تقرير: مصطفى العرب
إحدى المسيرات المؤيدة لحزب الله اللبناني
بيروت، لبنان(CNN) -- يعتبر اتفاق الطائف المعلم الأساسي الثاني في التاريخ الدستوري اللبناني بعد التعديلات المتصلة بحقبة الاستقلال. لأن الاتفاق الذي أنهى الحرب الأهلية عام 1989 أعاد توزيع السلطات بين المسلمين والمسيحين، بحيث بات مجلس الوزراء المؤسسة الأقوى في البلاد، وتتمثل فيه جميع الطوائف.
ويقضي الاتفاق بأن تتوزع الصلاحيات الكبيرة، التي كان يتمتع بها رئيس الجمهورية قبل نشوب الحرب الأهلية عام 1975، وبينها حل الحكومة والبرلمان، على الوزراء والمؤسسات الأخرى بشكل يعكس التنوع الديموغرافي والتبدلات السكانية التي ظهرت في لبنان بعد عقود من الاستقلال، إلى جانب الاعتراف بالنتائج العسكرية للحرب.
اتفاق الطائف وتباين التفاسير
لكن، وعلى غرار كل شيء آخر في لبنان، لم يسلم الاتفاق مع التحول إلى مادة للسجال، خاصة لجهة إثارة العواطف المذهبية. فلم تخل الساحة ممن يصوره على أنه الوثيقة التي قضت على الدور المسيحي في السلطة، في حين يذود البعض عنه بدعوى أنه أنصف المسلمين.
لكن، وبعيداً عن السجلات الداخلية، فإن الاتفاق - من وجهة قانونية - حاول طمأنة الطوائف الكبرى بعد الحرب، بمنحها ما يشبه "حق النقض" الإجرائي، الأمر الذي انعكس خلال السنوات الماضية على عمل الدولة، بحيث بات كل خلاف سياسي قادر على تعطيل المؤسسات بالاعتماد على التفسيرات المتباينة للاتفاق.
إلى جانب أن بعض مواده لم تطبق منذ أن وضع قيد التنفيذ، وبينها تأسيس مجلس للشيوخ لتمثيل الطوائف، وتشكيل لجنة لإلغاء الطائفية السياسية، وتحرير المجلس النيابي من الأبعاد المذهبية.
وخلال الانتخابات الحالية، يبدو اتفاق الطائف حاضراً أكثر من أي وقت مضى، إذ قام عدد من السياسين المعارضين، وفي مقدمتهم العماد ميشال عون، زعيم التيار الوطني الحر، أحد أكبر ممثلي الطائفة المسيحية، بطلب إعادة النظر بالاتفاق، بما يعزز صلاحيات رئيس الجمهورية من جديد.
وقام حزب الله، أحد أبرز قوى المعارضة الشيعية، وحليف عون الأساسي، بدعم مطالبه، الأمر الذي دفع قوى الغالبية النيابية إلى الرد بالتذكير بأنهما (حزب الله وعون) كانت لهما اعتراضات على اتفاق الطائف منذ إقراره عام 1989.
كما تتهم تلك القوى حزب الله بأنه يرغب بتعديل الاتفاق لغاية ضمنية يراهن عليها، وهي نقل الإطار السياسي للبنان من المناصفة بين المسلمين والمسيحيين إلى المثالثة بين الطوائف الثلاث الكبرى، أي السنة والشيعة والموارنة.
اتفاق الدوحة وتثبيت المؤقت
جرى الحادث الفاصل والمؤثر على الانتخابات اللبنانية القادمة عند مواجهات 7 مايو/ أيار الماضي، حيث قام حزب الله، باقتحام أحياء من العاصمة بيروت، بمعاونة من مقاتلي حركة أمل الشيعية، التابعة لرئيس مجلس النواب، نبيه بري.
وجاء ذلك ردا على قرارات حكومية، نصت على إزالة شبكة الاتصالات السلكية التي كان أقامها الحزب داخل البلاد، لتأمين اتصالاته العسكرية.
ونتيجة لهذه المواجهات، تم الصلح بين الفصائل اللبنانية في العاصمة القطرية، الدوحة، حيث جرى توقيع اتفاق أنهى الصراع بينهم بشكل رسمي في 21 مايو/ أيار عام 2008، ونص على انتخاب قائد الجيش آنذاك، ميشال سليمان، رئيسا للبلاد.
كما نص الاتفاق على تقسيم الدوائر الانتخابية بحسب كل قضاء إداري وفقا لقانون الانتخابات الذي صدر عام 1960، بالإضافة إلى تقسيم العاصمة بيروت إلى 3 مناطق انتخابية.
إلا أن المعطى الأبرز للاتفاق كان في إشارته إلى منح المعارضة، المتمثلة بحزب الله وحركة أمل ومعهما التيار الوطني الحر، أكثر من ثلث مقاعد الحكومة، الأمر الذي يعني دستورياً أن مصير الحكومة بيد المعارضة، التي تستطيع فرط عقدها إذا ما استقالت، كما تستطيع وقف كافة القرارات التي لا توافق عليها، باعتبار أن العديد من القضايا تتطلب موافقة ثلثي الوزراء.
ويصر وزراء ونواب حزب الله على أن هذا الاتفاق هو الناظم الجديد للعملية السياسية في لبنان، بحيث يشددون على وجوب أن يكون للمعارضة - على الدوام - أكثر من ثلث المقاعد الوزارية، في حين ترد قوى الغالبية بأن في ذلك تعطيلاً للمؤسسات، وأن الاتفاق كان استثنائياً، ولمرة واحدة فقط.
وتتخوف قوى الغالبية من قيام المعارضة - في حال فوزها بالانتخابات النيابية - بفرض تعديلات دستورية تتيح تقصير ولاية رئيس الجمهورية الحالي، ميشال سليمان، وإيصال عون إلى سدة الرئاسة، وهو أمر تنفيه المعارضة بشدة.
وفي مطلق الأحوال، تظل الأزمة الدستورية جزءاً أساسياً من التحديات التي تواجه لبنان، والتي تبدو البلاد وكأنها على موعد دائم معها، بسبب التعابير الغامضة التي غالباً ما تلجأ إليها الأطراف عند عقد اتفاقياتها من جهة، والإنتقائية في تفسير النصوص، من جهة أخرى.