/الشرق الأوسط
 
1000 (GMT+04:00) - 19/06/09

عباس وعملية السلام: هل مازالت لهذا الرجل أي علاقة؟

وضع عباس صعب بين أنصاره وشعبه

وضع عباس صعب بين أنصاره وشعبه

واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- ما من شك في أن الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، أمامه الكثير للاهتمام به، بدءاً من حل معضلة الحربين في أفغانستان والعراق، وأزمة بطاقات الائتمان ونظام رعاية صحية يمكن وصفه بالفاشل، وانهيار صناعة السيارات وغيرها.

وعندما يرحب برئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، محمود عباس، في البيت الأبيض الخميس، سيكون أوباما مجبراً على التعامل مع واحدة من أكبر المسؤوليات التي خلفتها له إدارة الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش، وهي الانغماس في تفاصيل التعامل مع السلطة الفلسطينية.

في لقاء الأسبوع الماضي، فهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التحدي الذي يواجهه أوباما في السعي من أجل الوصول إلى حل قائم على أساس الدولتين باعتباره الحل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

على أن نتنياهو يعارض، في نهاية المطاف، مبدأ السيادة والاستقلال للفلسطينيين.

أوباما وعقبة عباس

وهذا الأسبوع، يواجه أوباما عقبة رئيسية ثانية، ألا وهي أن عباس ورغم التزامه بحل الدولتين، فإنه سلطته على شعبه محدودة، وبالتالي فإنه غير قادر على التفاوض بفعالية نيابة عنهم.

فمحمود عباس لا يسيطر سوى على الضفة الغربية، فيما تسيطر حركة حماس، التي لا تعترف بإسرائيل ولا شرعية رئيس السلطة الفلسطينية،على قطاع غزة، وفقاً لتحليل شرته مجلة التايم الأمريكية.

حركة حماس تقول إن عباس انتهت مدة ولايته في يناير/كانون الثاني الماضي، ومن هنا فهي لم تعد تسلم برئاسته، في حين أن أنصار عباس يزعمون أن بإمكانه ممارسة سلطاته والبقاء في الحكم من الناحية القانونية حتى يناير/كانون الثاني المقبل.

علاوة على ذلك، تعتبر حركة حماس الحزب المهيمن في السلطة الفلسطينية إثر فوزها الساحق ديمقراطيا في الانتخابات التشريعية، الأمر الذي يفترض فيه أن توكل إليها مهمة تشكيل حكومة فلسطينية، على أن المجلس التشريعي الفلسطيني ليس قادراً على الانعقاد جراء اعتقال السلطات الإسرائيلية لعدد كبير من نواب حركة حماس.

والأسبوع الماضي، أعاد عباس اختيار رئيس الوزراء الفلسطيني الحالي، سلام فياض الذي يحظى بدعم الولايات المتحدة وتأييدها، لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة.

فياض، رجل تكنوقراطي يحظى أيضاً بدعم وتأييده ليتمكن من بناء أجهزة الحكم والأمن لدولة فلسطينية مستقبلية، غير أنه ليست له قاعدة سياسية بين الفلسطينيين، كما أنه ليس عضواً في حركة فتح التي يرأسها عباس.

وفي الواقع، فإن حركة فتح ترى أن رئيس الوزراء الفلسطيني وحكومته فرضوا عليهم من الخارج، كما أنها تعارض علناً تشكيلها.

إن معارضة فتح وحماس لحكومة عباس تبين مدى هشاشة الوضع السياسي لعباس، وذلك يعود إلى حد بعيد لقبوله بما تقدمت له به واشنطن، والذي غالباً ما يتسم بكونه ضد مصالحه الشخصية.

وتشير استطلاع الرأي الفلسطينية والاستخبارات الإسرائيلية إلى أنه إذا ما جرت انتخابات فلسطينية الجديدة فإن عباس وحركته سيخسران لمصلحة حماس.

ونظراً لوصوله لهذا الوضع السيئ جراء قبوله بوصاية الولايات المتحدة عليه، فإن عباس يتوقع من أوباما أن يجيب على أسئلة صعبة.

تعقيدات وضع عباس

لقد أصبح عباس رئيساً للسلطة الفلسطينية بعد وفاة ياسر عرفات، وحظي بدعم الولايات المتحدة، فيما أجرت إدارة بوش ترتيب "صورية" قليلة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، آرييل شارون، من أجل خلق انطباع بوجود عملية سلام.

غير أن واشنطن أصرت أيضاً على أن يمضي عباس قدماً في الانتخابات التشريعية السابقة في يناير/كانون الثاني عام 2006، رغم شكوك الزعيم الفلسطيني.

