متابعة: مصطفى العرب
هل ستنجح مساعي إدخال الرياضة إلى مدارس البنات؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- يبدو أن السعودية مقبلة على مرحلة جديدة من الإصلاحات قد يكون مدخلها قضايا المرأة، وفي مقدمتها حق إدراج مادة الرياضة البدنية في مدارس الفتيات، على أن الميزة الأساسية فيها بروز كتلة تضم ما يمكن وصفهم بـ"الإمراء الإصلاحيين"، الذين بدأوا بطرح وجهات نظرهم علناً.
فرداً على سؤال لطفلة في الثامنة من العمر، أعرب أمير منطقة الرياض، خالد الفيصل، عن أمله بأن يتم إدراج الرياضة البدنية في مدارس البنات قريباً، لينضم بذلك إلى تلك الكتلة التي تواجه بالمقابل ضغوطاً من التيار المتشدد الراغب ببقاء الأحوال على ما هي عليه.
الفيصل، الذي كان يتحدث مساء الثلاثاء في "ملتقى شباب مكة"، قال إن بلاده "تعيش اليوم عصرها الذهبي في التنمية والمبادرات والتحدي والاستنفار" بقيادة العاهل السعودي، الملك عبدالله بن عبدالعزيز.
وخلال الملتقى، انبرت طفلة في الثامنة من عمرها لسؤال الأمير، المعروف أيضاً بكتابة الشعر، عن أسباب عدم وجود ملاعب رياضية في مدارس البنات، على غرار تلك الموجودة في مدارس البنين، فرد الأمير عليها بالقول: "سنرى الملاعب الرياضية في مدارس البنات بجهود الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد، وزير التربية والتعليم."
والبارز أن التعليق غاب عن التغطية الإعلامية الرسمية في السعودية، لكنه برز على الصحف ووكالات الأنباء الخاصة والأجنبية، كما كان محور اهتمام التغطية التي جاءت حول الحدث على موقع المنتدى الخاص بالأمير.
ويفتح هذا التصريح - رغم ضبابيته وتجنبه لتحديد مواعيد حاسمة - الباب من جديد أمام النقاش حول حقوق المرأة في السعودية، حيث لا يتاح لها التصويت أو قيادة السيارة أو ممارسة الأعمال التجارية بشكل كامل، على خلفية القراءة الخاصة للإسلام لدى المؤسسة الدينية السعودية.
ومع أن الحديث عن أوضاع المرأة في السعودية ليس بالأمر الجديد، إلا أن الجدير ذكره هو بروز المطالب الإصلاحية من قبل عدد من الأمراء داخل الأسرة الحاكمة.
وربما كان هذا الاندفاع بين الأمراء نتيجة للخطوات الإصلاحية التي يسير بها العاهل السعودي، والتي وصلت ذروتها من خلال إجراء تعيينات في مناصب حكومية رفيعة، جرى فيها اختيار امرأة، هي نورة الفايز لمنصب وكيلة وزارة التربية لشؤون تعليم الفتيات، لتكون أول امرأة في هذا المنصب.
إلا أن التعيينات تجنبت القطع النهائي مع التيارات المحافظة، فمن جهة، فإن الفايز لا تعتبر المثال الأفضل للمرأة السعودية كما يراها الإصلاحيون، فقد عبرت عن الكثير من الأراء المتحفظة حيال قضايا المرأة، وبينها استبعادها العلني لإدخال الرياضة البدنية في برامج البنات التعليمية باعتبار أن الوقت "لم يحن لذلك بعد،" كما نقلت عنها صحيفة الوطن السعودية في الثامن من يونيو/ حزيران الجاري.
كما تلقت الطروحات الإصلاحية ضربة ثانية تمثلت في الظروف الصحية للأمير سلطان بن عبدالعزيز، نائب رئيس مجلس الوزراء، والمرشح الأبرز لخلافة العاهل السعودي، حيث اضطر الملك عبدالله إلى تعيين الأمير نايف بن عبدالعزيز، وزير الداخلية، نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، الأمر الذي يجعل الأمير فعلياً المرشح الأبرز لخلافة العاهل السعودي.
ويرى عدد من الخبراء أن الأمير نايف، الذي يتولى حالياً عدة مهام أمنية، يتميز بميل للسياسات المحافظة، بخلاف الملك عبدالله، الذي شهدت ولايته تقديم الكثير من الإصلاحات الليبرالية.
