من مخطط يسعى إلى عزل حماس، والذي يمكن تلخيصه فيما قال دوف وايزغلاس، أحد مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت: "الفكرة هي في أن يتبع الفلسطينيون حمية غذائية، لا أن يجوعوا."
في النهاية، كل ما أدى إلى الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة: الصواريخ، وعزل حماس الدولي، لم يتغير.. فبعد الحرب، تحتاج حماس إلى مهلة للوقوف، كما أن الجانب الإسرائيلي بحاجة إلى استجماع قواه، بعد الانتقادات الدولية الموجهة ضده بسبب استهدافه المدنيين.
والشعب الفلسطيني في غزة يأمل الآن بالسلام والهدوء، كما يتطلع إليه الإسرائيليون على الحدود مع القطاع. إنها فعلاً فترة هادئة، فهل تكون هدوءاً يسبق العاصفة؟.. هذا محتمل جداً.