CNN CNN

تونس: بروز ملامح المرحلة الانتقالية وغموض هوية الدولة

متابعة: حسن سلمان
الخميس ، 07 شباط/فبراير 2013، آخر تحديث 01:52 (GMT+0400)

تونس (CNN)-- بعد شهر من أول انتخابات ديمقراطية في تونس، تم الاتفاق أخيرا على ملامح المرحلة الانتقالية، حيث أفضت المشاورات بين القوى السياسية الكبرى للاتفاق على الشخصيات التي ستتولى قيادة البلاد في هذه المرحلة، في حين ظل السؤال الأكبر يتمحور حول هوية تونس الجديدة ما بين "علمانية" و"إسلامية."

واتفق حزب "النهضة" الإسلامي والحزبان اليساريان "المؤتمر من اجل الجمهورية" و"التكتل الديمقراطي من اجل العمل والحريات" على تولي منصف المرزوقي (مؤتمر) رئاسة الجمهورية ومصطفى بن جعفر (تكتل) رئاسة المجلس التأسيسي وحمادي الجبالي (نهضة) رئاسة للحكومة الانتقالية.

ويأتي الاتفاق في وقت حذّر فيه الهاشمي الحامدي رئيس تيار العريضة الشعبية الذي فاز بالمركز الثالث في انتخابات المجلس التأسيسي انه سيتخذ" قرارات صعبة ومؤلمة" إذا لم يتلق اعتذارات عما وصفه بـ"الإقصاء والتجاهل" من جانب الرئيس المؤقت للبلاد والأحزاب الكبرى.

ورفضت الأحزاب السياسية مشاركة "العريضة" على اعتبار أنها تجمع بقايا النظام السابق، لكن الحامدي ينفي ذلك ويطالب بنصيبه في الحكومة المقبلة.

ويبدي التونسيون قلقا متزايدا حول مستقبل بلادهم، خاصة بعد الفوز الكبير للإسلاميين بالانتخابات، والانقسام السياسي المستمر بين عدد من القوى السياسية في البلاد.

وتخشى سوسن (أكاديمية) من سيطرة الإسلاميين على الحكومة التونسية، مشيرة إلى أنهم سيعملون على تحويل البلاد إلى "دولة إسلامية مثل السعودية أو أفغانستان، وهذا يقوّض علمانية الدولة التي نعتز بها منذ نصف قرن".

فيما يبدو أنيس (سائق تكسي) متفائلا بنجاح حركة النهضة "التي ستعمل وفق شرع الله"، مشيرا إلى أن "تونس بلد إسلامي، وآن الأوان لحكم إسلامي متسامح يقطع مع ديكتاتورية بن علي".

وتستبعد الباحثة تونسية رجاء بن سلامة قيام دولة إسلامية (ثيوقراطية) في تونس بعد فوز الإسلاميين بحوالي نصف المقاعد في انتخابات المجلس التأسيسي الأخيرة.

وتقول في مقابلة خاصة مع  CNNبالعربية إن فوز حركة النهضة بنسبة 41 في المائة في الانتخابات يعود إلى "تشتّت الأصوات بين مختلف الأحزاب اليساريّة واللّيبراليّة والقائمات المستقلّة التي مثّلت نسبة 40 في المائة، إضافة إلى رغبة التونسيين بالقطع نهائيا مع نظام استبدادي استمر لربع قرن".

وتضيف "سيكون من الصّعب على حزب النّهضة أن يتحوّل إلى حزب حاكم وحيد كما كان الشأن بالنّسبة إلى التّجمّع الدّستوريّ الديمقراطي. لم يعد ذلك ممكنا، وعلى كلّ المحلّلين أن يتركوا السيناريوهات الجاهزة المسبقة وان يحاولوا قراءة الواقع التّونسيّ بأعين جديدة".

وكان عدد من القوى الديمقراطية في تونس رفض المشاركة في ما وصفوها بأنها "حكومة رجعية" تقودها حركة النهضة التي "تحمل مشروعا دينيا لا يستجيب لتطلعات التونسيين لبناء مجتمع تعددي ديمقراطي يضمن الحريات الفردية العامة،" على حد تعبيرهم.

وحذر الحزب الديمقراطي التقدمي والحزب الشيوعي التونسي من "النزعة الاحتكارية" لحركة النهضة التي "تملي شروطها على حزبين فازا بعد ترتيبات مسبقة،" بحسبهما.