وأضافوا أن هذا التعيين جاء بالتالي بخلاف الاتجاه الذي سلكته السياسة السعودية منذ التعيينات في فبراير/شباط الماضي.
غير أن العامل الأهم كان في ظهور الدعوات الإصلاحية لدى عناصر أخرى من العائلة الحاكمة، وعلى رأسهم الأميرة عادلة بنت عبدالله.
فإلى جانب كونها ابنة العاهل السعودي، فإن الأميرة عادلة هي أيضاً زوجة الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود، وزير التربية الحالي.
وكانت الأميرة عادلة قد طالبت في تصريحات نقلتها صحيفة الرياض بضرورة "الإسراع باعتماد الرياضة البدنية في مدارس البنات بالتعليم الأهلي والعام، وذلك من خلال الرياضات الإحمائية اليومية الخفيفة واللياقية البعيدة عن الخشونة ،" وفقاً لما نقلته عنها صحيفة الرياض في الحادي عشر من الشهر الجاري.
ورأت الأميرة أن "الوقت حان للنظر بشكل واقعي وجدي في تطبيق الرياضة في مدارس البنات في التعليم العام والأهلي نتيجة تزايد الأمراض المرتبطة بالسمنة وعدم الحركة والتي أصبحت خطرا محدقا بفتيات اليوم وأمهات المستقبل، على أن تكون ممارستها في إطار الشريعة الإسلامية والخصوصية للفتاة السعودية."
وتضاف تلك التصريحات إلى مواقف مماثلة أطلقتها الأميرة الجوهرة بنت فيصل بن تركي، إلى جانب أعضاء في مجلس الشورى السعودي، طالبوا بتطبيق قرار إنشاء أندية نسائية بعد أن وافق عليه المجلس دون أن يرى طريقه إلى النور.
والواقع أن الجدل مستعر في السعودية حول هذا الموضوع، حيث لم يقبل التيار المحافظ أن تمر تلك التصريحات دون رد، فصدر بيان مشترك عن ثلاثة من كبار علماء الدين في البلاد، هم عبد الرحمن البراك وعبدالعزيز الراجحي وعبدالله الجبرين، أكد ( البيان) معارضة هذا التوجه بشكل عام، وافتتاح أقسام للنساء بالأندية الرياضية بشكل خاص.
وجاء في البيان: "ولا ريب أن الذين يطالبون بفتح هذه الأندية النسائية لهم نصيب من هذا الذم والوعيد.. فإن فتح هذه الأندية من أعظم الأسباب وأوسع الأبواب لإشاعة الفاحشة. ووالله الذي لا إله إلا هو إن افتتاح هذه النوادي ليس عملاً صالحاً، بل هو حرام لما يفضي إليه من المفاسد المحققة."
وتناول البيان ظاهرة خروج النساء للرياضة في الشارع، فاعتبره "خطأ من قلة من النساء لا يصح أن يعالج بخطأ أعظم منه" يتمثل بافتتاح تلك الأندية، التي اعتبر أنه لن يرتادها من النساء "إلا من تكون قليلة الحياء أو عديمته"، طالباً اقتصار الرياضة للمرأة على أداء الحركات في بيتها أو مع زوجها في مكانٍ خالٍ كالبرية.
وإلى جانب صفحات الجرائد، برز النقاش حول القضية على المدونات التي تعتبر متنفساً أساسياً للتعبير في السعودية.
فعلى مدونة "سعودي جينز" وجهّ المدون انتقادات حادة لنورة الفايز بسبب مواقفها، وأشاد بالمقابل بالأميرة عادلة "رغم أنها لا تتمتع بمنصب حكومي،" وقال إن صديقاً له التقى بها، وقال له إنها: "تقدم صورة جديدة عن نساء العائلة المالكة، لأنها تتمتع بإصرار كبير.. ونظراً لدعمها هذا الأمر."
وبعيداً عن النقاش الفقهي، فمن المتوقع أن يستمر الجدل حول منح حق ممارسة الرياضة للفتيات في المدارس خلال الفترة التي تسبق الموسم الدراسي المقبل على المستويين السياسي والاجتماعي، ومع تبلور نواة من "الأمراء الإصلاحيين" فإن الفترة المقبلة قد تشهد بروز المزيد من المطالب التي لن يمررها المحافظون بسهولة، وهم يرون البساط يُسحب من تحت أقدامهم، بحسب متابعين للمشهد السعودي.