متابعة: بارعة الأحمر
قوى الأكثرية تستعد لحشد قواها
بيروت، لبنان (CNN) -- يستعيد لبنان الأحد ذكرى اغتيال رئيس وزرائه الأسبق، رفيق الحريري، وسط أجواء من الارتباك السياسي في اتجاهات عدة، والذي ربما أهم أسبابه محاولة الدولة وضع إطار للعلاقة مع سوريا، التي احتلت لبنان لعقود وكانت الحركة الشعبية الغاضبة والمنتفضة وهي ما سميت عام 2005 بـ"ثورة الأرز" السبب المباشر لانسحاب الجيش السوري من لبنان وإنهاء الاحتلال.
وقد أدت التطورات الإقليمية والدولية في العامين الماضيين إلى إخراج سوريا من عزلتها الدولية، وظهر انعكاس المعادلات المستجدة عبر خطوات لبنانية وسورية باتجاه استعادة علاقة يريدها اللبنانيون مختلفة وبعيدة عن الهيمنة، وذلك بالرغم من أمر واقع بات واضحا بالنسبة للبنانيين والعالم، وهو أن لا استقرار أمنيا أو سياسيا في لبنان من دون دور سوري يستفيد منه النظام على أكثر من صعيد.
ومحرك "ثورة الارز" التي انطلقت عام 2005 تكتل سياسي هو "تيار الرابع عشر من آذار،" الذي جمع مئات آلاف اللبنانيين، وإن ليس جميعهم، في هذا التاريخ ووسط استمرار موجة الاغتيالات في حينه، التي طالت شخصيات لبنانية إعلامية وسياسية كبيرة كانت تطالب بإنهاء الوجود السوري.
وتأتي ذكرى اغتيال الحريري الخامسة وسط تشكيك في تماسك هذا التيار السياسي والمراهنة على انفراط عقده، خصوصا بعد تعبير النائب وليد جنبلاط، زعيم طائفة الدروز ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، عن رغبته بالانفتاح على سوريا، وإعلانه بأنه سيشارك في الذكرى "كمواطن" أي لا كعضو في هذا التيار السياسي.
وتأتي أيضا بعد حملات شنها التيار المعارض للأكثرية، أو المواجه لها، والمعروف بقوى"الثامن من آذار"، اتهمها فيه بالعمالة لأمريكا مرة ولإسرائيل مرات، بهدف تقليص دوره الوطني وإبعاد الأنظار عن المسألة الأساسية التي كانت علة وجوده، وهي رفض الاحتلال السوري وهيمنته السياسية.
ووسط كل هذا، يرى المراقبون بأن الذكرى هذه السنة تأخذ بعدا أكثر أهمية، إذ يفترض فيها أن تشكل حالة شعبية تؤكد على استمرار رفض هذه الهيمنة على السياسة اللبنانية والمطالبة بدور أكبر في التسويات في المنطقة كي لا تتم على حساب بيروت.
وعشية التحضيرات لإحياء هذه الذكرى تحدثت CNNبالعربية إلى كل من منسق الأمانة العامة لقوى "14 آذار" النائب السابق فارس سعيد، ومقرر اللجنة الخماسية لإعادة هيكلة "تيار المستقبل" أحمد الحريري.
الحريري أراد تذكير اللبنانيين بأن الهدف من اغتيال الحريري كان "اغتيال المشروع التنموي والسيادي للبنان،" مشيراً إلى أن القول بأن الذكرى "مناسبة وطنية" هو "كلام حق يراد به باطل في محاولة لتحويل الأمر إلى مناسبة شخصية وإفراغها من محتواها السياسي."
وتحدث عن "الواقعية في السياسة لا العواطف والشعارات." لافتا إلى أنه تيار المستقبل "يدرك تماما التغييرات الإقليمية فالمصالحات العربية تصب في مشروع عربي موحد في وجه المشاريع الأخرى في المنطقة كالمشروع التركي والنووي الإيراني وخصوصا المشروع الإسرائيلي."
وأضاف الحريري: "احترم رأي وليد جنبلاط لكنني لا اتفق معه على تحليل الموقف الراهن، ونترك للزمن الحكم على هذا المسار والخيار، إلا إنني أرفض أن يصفنا أحد بالانعزاليين أو المتقوقعين."
