تباين الآراء حول جلد وحبس طالبة سعودية
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- مازالت قصة "الطالبة السعودية" المحكومة قضائياً بالجلد والسجن، من محكمة بمنطقة الجبيل في شرق المملكة، بتهمة التعدي على معلمة المدرسة، تثير اهتمام قراء ومعلقين من مختلف الشرائح الاجتماعية والمناطق الجغرافية حول العالم.
فمن السعودية نفسها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والشرق الأوسط، تلقى موقع CNN بالعربية تعليقات عدة ومتباينة على قصة هذه الفتاة.
وأثار التقرير الذي نشره موقع CNN بالعربية، وتناول حكماً قضائياً بمعاقبة فتاة سعودية بالجلد 90 جلدة والحبس شهرين، بتهمة التعدي على معلمة المدرسة، ردود أفعال مختلفة لقراء الموقع، حيث حمل بعضهم النظام التربوي السعودي مسؤولية معاقبة طالبة أمام دوائر قضائية، وكذلك "عدم موضوعية الحكم إذا ما قورن بعقوبة شارب الخمر مثلاً (40 جلدة) على حد قول أحد القراء"، والآثار النفسية المترتبة على تنفيذ مثل هذا الحكم على طالبة في مرحلة التعليم المتوسط.
وأجرى موقع CNN بالعربية كذلك، استطلاعاً (غير علمي)، شمل طرح سؤال واحد وإجابتين بنعم ولا، وكان السؤال: "هل تعتقد أن الطالبة السعودية تستحق عقوبة الجلد لأنها اعتدت على المديرة و"شتمت الدولة"؟ وأجاب على السؤال 3408 قراء، جاء من بينها نسبة 64 في المائة (2172 صوت) تقول إن الطالبة لا تستحق عقوبة الجلد، بينما صوتت ما نسبته 36 في المائة (1195 صوتاً) أن الطالبة تستحق الجلد.
واعتبر قراء أن اللوم لا يقع على الطالبة وحدها، وإن أخطأت، كونها مازالت في مرحلة التأديب والتعليم، بينما حملوا المعلمة المسؤولية المباشرة لفشلها في التعامل مع الطالبة كأم ومثل أعلى، حيث سحبتها الأخيرة إلى حيث التعامل بندية، في إطار حالة من "فقدان الهيبة" للمعلمة والنزول إلى مستوى طالب دراسي، على حد قولهم.
غير أن رأي معاكس، يبدو من تعليقه "الواثق" أنه على صلة مباشرة بالقضية، كتب يؤكد أن الفتاة عمرها 18 عاماً، وأنها تدرس بتعليم الكبار في المدرسة وليس التعليم النظامي، ولها - أي الفتاة - عدة مشاكل منها "شتم المعلمات والمشرفات، والضرب والاختلاء بالبنات الأصغر سنا واللاتي أبدين انزعاجهن من تصرفات البنت تجاههن وأشياء أخرى." لم يوضحها، لكنه بلور المسألة على أنها "إساءة للدين الإسلامي والوطن الذي يطبق الشريعة."
وأثارت القضية، التي تناولتها صحف محلية سعودية، الرأي العام حول الأسلوب الأمثل لمعاقبة طالبة دراسية، بصرف النظر عن كونها في الثالثة عشر من عمرها أو في العشرين.
فكتب بهذا المعنى أحد المعلقين قائلاً: "بغض النظر عن كون الطالبة في الثالثة عشر أو العشرين من عمرها، فإن حكم قضائي بجلدها وسجنها يعد عدوانية واعتداء على إنسانية هذه الفتاة."
وفي الوقت الذي رأى فيه البعض أنه "من أمن العقوبة أساء الأدب، وبالتالي يلزم ردع الطالبة المتمردة"، رأى معلق آخر أن الطالبة "مشروع مجرمة، ومن ثم يجب أن تكون عبرة لغيرها"، مبدين ارتياحهم لمثل هذه الأحكام.
في حين ذهب بعض القراء إلى أبعد من ذلك، حيث طالبوا بإعادة النظر في النظام التعليمي السعودي بالكامل، وإخراج القضاء تماماً من نظر قضايا يكون أطرافها طالبات أو طلاب في الصفوف الدراسية.
وتطورت المسألة لأبعد من مجرد حالة فردية لطالبة حكم عليها بالجلد والسجن، إلى إشارات ذات علاقة بحقوق الإنسان والتمييز في المملكة، حيث قال أحد المعلقين " من الواضح أن السعودية لن تراعي حقوق الإنسان"، مطالباً بجلد المديرة التي وصفها بـ"الجائرة"، مشيراً إلى أنه من الممكن إرجاع أمر الطالبة عند الخطأ إلى أسرتها لاتخاذ اللازم وتقويمها.
وقال أحد المعلقين، والذي يعمل أستاذا في جامعة أجنبية (على حد قوله)، "قبل أن تخطئ الطالبة أخطأت المديرة بحقها، لأنها لم تستوعب حالة هذه الفتاة، وهذا واجب المديرة كقيادية للمدرسة، وكشخص تعليمي من واجبه التوجيه والنصح."، بل وصل الحد لأن قال أحد المعلقين معلقاً على الموضوع نفسه إنه "لا أمل في التقدم."
وأبدى أحد المعلقين اندهاشه من أنه "في ظل سعي العالم حالياً إلى اكتشاف المخلوقات في الكواكب الأخرى والسياحة في المريخ والقمر، ما زلنا نحن العرب نعيش في عالم ما قبل 2000 سنة"، مبدياً استغرابه من "الأنظمة العربية التي تصر على العودة إلى الوراء مئات السنين غير عابئة بما حولها من دول آخر."
وتساءل قارئ آخر، "ألم تجدون طريقة مثلى حضارية للتعامل مع القضية غير أن تهان فتاة صغيرة وتهدر كرامتها وتخرج إلى المجتمع معقدة ومحطمة وتحرك منظمة حقوق الإنسان وحماية الطفل ضدنا لحماية الصغار بحجة أن الأطفال لا تنال الرعاية والتربية السليمة؟."
واعتبر أحد المعلقين أن عقوبة الجلد تعد "منتهى الامتهان، ودليل تخلف"، مطالباً بضرورة وقف أي شكل من أشكال العقاب البدني، فيما تشفع أحد المعلقين للطالبة لدى القاضي قائلاً "أدعو الله عز وجل أن ينزل الشفقة على القاضي الذي أصدر هذا الحكم."
ورأى آخرون أن التربية "تحتاج إلى أساليب حديثة وفعالة، بينما العقاب بهذه الصورة لا يحقق النتيجة التربوية المرجوة"، لافتاً إلى أنه "من الأفضل الاستفادة من قدراتها ودفعها إلى تقديم محاضرات تربوية لكافة الطالبات في المدرسة التي تدرس بها تشرح أن ما أقدمت عليه خطأ وأنها قد تعلمت كيف يمكن أن يقود تصرفها الأهوج إلى ما قادها إليه من عقوبة، وبالتالي تعكس صورة ايجابية للطالبات الأخريات وتدفعهن إلى الالتزام بحسن السلوك."
ووسط تباين الآراء، ومحاولة البعض اعتبار ما حدث مسألة تتعلق بالشأن السعودي الداخلي، ومن ثم ليس من حق أحد أن يخوض فيه، وإشارات ودعوات البعض إلى فصل القضاء عن العملية التعليمية، واستقلال التعليم، وحماية الآدمية و الطفولة والجسد المقدس للإنسان، تبقى الطالبة السعودية، صاحبة "الحكم القضائي"، قيد تنفيذه والانصياع للأحكام القضائية في البلاد.