الأقليات في إيران إلى أين؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- في موسم الانتخابات الإيرانية، يبدو أن من القضايا التي سقطت سهوا، وربما عمدا على أيدي بعض المراقبين، هي مسألة الأقليات في إيران، فاعتبار هذه الأخيرة دولة فارسية خالصة هو خطأ شائع عند الكثيرين فهي تحتوي على تنوع عرقي بارز، فبحسب تقديرات موقع World Factbook لا تتعدى نسبة الفرس الـ51 في المائة من عدد السكان.
وبحسب التقديرات ذاتها، فإن هذه الأقليات تتوزع نسبها كالآتي: أذريون (أتراك) 24 في المائة، وجيلاك ومازندرانيون 8 في المائة، وأكراد 7 في المائة إضافة إلى العرب في الغرب، والبلوش في الشرق.
ويلاحظ المراقب خلال هذه الانتخابات انتشار الدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية في مناطق في شرق إيران وغربها، وتحديداً بين العرب، الذين يعرفون بالعرب الأحوازيين.
العرب:
تعتبر قضية العرب في إيران أمرا إشكالياً، فلا تزال الصراعات بين هذه الأقلية والحكومة المركزية تشتعل أوارها حتى الآن، وتحديدا في إقليم الأهواز (بالعربية الأحواز)، المعروف سابقا باسم عربستان، الذي يقع جنوب غربي البلاد، حيث لا تزال هناك مشكلة حول هوية الإقليم وصولا إلى مطالبة بعض الجهات السياسية العربية فيه بالاستقلال الكامل.
من الجهة الديمغرافية تبقى مسألة نسبة العرب إلى إجمالي السكان في إيران موضوعا غير محسوم حتى الساعة، ففي الوقت التي ترى التقديرات الأمريكية أن نسبتهم لا تتجاوز الـ3 في المائة، أشارت دراسة قام بها الباحث الإيراني، يوسف عزيز بني طروف، بالاعتماد على الإحصاءات الرسمية الإيرانية لعام 1997، أن العرب يشكلون ما يقارب 7 في المائة من عدد السكان، أي حوالي 5 ملايين نسمة.
تاريخياً، كان إقليم عربستان يشكل إمارة مستقلة في بعض الأحيان، أو تتبع الدولة الإيرانية اسميا فقط، حتى قام رضا خان بهلوي، شاه إيران بضمها قسرا لتصبح جزءا من الدولة الإيرانية عام 1925، بعد أن كانت تحت حكم الشيخ خزعل الكعبي شيخ مدينة المحمرة.
أشارت دراسة بني طروف، إلى وجود تمايز للعرب الأهوازيين عن غيرهم، فزيهم المحلي لا يزال هو الكوفية والدشداشة، في إشارة إلى أصولهم العربية، كما أنهم يتكلمون اللغة العربية وبلهجة مماثلة لنظرائهم في العراق.
على أن ظاهرة ارتداء الزي العربي أو القومي لهم آخذة في التناقص، لأسباب، منها بحسب بني طروف، محاربة الاستعمار البريطاني ونظام الشاه لهذه المظاهر دون هوادة، وذلك مقابل التسامح الذي أبدوه تجاه ارتداء الأكراد مثلا لملابسهم الوطنية في إيران.
وبزعم بني طروف فإن هناك الكثير من عرب الأهواز الذين لا يحسنون التكلم بالعربية، نتيجة لسياسات الدمج التي تتبعها الدولة الإيراني، حيث طالب بتدريس اللغة العربية في المراحل الابتدائية وذلك للمحافظة على التراث والهوية العربيين للمنطقة.
تمرد الأحواز
على أنه رغم محاولات إضفاء الطابع الفارسي على المنطقة من خلال تطبيق اللغة والأسماء الفارسية، إلا أن العرب الأحوازيين يبدون مقاومة لهذه الأمور، بل وتعدى الأمر ذلك إلى ظهور حركات مسلحة ومقاومة تطالب بانفصال الإقليم عن إيران.
ومن هذه الحركات المسلحة، "الجبهة العربية لتحرير الأحواز" و"الجبهة الديمقراطية الشعبية للشعب العربي في الأحواز" اللتان تطالبان بحق تقرير المصير للأهوازيين العرب، متهمة السلطات الإيرانية بأنها تسعى لمحاولة طمس هويتهم، وأنها تمارس "استعمارا" عليهم.
بل وطالبت الجبهات المذكورة على مواقعها الإلكترونية بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، في إشارة إلى عدم اعترافها بشرعية النظام الإيراني ككل، واعتبار الأهواز منطقة إيرانية.
وتضج تلك المواقع بذكر ما اعتبرته "جرائم" للنظام الإيراني ضدها، مثل إحياء ذكرى ما دعته الجبهة العربية لتحرير الأحواز، يوم "الأربعاء الأسود" بتاريخ 29 مايو/حزيران 1979، حيث تزعم قيام الحكومة الإيرانية بارتكاب "مجزرة" ضد الأحوازيين نظرا لمطالبتهم "بحقوقهم المشروعة."