وتقول بن سلامة "أعتقد أنّ نسبة هامّة ممّن صوّتوا للنّهضة ليسوا من أنصار الإسلام السّياسيّ. وربّما تمّ توظيف قضيّة شريط برسبوليس سياسيّا بحيث شعر الكثير من التّونسيّين أنّ عقيدتهم وتوحيدهم بالذّات أصبح مهدّدا. ربّما لو عرض الشريط نفسه في سياق آخر، وبإثارة إعلاميّة أقلّ لما أثار الضّجّة التي أثارها."

وأثارت دعوة حمادي الجبالي، الأمين العام لحزب النهضة إلى "خلافة سادسة" في تونس، جدلا كبيرا حول "ازدواجية" خطاب الإسلاميين ومحاولتهم "تقويض العملية الديمقراطية وأخذ البلاد نحو المجهول".

وقال الجبالي مخاطبا أنصار حزبه قبل أيام: "يا إخواني انتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة، إن شاء الله في الخلافة الراشدة السادسة إن شاء الله، مسؤولية كبيرة أمامنا والشعب قدم لنا ثقته، ليس لنحكم لكن لنخدمه".

وأشار بعض المراقبين إلى أن الجبالي كشف النقاب عن "الخطاب السلفي لحركة النهضة،" فيما اعتبرت صحيفة "المغرب" التونسية أن خطابه "كان تعبويا دينيا مسجديا ذكرنا بخطاب قيادات الحركة الإسلامية في السبعينات" من القرن الماضي.

لكن الجبالي عاد ليؤكد أنه ليس من دعاة "دولة الخلافة" وإنما هو من دعاة "النظام الجمهوري الديمقراطي"، مشيرا إلى عملية اختزال خطابه وتحميله معنى آخر غير الذي قصده.

ويقول الباحث التونسي العربي بن ثائر "المعلن لدى النهضة هو الحكم المدني أو الدولة المدنية، ولكن من شبه المؤكد أن الخلافة هدف استراتيجي عندها، وهذا ما عبّر عنه أمينها العام مؤخرا في حديثه عن 'الإشارات الربانية".

ويضيف "كلام الجبالي لم يكن زلّة لسان أو كلام حمّال مقاصد غير التي فهمناها، إنّه موقف و كلام مؤصّل له في فكر راشد الغنّوشي (زعيم النهضة) الموسوم بـ'الفكر الإسلامي المعتدل والوسطي'، بينما هو لا يعدو أن يكون سوى 'فكر الأسلمة الناعمة' التي لا تختلف عن الأسلمة العنيفة إلاّ في المنهج ووسائل العمل، بينما الهدف واحد."

ويبدي البعض تخوفهم من انحسار الفكر العلماني مقابل مد إيديولوجي إسلامي بعد فور حركة النهضة وأثر ذلك على التقاليد المدنية الراسخة منذ عقود في تونس.

لكن الباحث المغربي سعيد ناشيد يرى أن الهزيمة الانتخابية للعلمانيين "قد لا تعني بالضرورة هزيمة العلمانية نفسها، بقدر ما تعني أن العلمانية كسبت حليفا جديدا".

ويضيف "حزب النهضة يعدنا سياسيا بالكثير من الانفتاح على قيم الحداثة وحقوق الإنسان، غير أن اجتهاداته تظل في المستوى السياسي فقط، في حين أن رؤيته الفقهية واللاهوتية لم تتجاوز بعد الإيديولوجية المحافظة المتمثلة في الإخوان المسلمين والشيخ يوسف القرضاوي وهيئة علماء المسلمين".

ويؤكد أن إمكانية نجاح تجربة التحول الديمقراطي في تونس تقوم على ثلاث مقومات "أولا: دور الجيش في حماية أهداف الثورة من دون أن يتدخل في السياسة، ثانيا: قوة الطبقة المتوسطة كضامن للاستقرار ومورد للنخب السياسية والثقافية".

 ويضيف أن العامل الثالث هو الإرث العلماني الوطني للحبيب بورقيبة، والذي قال إنه بعد أن تحرر من قبضة الدولة الأمنية، أدار العملية الانتخابية بكامل النزاهة والتجرد.



ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.

الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.