تونس (CNN) -- تأتي الاضطرابات الأخيرة في تونس التي رافقت عرض الفيلم الفرنسي الإيراني "بيرسبوليس" لتطرح جملة من الأسئلة حول توقيت عرض الفيلم وأحداث الشغب التي رافقته في وقت يستعد فيه التونسيون للمشاركة في أول انتخابات حرة في بلادهم.
وخرج أكثر من خمسة آلاف ناشط إسلامي الجمعة في مسيرة سلمية للتنديد بإقدام قناة "نسمة" التونسية على عرض الفيلم الذي يتضمن مشاهد "تجسيد للذات الإلهية"، وحاول بعضهم اقتحام القناة ومنزل مديرها نبيل القروي الذي قدم في وقت سابق اعتذارا للتونسيين عن عرض الفيلم.
ويرى بعض المراقبين أن أحداث الاثنين والجمعة لا تعدو كونها "دعاية انتخابية" للأحزاب الإسلامية بدليل أن الفيلم عرض سابقا في تونس ولم يحدث أي رد فعل.
فيما يؤكد آخرون أن الأمر هو "سيناريو مُفتعل" من قبل الحكومة الحالية "للتخويف" من الإسلاميين الذين ترى بعض استطلاعات الرأي أن لهم حظوظ فوز كبيرة بنسبة 30 في المائة في الانتخابات المقبلة.
ويستبعد الباحث التونسي الدكتور العربي بن ثائر أن تكون المظاهرات مدبّرة من أطراف محددة (القناة أو الحكومة) "تريد الإيقاع بالسلفية أو تشويه النهضة أو إخافة المجتمع من الإسلام السياسي بشكل مباشر."
ويرى بن ثائر، في تصريح خاص لـCNN بالعربية، أن المظاهرات ليست عفويّة، مشيرا إلى أن السلفية هم الطرف الأساسي المنظم لها، رغم وجود أطراف أخرى فيها.
ويضيف: "السلفية ربما تعتقد أنها مهضومة الجانب منذ أمد بعيد، وأن الاستقطاب السياسي وهشاشة الوضع وضعف الحكومة الحالية ربما كل ذلك يشجعها على اقتناص الفرصة وتجييش العواطف لفرض تصوراتها العقدية وحتى السياسية في تنظيم الشأن العام وإدارته في المرحلة الحالية لصالحها بأقصى ما تستطيع من الفائدة في كسب الأنصار."
وفي وقت يرى فيه المراقبون أن حزب "حركة النهضة" الإسلامي من أكثر المستفيدين من "أحداث بيرسبوليس"، سارع زعيم الحزب راشد الغنوشي إلى نفي علاقته بالاضطرابات، مشيرا إلى أن التونسيين لا يحتاجون إلى وصي للدفاع عن دينهم.
وامتنعت مخرجة الفيلم، الإيرانية مرجان ساترابي، عن التعليق على الأحداث، لكنها رأت أن رد الفعل "جاء بسبب وضع انتخابي مكهرب قليلا، وكل ثورة تمر بأوقات عصيبة."
وترى الباحثة التونسية، الدكتورة رجاء بن سلامة، أن "الإعلام الموجه والمؤدلج" ساهم في تأجيج المشكلة لدى الرأي العام من خلال "إثارة العواطف البدائيّة وتجييش النّفوس."
وتشير بن سلامة إلى بعض القنوات التلفزيونية (الجزيرة والتونسية الرسمية) اختارت "أسلوب الإثارة والتهييج، وانساقت القناة الوطنيّة حتّى إلى إدانة بعض وجوه الإصلاح الدّينيّ بتونس، ولم تحاور أيّ ناقد سينمائيّ كان يمكنه أن يوضّح للنّاس أبعاد اللّقطة التي يجسّد فيها الإله."
وتضيف: "لم تستدع القناة (التونسية) أيّ ناشط حقوقيّ يوضّح أبعاد حرّيّة التّعبير عندما يتعلّق الأمر بالإبداع، ولم تنظّم أيّ حوار فكريّ هادئ في الموضوع، ولم تطلع الرّأي العامّ على الموقف المشرّف الذي وقفته الهيئة الوطنية لإصلاح الإعلام والاتصال عندما أدانت 'كل أشكال العنف ومحاولات ترويع الإعلاميين وإسكات صوتهم.'"
وتظاهر آلاف التونسيين بعد ظهر الأحد في العاصمة التونسية للمطالبة باحترام حرية التعبير والتنديد بأعمال العنف التي شهدتها تونس بعد عرض فيلم "بيرسبوليس" تحت شعار "أعتقني."
وهتف المشاركون الذين تجمعوا في ساحة "باستور" بالعاصمة عند مدخل وسط المدينة، "الشعب يريد حرية التعبير" و"تونس لك ولي" و"لا نفاق لا رجعية تونس حداثية مدنية" و"بالروح بالدم نفديك يا علم."
ويرى بن ثائر أن الأحداث تجاوزت السلفيين، وربما تقدم خدمة لبعض الأطراف من العهد البائد التي استغلت أحداثا سابقة ذات طابع اقتصادي واجتماعي اجتاحت مناطق متعددة من البلاد، بهدف تقويض المسار الديمقراطي.
ويضيف "هذه الأطراف من مصلحتها إفشال مسار الثورة بصرف أنظار الناس عن الخطر الحقيقي الذي يتهدّد أمالهم في الحريّة والعدالة، حيث أن هذه الشرائح كانت من ركائز الظلم والاستبداد ومن دعائم الفساد، وتأجيل أو إجهاض الانتخابات يخدمها بالدرجة الأولى."
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.