بالإضافة إلى ذلك فهذه الجبهات ترى أن السلطات الإيرانية تقوم باعتقال وقتل "مناضليها" وتمارس عملية طمس الهوية العربية في الإقليم، عبر "محاربة اللغة والزي العربيين."
وبالمقابل ترى هذه التجمعات أن السلطات الإيرانية تحاول قلبهم وتحويلهم إلى فرس عن طريق استخدام حقيقة أن معظم عرب الأهواز من الشيعة، وهو أمر رفضوه بالكامل، بل لوحظ أن بعض الشباب يتحول إلى المذهب السني وذلك نكاية بالنظام الإيراني.
ويردد عدد من القيادات الأهوازية أن الإقليم شهد خلال الأعوام الماضية صدامات عنيفة، ظلت بعيدة عن الإعلام، بين العرب والسلطات المحلية التي قالوا إنها تسعى إلى تعديل التركيبة السكانية للمنطقة من خلال تشجيع هجرة قوميات أخرى إليها، وخاصة الفرس والأذريين.
الأهمية الاستراتيجية لعربستان
من الناحية الاقتصادية والجغرافية، يقع إقليم الأهواز في جنوب غربي إيران، حيث يوجد أكثر من 80 في المائة من إنتاج إيران النفطي.
بالإضافة إلى ذلك، يطل الإقليم على السواحل الشمالية والشرقية للخليج ومضيق هرمز، الذي يعد أحد أهمم الممرات التي تنقل السلعة الاستراتيجية العالمية، إذ يمر منه نفط كل من إيران والعراق والكويت وقطر الإمارات والسعودية، ما يجعله أكثر الممرات الاستراتيجية في العالم.
ونظراً لما يشكله النفط من أهمية، ليس لإيران فحسب، بل لأي دولة، فإن طهران على ما يبدو غير مستعدة للتخلي عن هذا المورد الاقتصادي الأساسي، بالطبع إلى جانب عدم إمكانية تخليها عن الخليج بوصفه ممراً استراتيجياً وحيوياً.
أقليات أخرى
يشكل العرب نسبة بسيطة من التركيبة السكانية لإيران، وكذلك الأكراد، والبلوش، وهي الأقليات التي يمكن القول إنها رفعت السلاح في وجه طهران، سواء قديماً، كالعرب والأكراد، أو حديثاً، كالبلوش، الذين استفادوا من وجودهم على مقربة من الحدود الباكستانية والأفغانية وتأثروا بفكر القاعدة وطالبان.
الأكراد:
يتوزع الأكراد بين أربع دول هي إيران وتركيا والعراق وسوريا، وينتشرون في المنطقة التي تدعى كردستان، على أن عدد الأكراد الإيرانيين يبلغ حوالي 5 ملايين نسمة، ويستقرون في غربي وشمال غربي البلاد.
وعلى مدى السنوات، شهد إقليم كردستان الإيراني توترات بارزة بين الحكومة المركزية وزعامات القبائل الكردية.
يذكر أنه في عام 1946 تمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة قاضي محمد علي قاسم من إقامة جمهورية مهاباد الكردية في المنطقة الشمالية من الإقليم الكردي بإيران بدعم من القوات السوفيتية.
الأذريون:
ومن الظاهر اللافتة بإيران وجود الأقلية الأذرية فيها، والذين يعرفون أيضا باسم الأذربيجانيون أو الأذريون الأتراك، وهم جماعة عرقية تتواجد شمال غربي إيران وفي جمهورية أذربيجان، مع وجود جاليات لهم في تركيا وروسيا وجورجيا.
وتكمن المفارقة أنه بحسب التقديرات يتراوح عددهم بإيران ما بين 12 إلى 18 مليون نسمة، بينما يتراوح عددهم في أذربيجان، الدولة الأم، ما بين 7 إلى 8 ملايين نسمة فقط.
يضاف إلى الأذريين، التركمان والقشقائيون والأزبك، الذين يعتبرون من القومياتالإيرانية الناطقة بالتركية.
وكان الأذريون قد نجحوا في عام 1945 بإقامة جمهورية خاصة بهم بزعامة "سيد جعفر بيشه وري" غير أنها لم تعمر طويلاً، فلم تدم سوى عام واحد.
البلوش:
ينتشر البلوش في شرقي إيران، حيث مقاطعة بلوشستان، ويشكلون حوالي 3 في المائة من السكان.
غير أنهم، ونظراً لكونهم من أتباع المذهب السني، يشكون دائماً من اضطهاد قومي ومذهبي.
وفي الأوانة الأخيرة، برزت حركات مسلحة بينهم، ومن أشهرها "منظمة جند الله"، التي شنت العام الماضي سلسلة من الهجمات المسلحة ضد الحكومة المركزية.
وكان آخر العمليات العسكرية التي شهدتها المنطقة، ذلك التفجير الانتحاري الذي استهدف مسجداً شيعياً في زاهدان، وأسفر عن عدد لا بأس به من القتلى.