شبان خلال الاحتجاجات في نعلين
الزميل بنويديمان كان شاهدا على العديد من الأحداث الرئيسية في سجل الصراع العربي الإسرائيلي.. وآخرها قصف غزة. والآن، بن يتابع الأنتخابات الإسرائيلية التي ستجري الثلاثاء. وكعادته، حرص بن على تسجيل ملاحظاته ومشاهداته لقارىء موقع CNN بالعربية.
كنت أشعر بحريق لاذع في عيناي، وتنتابني نوبات من السعال ويسيل أنفي بكثافة.. وكذلك كانت حال المصور الذي يرافقني، ديفيد هاولي، والمتعاون كريم خضر، وذلك بعد أن تعرضنا للغاز المسيل للدموع الجمعة، خلال يوم طويل من المواجهات بين فلسطينيين في مقتبل العمر وجنود الجيش الإسرائيلي، في بلدة نعلين بالضفة الغربية.
كنا قد ذهبنا إلى هناك لمعرفة موقف الفلسطينيين من الانتخابات الإسرائيلية المقبلة.. فنعلين، على غرار الكثير من البلدات التي تشبهها في الضفة الغربية، تمثل خط الجبهة الأساسية في المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ يعود فيها الصراع بين الطرفين إلى نقطة البداية، وهي هوية الجهة التي تضع يدها على الأرض.
ونعلين هي بلدة قديمة، فيها المصانع والمعامل، وتحيط بها أشجار الزيتون، غير أن المستوطنات الإسرائيلية المجاورة تمددت كثيراً في أراضيها الزراعية، وتطورت الأمور مع بناء تل أبيب للجدار العازل لأسباب أمنية، حيث يقول السكان إنه حرمهم الوصول إلى أراضيهم الزراعية، الأمر الذي يدفعهم للتظاهر احتجاجاً كل يوم جمعة.
وليس لدى معظم المقيمين في نعلين خلفيات أيديولوجية، وقبل أن تندلع "الانتفاضة الثانية" في سبتمبر/ أيلول من عام 2000، كان الكثير من سكان البلدة يعملون في إسرائيل، وهم يجيدون التحدث بالعبرية، ويتعاملون تجارياً مع الإسرائيليين.
وكانت هذه الأسباب الدافع الأساسي لاختياري هذه البلدة للقيام بالتحقيق حول مواقف العرب من الانتخابات الإسرائيلية.
لكنني وجدت أن أحداً من السكان لا يحمل أدنى أمل في قدرة المرشحين الأساسية، سواء زعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، أو زعيمة كاديما، تسيبي ليفني، أو رئيس "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان، أو قائد العمل، أيهود باراك، على وقف تمدد المستوطنات التي تخنق نعلين.
وبينما كنا نحاول الاختباء من الغاز المسيل للدموع، قال لي أحد سكان البلدة، ويدعى هاني خواجة: "لا أتوقع أن يخرج من هذه الانتخابات أي أمر جيد للفلسطينيين، فقط القتل والمتفجرات ومصادرة الأراضي."
لكن أيوب سرور كان لديه موقف مغاير إلى حد ما، إذ دعا قادة إسرائيل إلى التحدث بصراحة عن نواياهم، وعدم زرع الأمل الكاذب، كاشفاً أنه يرجو فوز نتنياهو، رغم تشدده، شارحاً ذلك بالقول: "إنه (نتنياهو) صادق مع نفسه، فهو يقول إنه سيطردنا، وسيقوم بطردنا فعلاً.. وقد قال إنه سيذبحنا، وسيقوم بذلك أيضاً."
وبالنسبة لي، فقد غطيت كل الانتخابات الإسرائيلية منذ عام 1996، وفي كل مرة، كنت أرى تزايد شعور الفلسطينيين بخيبة الأمل واليأس، وذلك بعدما توسعت المستوطنات وانقسم الشارع الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس وتكررت المواجهات العسكرية في غزة.
ولدى العديد من الفلسطينيين شعور بأن قيادتهم الموجودة في رام الله، حيث مقر السلطة الوطنية، التي توصف بأنها "معتدلة وقريبة من الغرب"، غير قادرة على وقف توسع الاستيطان، خاصة وأنها فشلت في إقناع الجانب الإسرائيلي بإزالة عدد قليل من الحواجز التي تنتشر بالمئات في الضفة الغربية، مقطعة أوصال المناطق.
