من الاحتفالات الانتخابية التي شهدتها نواكشوط
نواكشوط، موريتانيا (CNN) -- استفاقت العاصمة الموريتانية، نواكشوط، على أزيز الرصاص السبت، بعد أن كانت تنتظر أن يتوجه الاهتمام إلى العملية الانتخابية التي انطلقت لاختيار الرئيس المقبل للبلاد التي دخلت أزمة سياسية قبل فترة مع انقلاب أطاح بالرئيس السابق، سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله.
وبحسب التقارير فقد اشتبكت الشرطة مع عناصر مسلحة قيل إنها تنتمي إلى تيارات متشددة، بعد أن أقدم أفرادها على إطلاق النار باتجاه مفوضية الشرطة في منطقة لكصر بنواكشوط، القريبة من القصر الرئاسي والمطار، ما دفع قوات الأمن إلى مطاردتها نحو منطقة قُتل فيها قبل أسابيع شخص أمريكي الجنسية.
وتمكنت الشرطة من توقيف أحد المهاجمين، بعدما نزعت عنه حزاماً ناسفاًً كان يرتديه، كما قتلت شخصاً عنصراً ثانياً، في حين ما يزال مصير سائر أفراد المجموعة غير واضح بشكل دقيق.
وكانت منطقة لكصر قد شهدت قبل ثلاثة أسابيع مقتل أمريكي يدعى أكر ليغيت، في حادث أشارت فيه السلطات بأصابع الاتهام نحو عناصر متشددة، علماً أن نواكشوط كانت قد شهدت مواجهات مماثلة في يناير/كانون الثاني من العام الماضي.
وتنشط على الحدود الموريتانية المالية الجزائرية، في الصحراء الكبرى، جماعات مسلحة على صلة بتنظيم القاعدة ببلاد المغرب، الذي سبق له تنفيذ عمليات أدت إلى مقتل أكثر من عشرين جنديا موريتانيا شمالي البلاد.
انطلاق الانتخابات الرئاسية.
وفي ظل هذه الأجواء، انطلقت الانتخابات الرئاسية في موريتانيا، حيث فُتحت صناديق الاقتراع أمام الناخبين لاختيار رئيس جديد للبلاد في تطور يأمل من خلاله الموريتانيون بطي صفحة التوتر السياسي الذي أعقب الإطاحة بالرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في انقلاب عسكري في السادس من أغسطس/آب 2008.
ويتنافس في الانتخابات عشرة مرشحين أبرزهم قائد الانقلاب، محمد ولد عبد العزيز، وقائد انقلاب سابق هو أعلي ولد محمد فال، والمرشح الإسلامي محمد جميل ولد منصور، إلى جانب مرشحين آخرين هم كان حامدو بابا وإبراهميا مختار صار والصغير ولد مبارك وأحمد ولد داداه، ومسعود ولد بلخير وحمادي ولد أميمو وصالح ولد حننا.
وكان من المقرر أن تجري الانتخابات الموريتانية في يونيو/حزيران الماضي، وذلك وسط معارضة كبيرة، غير أن عملية وساطة أفريقية تقودها السنغال أدت إلى اتفاق على تأجيلها وفق شروط سياسية جديدة، عاد بموجبها ولد الشيخ عبدالله رئيساً لساعات، حل خلالها الحكومة قبل أن يستقيل مجدداً ليفتح الباب أمام التنافس انتخابياً.
وتعيش موريتانيا حالة من الحراك السياسي حالياً، بعد انقلابين عسكريين خلال السنوات الأخيرة، وسيكون من شأن الانتخابات الرئاسية الجديدة، تمكين العسكر من السلطة، أو إطلاق عهد سياسي جديد.
غير أن الإحاطة بالأوضاع في موريتانيا تتطلب بالضرورة معرفة الأوضاع العامة في البلاد، وخاصة على مستوى مقومات المجتمع الموريتاني، وموارده، والقوى السياسية فيه، وعلاقاته مع جيرانه، ومكونات نسيجه الاجتماعي.
الاقتصاد
يقوم الاقتصاد الموريتاني على عدة ركائز، يمكن أن تكوّن اقتصادا يتجه للنمو بشكل جيد إذا ما أدير بالشكل الصحيح، وتمت التعامل معه بشكل احترافي.
