عوامل طبيعية تهدد مستقبل الزراعة في العراق
دبي، الإمارات العربية المتحدة(CNN) -- يبدو أن نقص المياه وارتفاع مستويات الملوحة والتصحر قد أثر بشكل سلبي على الإنتاج الزراعي خلال فصل الشتاء الماضي في العراق، وفقاً لمسؤولين من وزارتي الزراعة والموارد المائية، وفق تقرير.
وفي هذا السياق، قال مهدي القيسي، وكيل وزارة الزراعة العراقية، في بغداد: "إننا نعاني من أزمة مياه حقيقية وحادة". وأضاف قائلاً: "نحن لا نتوقع أن تلبي محاصيل موسم الشتاء الطلب المحلي... ومن المحتمل أن تتأثر المحاصيل الصيفية كذلك"، وفق شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)
وأوضح القيسي أن مستويات هطول الأمطار في الشتاء الماضي لم تتعد نصف المعدل المعتاد، مشيراً إلى أن الوضع ازداد سوءاً بسبب انخفاض كمية المياه المتدفقة إلى دجلة والفرات من تركيا وإيران.
وأضاف قائلاً: "نحن نعول على وزارة التجارة لسد الثغرات...عبر استيراد القمح والشعير وتوزيعهما من خلال برامجها الغذائية [الحصص الغذائية التي توزعها الحكومة".
ولم تتوفر بعد بيانات حول حصاد هذا الشتاء.
"مستويات مخيفة جداً"
وأشار القيسي إلى أن عقوداً من الحرب والعقوبات الدولية ونقص الاستثمار واستمرار العمليات العسكرية وتقطيع الأشجار لجمع الحطب قد أصابت القطاع الزراعي في العراق بالشلل وتسببت في رفع نسب الملوحة والتصحر إلى "مستويات مخيفة جداً".
ووفقاً لوزارة الزراعة، تؤثر الملوحة على 40 بالمائة من الأراضي الزراعية، خصوصاً في وسط وجنوب العراق، في حين تصحر ما بين 40 و50 بالمائة مما كان يشكل أراض زراعية في السبعينات.
وتعرف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر ظاهرة التصحر على أنها تدهور الأراضي في المناطق القاحلة وشبه القاحلة والجافة شبه الرطبة. وينتج التصحر أساساً عن الأنشطة البشرية والتغيرات المناخية.
ويحدث التصحر بسبب الاستغلال المفرط والاستخدام غير المناسب للأنظمة الإيكولوجية للأراضي الجافة التي تغطي أكثر من ثلث مساحة اليابسة في العالم.
ويمكن للفقر وعدم الاستقرار السياسي وعمليات إزالة الغابات والرعي المفرط وسوء أساليب الري أن يضر بالقدرة الإنتاجية للأراضي.
من جهته، أفاد فاضل علي الفراجي، مدير عام هيئة التصحر في العراق في عرض توضيحي منشور على موقع إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر على الإنترنت أن 92.5 بالمائة من الأراضي العراقية معرض للتصحر وعلق القيسي على ذلك بقوله: "إن قلقنا كبير وغير مسبوق".
الملوحة
كما أفاد الفراجي أن ملوحة الأراضي الزراعية قد تفاقمت في السنوات الأخيرة بسبب استخدام المياه المالحة في ري الأراضي وسوء تصريف المياه مما جعلها أقل إنتاجية.
والتملح هو عملية تؤدي إلى زيادة مفرطة في الأملاح القابلة للذوبان في التربة.
وتشمل الأملاح المتراكمة الصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم والكالسيوم والكلور والكبريت والكربونات والبيكربونات. ويشمل التملح الابتدائي تراكم الأملاح عن طريق العمليات الطبيعية الناتجة عن وجود نسب مرتفعة من الملح في المياه الجوفية.
أما التملح الثانوي فينجم عن التدخل البشري المتمثل في أساليب الري غير الملائمة مثل استخدام المياه الغنية بالأملاح وعدم تصريف المياه بشكل ملائم، وفقاً لما ذكرته وحدة "إدارة الأراضي والاخطار الطبيعية التابعة للمفوضية الأوروبية"، حسب "إيرين".
وتجدر الإشارة إلى أن سهول منطقة وسط وجنوب العراق المعروفة بخصوبتها خلال السبعينيات قد تحولت إلى أراض مالحة. وتفيد التقديرات أن حوالي 25,000 هكتار من الأراضي تتأثر سنوياً بالملوحة وتصبح مالحة بشكل لا يساعد على نمو المحاصيل.
"زمام الأمور يفلت من أيدينا"
وفي ظل القلق الناتج عن الجفاف، عقدت وزارة الموارد المائية العراقية مؤتمراً لمدة ثلاثة أيام وصف خلاله خبراء المياه الوضع في العراق على أنه وضع "مأساوي".
وقد أوصى هذا المؤتمر الذي انعقد خلال الفترة من 19 إلى 21 أبريل/نيسان الماضي بضرورة تقنين الري واستخدام أنظمة الري الحديثة واستغلال المياه الجوفية المتجددة في منطقة السهول بالإضافة إلى عقد اتفاقيات عاجلة لتقاسم المياه مع دول الجوار.
وقال محمد علي سرحان، وهو خبير مياه في محافظة الديوانية جنوب العراق: "لقد بدأ زمام الأمور يفلت من أيدينا...نحن ندخل السنة الثالثة من الجفاف في ظل استمرار انخفاض منسوب المياه في جميع الأوقات وغياب التحرك الملائم لمواجهة ذلك".
وأضاف قائلاً: "تتحول مساحات كبيرة من الأراضي إلى صحراء، ويلجأ الكثير من المزارعين إلى مغادرة الأرياف والتوجه إلى المدن أو المناطق القريبة منها. لقد بدأنا نستورد كل احتياجاتنا من المواد الغذائية تقريباً بينما كان العراق في الخمسينيات واحداً من عدد قليل من البلدان المصدرة للحبوب في المنطقة".
كما أوضح سرحان أن "التحديات تتجاوز قدرة الحكومة على التعامل معها، إذ يحتاج القطاع الزراعي لمبالغ ضخمة للاستثمار في التقنيات الحديثة قبل أن نتمكن من الحصول على أية نتائج إيجابية". وأضاف أن "هذا لا يمكن أن يتحقق إلا عن طريق القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي".
وقد قامت الحكومة في العام الماضي بفرض تقنين على الري وحصرت الزراعات الصيفية في المحاصيل الإستراتيجية مثل الأرز والذرة وعباد الشمس والقطن والخضروات. ويعني التقنين استغلال 70 بالمائة فقط من الأراضي الزراعية في محافظتي النجف والديوانية في زراعة القمح والشعير. ولم تشمل خطة التقنين المحافظات الشمالية.