وباختصار، فعندما ينظر الفلسطينيون إلى وضعهم منذ توقيع اتفاقية أوسلو للسلام قبل 15 عاماً، فإنهم سيجدون أن الأمور تنتقل من سيئ إلى أسوأ.
لذلك نرى أن نسبة متزايدة من الفلسطينيين بدأت تميل إلى خيار استبدال فكرة إقامة دولة فلسطينية معزولة وضعيفة سياسياً واقتصادياً في الضفة الغربية وقطاع غزة بطلب البقاء الحصول على حقوق متساوية على الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، والتي تفرض إسرائيل سيطرتها عليها في مطلق الأحوال.
ولكن فكرة "الدولة الواحدة" تبقى أشبه بالكابوس للإسرائيليين، الذين يدركون جيداً بأن معدل الولادات المرتفع لدى الفلسطينيين سيجعلهم الأغلبية خلال جيل واحد، بعد احتساب الفلسطينيين المتواجدين في الضفة وغزة والداخل الإسرائيلي.
ويخشى الإسرائيليون أن يتحول الصراع بينهم وبين الفلسطينيين من قتال عند المناطق الحدودية إلى صراع داخلي للمطالبة بالمساواة في الحقوق لكل من يعيش فوق أرض فلسطين التاريخية.
وهذا ما دفع رئيس الوزراء، أيهود أولمرت، إلى الدعوة لإنجاز حل الدولتين، قبل أن يجد الإسرائيليون أنفسهم في وضع يشبه وضع جنوب أفريقيا خلال فترة الحكم العنصري، حين فرضت الأقلية حكمها على الأكثرية بالقوة والقمع والتمييز.
وبالفعل، فإن العديد من الفلسطينيين يرون بأنهم يعيشون اليوم حالة الفصل العنصري، كما في جنوب أفريقيا السابقة، مع القيود المفروضة على تنقلاتهم وأعمالهم وإقامتهم.
ويبدو أن القلق الإسرائيلي حيال مستقبل تطور الأمور مع الفلسطينيين هو سبب أساسي لصعود نجم حزب "إسرائيل بيتنا"، الذي يقوده أفيغدور ليبرمان، والذي يصف الأقلية العربية - والتي تشكل قرابة 20 في المائة من السكان - بأنها "طابور خامس" يعمل ضد أهداف الغالبية اليهودية.
وقد سبق لليبرمان أن ركز اتهاماته على مجموعة النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي، مثل أحمد الطيبي، الذي اتهمه - إلى جانب آخرين - بـ"التعاطف" مع أعداء إسرائيل، معدداً في هذا السياق حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحزب الله اللبناني.
ويتلخص الحل الذي يقدمه لهذه القضية في إرغام كل نواب الكنيست، وحتى كل السكان ربما، على أداء "قسم الولاء" لإسرائيل، إلى جانب إعادة رسم خريطة البلاد بشكل يجعل الكثير من البلدات العربية خارجها، ويتبع ذلك سحب الجنسية الإسرائيلية من سكانها.
وقد رد طيبي على أن التكتل الشعبي المتزايد حول طروحات ليبرمان، "يؤكد وجود ظاهرة فاشية واضحة تجتاح المجتمع الإسرائيلي،" مضيفاً أن العنصرية باتت هي الرأي السائد في هذا المجتمع خلال الأعوام الأخيرة.
وبالعودة إلى بلدة نعلين، كان الأطفال الذين قذفوا جنود الجيش الإسرائيلي بالحجارة يحظون بدعم بعض المدنيين الإسرائيليين، الذين يصفون أنفسهم بأنهم أعضاء في تيارات تعتنق الفكر الفوضوي.
ولا يقوم هؤلاء برمي الحجارة، غير أنهم يقدمون بعض المساعدة والنصح للفلسطينيين، كالطلب منهم وضع اللثام على وجوههم، كي لا يتعرف الجنود عليهم.
ربما ما يزال هناك بعض التعاون المماثل بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن هذه الظاهرة تصبح أندر فأندر مع الوقت.. ولا يبدو أن هذه الانتخابات سيكون لها أي دور في ردم الهوة التي تفصل بينهما، وهذه الصداقة التي نشأت بين أطراف من الجانبين في نعلين ليست مرشحة للصمود.