الرباط، المغرب (CNN) -- من خلال حكاية بسيطة تجمع بين الطرافة والعمق الانساني، يسلط المخرج المغربي داود اولاد السيد الضوء في فيلمه الأخير "الجامع" على العلاقة بين الاسلام الشعبي والاسلام الرسمي المدعم بعصا السلطة.
مشهد واقعي أثار تعليقات ساخرة تحول الى عمل سينمائي قوبل حتى الآن باستقبال حسن في المهرجانات الاقليمية والدولية التي شارك فيها، وخصوصا مهرجاني سان سيبستيان الاسباني وأيام قرطاج السينمائية بتونس، وان خرج خاوي الوفاض من مشاركته في المسابقة الرسمية للمهرجان القومي للسينما الذي احتضنته مدينة طنجة (شمال المغرب) من 21 الى 29 يناير الماضي.
خلال تصويره لفيلمه المطول السابق "في انتظار بازوليني" باحدى قرى الجنوب المغربي، لاحظ المخرج داود اولاد السيد أن ديكور المسجد الذي احتضن تصوير بعض مشاهد الفيلم تحول فعلا الى مسجد حقيقي يؤمه أهالي القرية لأداء الصلوات.
وكقناص لحكايات تجمع بين الواقعية والسخرية الكاشفة لأبعاد اجتماعية وانسانية عميقة، انبرى الفيلم لسرد قصة موحى، القروي البسيط، الذي أجر قطعة أرضية لبناء ديكور المسجد، ليجد نفسه بعد انتهاء العمل ورحيل الطاقم محروما من أرضه المصادرة باسم اقامة شعائر الله، مضطرا لمواجهة تحالف صلب بين ممثلي السلطة وإمام المسجد-الديكور ( السلطة الدينية الرسمية)، سطا على الأرض التي ينتفع بها الرجل الفقير...وسط سلبية الأهالي الصامتين.
ورغم اصرار المخرج داود اولاد السيد في تصريح لموقع CNN بالعربية، على نفي الطابع السياسي لفيلمه وحرصه على تقديم نفسه كراوي قصص مستلهمة من معيش البسطاء ويومياتهم، إلا أن جوهر الصراع كأساس لكل عمل درامي يحيل الى اشارات سياسية ناصعة، ترصد التوتر بين تمظهرات الممارسة الدينية الموزعة بين الواجهة الرسمية الممأسسة والممارسة التعبدية الفردية.
ويؤكد داود أنه لم يسع أبدا الى ركوب موجة الأعمال الفنية التي تقارب قضايا الأصولية والاسلام السياسي خدمة لطلب محلي وأجنبي على هذا النوع من التيمات، بل كان همه، كما في معظم أعماله، الاقتراب من انشغالات وعوارض واقعية للناس، مذكرا بأن بطل الفيلم الذي يناضل من أجل استرجاع أرضه بدا شخصية متدينة حريصة على الشعائر، لكنه لا يقبل ببساطة سلب حقه باسم الدين.
واتفقت شريحة واسعة من النقاد والجمهور على اعتبار بطل الفيلم عبد الهادي توهراش (موحى) إحدى نقط قوة العمل. بسحنته المصبوغة بشمس الجنوب، بقسماته وتجاعيده التي تنطق ببساطة غير مفتعلة أقرب الى الطبيعية ونظرات تظللها مسحة حزن مع نبرات صوت متهدجة ناطقة بالانسحاق والشعور بالعجز فضلا عن أداء حركي متميز مطابق لطبيعة ووتيرة الحياة في القرية الصحراوية الهادئة، حظي عبد الهادي بثناء منقطع النظير.
لم يخف داود اولاد السيد في تصريحه للموقع افتتانه بالفضاء الصحراوي الجنوبي، وهو المنحدر من مدينة مراكش بوابة هذ الفضاء. وبدا ذلك واضحا في التشكيلات المتنوعة من المناظر الطبيعية التي احتضنتها الحكاية أو شكلت فواصل انتقالية في مجرى العمل، الذي امتاز أيضا بايقاع بطيء أراده المخرج على منوال وتيرة الحياة الاجتماعية وعلاقة الناس بالمكان والزمان في تلك المنطقة.
فيلم الجامع يعد خامس عمل مطول في ريبرتوار داود اولاد السيد، الذي بات اسما وازنا ضمن مخرجي الوجه الجديد للسينما المغربية، بعد أفلام " باي باي سويرتي" 1998، و " عود الريح " 2001 ، و " طرفاية أو باب البحر " 2004 و "في انتظار بازوليني" 2007.