دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- الزميل جون دفتريوس، معد ومقدم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" يقوم بتسجيل انطباعاته ومشاهداته أسبوعياً، ويطرح من خلالها، وبلغة مبسطة، رؤيته لاقتصاد المنطقة، انطلاقاً من خبرته الطويلة في عالم الصحافة الاقتصادية.
أقلتني مروحية مع سائر أفراد طاقم برنامج "أسواق الشرق الأوسط CNN" فوق العاصمة اللبنانية بيروت في مهمة خاصة، هي الإطلاع على مقدار التطور العمراني فيها، وحلقنا فوق وسط المدينة القديم، أو ما يعرف بمنطقة سوليدير، التي أعيد بناؤها بعد سنوات من الصراع.
ورغم أن بوسعنا رؤية جيوب فارغة على الأرض، إلا أن ناطحات السحاب تنمو بسرعة، ويمكننا أن نقول باطمئنان إن هناك المزيد على الطريق.
فبخلاف أنحاء كثيرة من العالم الذي ما يزال يحاول الوقوف على قدميه بعد ثلاثة أعوام على بدء الأزمة المالية العالمية، فإن الودائع والأصول المالية في لبنان كانت ترتفع طوال الوقت.
والأرقام في لبنان مذهلة، فعدد سكان البلاد لا يتجاوز أربعة ملايين شخص، بينما تضم مصارفه ودائع تصل إلى مائة مليار دولار.
وخلال الأعوام الثلاثة الماضية دخلت الأسواق اللبنانية أكثر من 55 مليار دولار، تشكل تحويلات اللبنانيين المقيمين بالخارج 40 في المائة منها.
وقد راجعت هذه الأرقام مع فريدي باز، المدير المالي والتخطيط الاستراتيجي لبنك "عودة سرادار" فريدي باز، وأحد كبار رجال المال والاقتصاد في هذا البلد الحيوي رغم صغر مساحته، حيث قلت له، إنه خلال الأسبوع الذي أقمت فيه بلبنان استمعت إلى الكثير من الشبان وهم يبدون خوفهم من ظاهرة "هجرة الأدمغة"، إذ أن الجيل الجديد يتخرج من الجامعات، ومن ثم يسارع إلى السفر للبحث عن فرص عمل في الخارج دون أن يعود لوطنه.
وبالطبع فإن ردود الفعل حول هذه القضية تختلف باختلاف أطرافها، فالأمهات يسارعن إلى الحديث بانفعال عاطفي عن غياب أبنائهن، ويحملن الحكومة مسؤولية عدم توفير فرص عمل.
ولكن النظر إلى الحقائق بواقعية يظهر لنا أن لبنان يقوم فعلياً بأفضل ما يجيده، وهو تصدير رأس مال بشري عالي الكفاءة إلى العالم بأسره
فعلى أرض الواقع، يشكل الاغتراب هدية كبيرة للاقتصاد اللبناني، إذ أن الدخل الفردي السنوي المتوسط يعادل عشرة آلاف دولار، وهو الأعلى بين 22 دولة غير نفطية في الشرق الأوسط، علماً أن باز يؤكد بأن لبنان يسير حالياً بسبعين في المائة فقط من قدرته الاقتصادية الكاملة.
ولبنان لديه قدرات محدودة على توظيف الخريجين الجدد على أرضه، رغم استثماراته في هذا المجال، إذ أن وزيرة المال، ريا الحسن، أشارت إلى أن بيروت قررت توظيف مليار ونصف المليار دولار في ميزانية هذا العام لتمويل مشاريع بنية تحتية، مثل الطرقات وشبكات الاتصال.
وتشكل هذه الاستثمارات حجر أساس في تطوير عملية تنويع الاقتصاد بعيداً عن الخدمات المالية والمصرفية، والمبلغ الذي شملته الموازنة كان ضرورياً لتجاوز العقبات السياسية التي يفرضها التنوع الحزبي والطائفي في البلاد.
ولكن الوزيرة الحسن تؤمن بأن الثروة الأساسية للبنان تبقى قدراته البشرية، وهي تعتبر أن مشاريع البنية التحتية ضرورية لتشجيع المشاريع والقطاعات المرتبطة بالقدرات البشرية.
وفي الواقع، فإن التحويلات المالية المتدفقة إلى لبنان تمنح الحكومة المساحة الكافية للتحرك، خاصة وأن قدراتها محدودة في ظل ارتفاع عجز الموازنة والدين القياسي الذي يعادل 150 في المائة من الدخل الوطني، أي أنه يتجاوز نسبة الدين لدى اليونان التي استنجدت مؤخراً بالاتحاد الأوروبي لإنقاذها من الإفلاس.
ولكنني لم ألمس قلقاً مماثلاً لدى الحكومة أو الفعاليات الاقتصادية اللبنانية، بل كان الأمر مختلفاً تماماً. فقد شاهدت مشروعاً فخماً يحمل اسم "بيروت 3" من تصميم "فوستر وشركاه" ويضم 150 شقة، بيعت 60 منها مع أن موعد التسليم لن يحل قبل 2014، أما متوسط السعر فتراوح بين سبعة وعشرة آلاف دولار للمتر المربع.
وتعادل هذه الأرقام الأسعار في وسط العاصمة البريطانية لندن، أو قلب منطقة منهاتن بالولايات المتحدة، غير أنها لا تثير دهشة أحد في لبنان.
الشعب اللبناني، بعد كل ما شهده، تمكن من نفض الغبار عن نفسه وتجميع صفوفه والسير قدماً، وبمساعدة المغتربين وأعدادهم الكبيرة الذين لا يكفون عن تقديم الكثير لبلدهم الأم.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.