وقال "حققنا في السنوات الخمس الماضية قرابة تسعين في المائة من الأهداف الوطنية في ما يتعلق بالسيادة والعدالة وتوصلنا من خلال الحوار إلى الحديث عن البنود الخلافية في لبنان ألا أن هذا الحوار الوطني يتطلب نفسا طويلا وهذه الانجازات لا تعيش من دون تحصين شعبي."
وعن العلاقة مع سوريا قال "نسعى إلى أفضل العلاقات مع الدول العربية ومنها سوريا، وهذه العلاقة يحكمها الزمن والإطار الذي يضع مصلحة لبنان فوق كل اعتبار."
أضاف: "لقد فصلنا مسألة اغتيال الرئيس الحريري عن الشأن السياسي عبر تسليم الأمر إلى المحكمة الدولية. وقد نأى رئيس الحكومة سعدالدين الحريري بنفسه عن التدخل في شأن هذه المحكمة."
من جانبه، قال رأى فارس سعيد أن ذكرى اغتيال الحريري "محطة سياسية بامتياز تشارك فيها القوى التي حملت قضية الاستقلال والسيادة وهي قوى تتمايز بكونها ترتدي الطابع السلمي والديمقراطي."
وأضاف "لا يوجد في العالم العربي حركة سياسية تعتمد تداول السلطة بشكل سلمي وتحقق أهدافها. وهي أول مرة تبرز فيها حركة إسلامية مسيحية سلمية ديمقراطية في العالم وليس في العالم العربي وحسب."
وإلى الرسالة الخارجية التي سيوجهها اللبنانيون المشاركون الأحد والتي تؤكد على تثبيت الإرادة الوطنية، هناك رسالة داخلية كما يوضح سعيد "هي المشاركة بحلة تضامنية وسلمية على الرغم مما أصاب قوى الرابع عشر من آذار من عدم ترجمة فوزها بالانتخابات النيابية في المعادلة السياسية، وتاليا القبول بالتسوية عبر تقاسم السلطة مع من يمتلك السلاح."
شارحا أن الوضع السياسي يرتكز على " توازن هش تم فرضه بين الديمقراطية والفريق المسلح،" واعتبر أن "انعكاسات وجود السلاح هي التي أدت إلى ذهاب بعض قوى الرابع عشر من آذار باتجاه تدوير الزوايا."
وأكد سعيد أن مناسبة الأحد "امتحان للشعب اللبناني الذي يشكل رأيا عاما عابرا للطوائف وهو يحاسب ويراقب ويصوب، حيث أن هذا المفهوم للرأي العام غير موجود في العالم العربي."
وواعترف سعيد بأنه يحزن عند الحديث عن الخيار السياسي الحالي لجنبلاط قائلا: "نعم لدينا مرارة من ذهاب النائب وليد جنبلاط باتجاه تدوير الزوايا."
إلا انه أعاد التذكير بان " شرارة ثورة الأرز انطلقت من بيت وليد جنبلاط في فبراير/شباط من عام 2005 (مباشرة بعد اغتيال الحريري) ونحن نقر لجنبلاط بمساهمته الكبيرة ."
وعما إذا كانت قوى "14 آذار" تتفهم "انعطاف" جنبلاط قال سعيد: "نؤكد أننا نتفهم ما يحصل في السياسة ونحن مع إعادة ترتيب الأوضاع على المستوى العربي إنما هناك إرادة وطنية لبنانية ولدت مع هذا التيار السياسي وستستمر على ما هي كنموذج للتضامن المسيحي الإسلامي."
وأكد سعيد أن أحداً لن يغيب عن هذه المناسبة قائلاً "حتى الفريق الشيعي سيحضر وإذا ما حضر جمهور النائب جنبلاط فسيكونوا في رموش العين" على حد تعبيره.
هذا وقد اتخذت القوى الأمنية والجيش اللبناني تدابير أمنية واسعة في وسط العاصمة بيروت وما بات يعرف بـ"ساحة الحرية" ويتوقع أن يتحدث أمام المحتشدين كل من رئيس الوزراء سعد الدين الحريري ورئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل ورئيس الوزراء السابق فؤاد السنيورة، وزعيم حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، وسط مشاركة شعبية واسعة.