فما زالت الزراعة أبرز النشاطات الاقتصادية لاستقطابها النسبة الأكبر من العاملين في موريتانيا، إذ تبلغ نسبة العاملين في هذا القطاع الحيوي أكثر من 53 في المائة من القوى العاملة وفق الإحصائيات الرسمية، لكن الأنماط الزراعية المتبعة في القطاع تتسم بالبدائية ما ينعكس على الإنتاج بشكل كبير.
وإلى جانب الزراعة، يبرز قطاع الصيد الذي يزدهر في البلاد نظراً لوجود شاطئها الممتد على المحيط الأطلسي لمئات الكيلومترات.
وقد بات صيد الأسماك وتصديرها بأشكالها وأنواعها المختلفة، واحداً من أبرز الأنشطة الاقتصادية في البلاد، ما جعلها في مصاف الدول المصدرة للأسماك.
ولم تتنبه الحكومات الموريتانية إلى هذا القطاع الحيوي إلا مؤخراً، عندما أنشأت مصانعا للتخزين والتجميد والتبريد، ما مكنها من زيادة صادراتها من الأسماك، بعد أن ظلت مياهها لفترة طويلة مستباحة من أساطيل صيد أجنبية.
كذلك تتنوع الثروة المعدنية في موريتانيا تنوعاً كبيراً، جعل منها مصدراً رئيساً للواردات الوطنية، فالذهب والحديد والنحاس والفوسفات والجبس تتواجد بكميات وفيرة، وبتوزيع جيد على مناطق موريتانيا.
ويضاف إلى هذه الموارد اكتشاف النفط في البلاد، وإن بكميات محدودة، غير أن مبيعاته كفيلة بدعم إيرادات الخزينة المحلية.
القبيلة ودورها في السياسة
تتوزع القبائل في موريتانيا من شمالها لجنوبها، كما تتعدد أصول هذه القبائل، فمنها العربي ومنها الأفريقي، ولأن البداوة تغلب على المجتمع الموريتاني، بات الإنتماء للقبيلة يقدم في كثير من الأحيان على الإنتماء السياسي، بل إن الحركات السياسية قامت في بعض الأحيان بناء على انتماء قبلي.
فحزب "العمل من أجل التغيير" مثلاً والذي يتزعمه مسعود ولد بلخير، أنشئ لتمثيل العرب السود الذين كانوا عبيداً وتم تحريرهم، وهو حزب انشق عن حزب "ولد داده."
ورغم مناداة الكثير من المثقفين الموريتانيين بالابتعاد عن الولاء للقبيلة في العمل السياسي، باعتباره لم يعد سمة من سمات المجتمعات الحديثة، إلا أن هذه الدعوات لم تلق آذاناً صاغية لدى من تربى وعاش على أهمية القبيلة ودورها.
بالمقابل، يرى آخرون أن القبيلة الآن قادرة على إعادة الأوضاع في موريتانيا إلى الهدوء والاستقرار، وضمان سير البلاد في الطريق الصحيح، كما دعا بعضهم القبائل للتحرك لإنهاء المساجلات التي تشهدها الساحة السياسية.
المؤسسة العسكرية ودورها في السياسة الموريتانية
أظهر الانقلابان الأخيران في موريتانيا، واللذين نفذهما العقيد علي ولد محمد فال، ضد نظام "ولد الطايع"، والجنرال محمد ولد عبدالعزيز ضد الرئيس المنتخب، سيدي ولد الشيخ عبدالله، أن المؤسسة العسكرية ما زالت تملك مفاتيح السياسة في موريتانيا.
كما أظهرا أن الجيش، لم يقف على الحياد بالنسبة للحياة السياسية كما هو الحال في الدول المتقدمة.
وواقع أن قدوم أربعة عشر رئيساً موريتانياً من المؤسسة العسكرية، يدل بشكل أو بآخر على تنظيم هذه المؤسسة الصغيرة، واستعدادها شبه الدائم لقيادة دفة العملية السياسية في البلاد، ويعد انقلاب الجيش على حكم ولد الطايع الذي استمر من عام 1985 إلى 2005، دليلا على النفوذ الكبير الذي بات يتمتع به.
أبرز القوى السياسية في موريتانيا
• حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني "حاتم" برئاسة صالح ولد حننا.
• التحالف الشعبي التقدمي برئاسة مسعود ولد بلخير.
• حزب التجمع من أجل موريتانيا "تمام" برئاسة الشيخ ولد حرمة.