لقد كانت شكوك عباس وجيهة، فقد قرأ مزاج شعبه بدقة أكبر من إدارة بوش.

فالفلسطينيون الذين كانوا يشعرون بالإحباط لعدم جدوى أكثر من عقد من التفاوض مع إسرائيل لإنهاء الاحتلال، صوتوا لحماس، ما منحها انتصاراً ساحقاً في تلك الانتخابات.

وعلمت إدارة بوش على تعقيد الأمور بصورة أكبر بالنسبة له، فبعد أن دافع "بشراسة" عن سيادة الحكومة التي يختارها البرلمان المنتخب عندما كان عرفات على قيد الحياة بطلب من واشنطن، عادت الأخيرة لتطلب منه استعادة رئاسة اللجنة المالية والسيطرة على قوات الأمن التي تنتقد عرفات لاحتفاظه بها.

كذلك عندما وافق عباس على قبول الوساطة السعودية وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع حماس، ضغطت عليه إدارة بوش للتراجع عنها.

وبما أن واشنطن تمتلك أوراق الحل ودفع الإسرائيليين لقبول اتفاق على أساس حل الدولتين، فلم يبق أمام عباس سوى أن يوافق على إملاءات الأميركيين.

لكن الولايات المتحدة وإسرائيل رفضا منحه التنازلات اللازمة لتأكيد صلاحية هذه الخيارات في نظر الفلسطينيين، الأمر الذي نجم عنه خسارة عباس الأرضية لمصلحة حركة حماس خلال العامين الماضيين.

ضغوط جديدة على عباس

تعلم إدارة أوباما أن الإدارة المضي قدماً بعملية سلام مقبولة يتوقف على استعادة عباس لسلطته السياسية، الأمر الذي يتطلب اتفاقاً بين فتح وحماس بشأن تشكيل حكومة جديدة وإجراء انتخابات جديدة في يناير/كانون الثاني المقبل.

على أن الحكومة الإسرائيلية الحالية ترفض تنفيذ الحل القائم على أساس حل الدولتين، وترفض التعامل مع حكومة فلسطينية تضم حماس.

لقد أوضح مسؤولو في إدارة أوباما أنهم يتوقعون من عباس أن يدخل في محادثات فورية وغير مشروطة مع نتنياهو، رغم عدم وجود ما يمكن التفاوض بشأنه أو الحديث عنه، ليس لأن نتنياهو أكثر تطرفاً من سلفه فحسب، بل لأن معالم هذا الحل قائمة بالفعل.

ومثل هذه المحادثات التي تتسم بكونها مبهمة لن يحقق الكثير لدفع عملية السلام، ولكنها على الأغلب ستلحق الضرر بما تبقى من مصداقية لعباس في نظر الفلسطينيين.

كذلك ترغب إدارة أوباما في أن يواصل عباس أو فياض بناء أجهزة السلطة الفلسطينية الإدارية والأمنية في الضفة الغربية رغم غياب التقدم على طريق إنهاء الاحتلال، وهذا بدوره يزيد من مخاطر إضعاف عباس أكثر وأكثر.

وفي الحقيقة، فإن إحباط أعضاء حركة فتح من رئيسها، واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، يثيران احتمال أن تقرر فتح وحماس إشهار معارضتهما لعباس وفياض باستئناف الهجمات على الإسرائيليين.

كذلك قد يسعى أوباما لتجنب خطر تجدد المواجهة بحث عباس على المضي قدماً عقد مؤتمر حركة فتح، الذي تأخر طويلاً، والتحضير للانتخابات المقبلة.

إلا أن هذين الإجراءين يهددان بتعريض سلطة عباس والحكومة التي وضعت الولايات المتحدة آمالها عليها لمزيد من الضعف، ذلك أنه بقدر ما يحتاج السلام لإجماع وطني فلسطيني، فإن هذا الإجماع قد يكون أقل مرونة تجاه الولايات المتحدة وإسرائيل مما حظي به عباس.

advertisement

خلال زيارة نتنياهو الأخيرة لواشنطن،علم أوباما بحقيقة أن التعامل مع الجانب الإسرائيلي من معادلة السلام القائم على حل دولتين لن يكون سهلا.

وعندما يلتقي عباس الخميس (اليوم) فانه سيتذكر أن الجانب الفلسطيني من المعادلة، ليس أقل صعوبة.

© 2010 Cable News Network LP, LLLP. A Time Warner Company. All Rights Reserved.