• حزب الصواب برئاسة عبدالسلام ولد حرمة.
• حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية برئاسة محمد جميل ولد منصور.
• اتحاد قوى التقدم برئاسة محمد ولد مولود.
• الحزب الجمهوري للديمقراطية والتجديد برئاسة أفرين ولد محمد فال.
• تكتل القوى الديمقراطية برئاسة زعيم المعارضة أحمد ولد داده.
• حركة الديمقراطية المباشرة برئاسة أعمر ولد رابح.
السياسة الخارجية لموريتانيا
ترتبط موريتانيا كغيرها من الدول بعلاقات سياسية مع دول عربية وإفريقية وأجنبية، لكن علاقتها تمتلك خصوصية بثلاث دول في المنطقة، هي المغرب، وإيران وإسرائيل، فما هي هذه الخصوصية؟
موريتانيا والمغرب
تتميز العلاقة المغربية الموريتانية عن غيرها من العلاقات، باعتبار موريتانيا كانت جزءاً من المملكة المغربية قبل إعلان استقلال نواكشوط عام 1960، وسادت العلاقات الثنائية فترة جفاء لم تخل من مطالب الضم المتبادلة، والتورط في نزاع الصحراء الغربية.
ثم اعترفت المغرب بهذا الاستقلال بعد دعوة موريتانيا إلى مؤتمر القمة العربي الذي عقد في الرباط بعد إحراق المسجد الأقصى عام 1969.
كما لعبت المغرب على الدوام دوراً مهماً في السياسة الموريتانية الداخلية، لدرجة أصبح فيها تصنيف أي رئيس جديد وعلاقته بالمغرب إيجابية أم سلبية أمراً لا بد منه، لانعكاس ذلك على استقرار البلد سلماً وحرباً.
موريتانيا وإسرائيل
امتدت العلاقات الموريتانية الإسرائيلية لسنوات طويلة، فقد بدأت على هامش مؤتمر مدريد عام 1993، بلقاءات سرية، ثم أصبحت رسمية عام 1996، بعدما افتتحت اسرائيل في نواكشوط مكتباً لرعاية المصالح الإسرائيلية.
وبدأت الحركات المقاومة لهذه العلاقة - والتطبيع مع من يعتبره الموريتانيون عدواً - بالإنتشار وإقامة المظاهرات والاحتجاجات، خصوصاً بعدما أصبح الإسرائيليون ضيفاً معلناً أو غير معلن، في كثير من الأنشطة الرسمية للدولة.
واستمرت العلاقات حتى جاء الجنرال محمد ولد عبد العزيز وأعلن تجميدها العلاقة، بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، وذلك بعد إجماع كافة الأحزاب والقوى السياسية على وقف العلاقة باعتبارها خيانة للقضية الفلسطينية، وخوفاً من التغلغل الإسرائيلي في البلاد.
غير أن ذلك لم يعف ولد عبد العزيز من اتهام المعارضة له بأخذ هذا الموقف لأهداف شعبوية، من خلال إشارتهم إلى تقرّب العديد من الشخصيات التي هندست العلاقات مع تل أبيب من قادة الإنقلاب.
موريتانيا وإيران
بعد طرد السفير الإسرائيلي من موريتانيا، سارعت إيران إلى بدء علاقات دبلوماسية بعد قطيعة دامت أكثر من عشرين عاماً بين البلدين إذ قام أكثر من مسؤول إيراني بزيارة الدولة العربية الإفريقية.
وتأتي هذه العلاقة أيضاً بعد طرد السفير الإيراني من المغرب، ما جعل الإيرانيين يشعرون بالخطر تجاه انفتاحهم وتوسعهم في إفريقيا، فقد زار وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي المستشفى الإسرائيلي الذي كان قيد الإنشاء في نواكشوط، وأعلن أن إيران ستستكمل عملية البناء.
ويرى محللون أن الدعم الذي أبداه الإيرانيون، جاء في وقت تعيش فيه موريتانيا أزمة بسبب انقلاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وغياب الدعم العربي، والإفريقي والدولي للبلد الفقير، ما أفرغ الساحة للإيرانيين.
ويعتقد عدد من الخبراء أن مهندس العلاقات بين طهران ونواكشوط هو محمد ولد أمين، الذي تم تعيينه وزير مستشار برئاسة الدولة.