القاهرة، مصر (CNN) -- تغلب المصريون على خوفهم من الدولة البوليسية في لحظة أصيلة في تاريخ أكبر دولة في العالم العربي وأكثرها تأثيراً، وفقاً لرأي المتخصص بالإعلام العربي، لورانس بنتاك، الأستاذ بكلية مورو للاتصالات بجامعة واشنطن.
تؤكد الاضطرابات حقيقة قاتمة عن الأنظمة الاستبدادية في جميع أنحاء العالم: فقد انهار الحاجز الإلكتروني وانهارت معه قدرتهم على السيطرة على تدفق المعلومات.
ثمة خط مباشر بين هذه الثورات والثورة في الإعلام العربي التي انطلقت منذ 15 عاماً، ويمكن للمرء أن يجادل بأن ما يحدث هو النتيجة الحتمية، فمطالب التغيير أصبحت "فيروساً إلكترونياً" ينتقل إلى الدول متسرباً عبر الحدود.
لقد اتخذت حكومة مبارك خطوة غير مسبوقة بقطع خدمات الإنترنت وخدمات الرسائل النصية عبر الهاتف الخليوي في مناطق مهمة من مصر، ولكن كثيرين من أفراد الشعب المصري لديهم مستقبلات الأقمار الصناعية، وبالتالي فإنه يستطيع أن يتابع "دراما حية" في الشوارع وعلى شاشات التلفزيون في جميع أنحاء العالم، وهو ما دفع أفراد الشعب إلى مغادرة منازلهم وتعريض سلامتهم الشخصية من أجل الانضمام الى المتظاهرين.
فحتى منتصف عقد التسعينيات من القرن العشرين، ربما لم يكن بإمكان الكثيرين معرفة أين تجري الاحتجاجات، كما يقول لورانس بنتاك.
ولكن، طوال معظم النصف الثاني من القرن العشرين، كانت الحكومة المصرية تحتكر بشكل شبه كلي تدفق المعلومات لشعبها، لذلك، ولذلك فقد احتفل المصريون بالانتصار على إسرائيل نتيجة الأخبار من وسائل الاعلام الرسمية في حرب عام 1967، رغم أن القوة الجوية المصرية تعرضت لضربة ساحقة ومحتها عن الوجود.
ليس هذا فحسب، بل إن معظم السعوديين لم يعرفوا بقيام العراق بغزو الكويت المجاورة في العام 1990، لأن وسائل الاعلام الرسمية السعودية انتظرت ثلاثة أيام للإعلان عن الأخبار.
وبحسب لورانس بنتاك، ما تغير هو وصول الجزيرة، وهي أول قناة فضائية مستقلة إلى حد كبير بين الدول العربية في العام 1996، ثم كانت شبكة CNN، وBBC والتلفزيون المصري متاحة على القمر الصناعي، إلا أن CNN وBBC ناطقتين باللغة الإنجليزية، في حين أن المصرية كانت تفتقد للمصداقية.
فجأة، تكشف للعرب نمط جديد من التغطية الإخبارية لم يكن معتاداً بالنسبة لهم في تقديم التقارير، وباللغة العربية حيث بدأت تتكشف أحداث خفية لفترات طويلة كما أصبحت تسمع من شخصيات كانت محظورة على محطات التلفزيون الحكومية.
واليوم، ثمة المئات من القنوات الفضائية العربية التي تمثل وجهات نظر سياسية مختلفة ومتباينة، كما انتشرت الصحف المستقلة ومواقع الإنترنت المختلفة التوجه في جميع أنحاء المنطقة.
الصحفيون العرب الذين كانوا أبواقا للأنظمة القمعية، باتوا اليوم يشهدون تغييرات اجتماعية وسياسية، ويعتبرون هذا الأمر وخلقة من مهامهم الأساسية، وهو ما بدا جلياً في التغطية الإعلامية العربية الكثيفة للتطورات والأحداث في تونس.
وحتى لو تمكنت الحكومات العربية من إرجاع "عفريت الصحافة إلى القمم"، فهناك جيش من الناشطين الإعلاميين المتمكنين من التعاطي مع أدوات مثل المدونات وتويتر وفيسبوك وغيرها من أشكال التراسل الفوري، بوصفها أسلحة، وهو ما يطلق عليه المصريون "ماسبوك" Massbook، في معركتهم مع أنظمة الحكم المستحكمة.
هؤلاء الصحفيون الأشاوس والناشطون المسلحون "رقمياً"، شكلوا مزيجاً فتاكاً لزين العابدين بن علي في تونس، وها هو ذا المزيج يثبت أنه سام للرئيس حسني مبارك.
إن انتشار الثورة التونسية وانتقالها إلى شوارع القاهرة بسرعة البرق ليست سوى دليل على أن مصطلح "الثورة الرقمية" قد اكتسب معنى جديداً تماماً في الشرق الأوسط، كما يؤكد على فشل الأنظمة العربية على التكيف مع هذا الواقع المعلوماتي الجديد.
ضمن هذا السياق لم يعد من الممكن لبلد قوامها 80 مليون نسمة أن تنفصل عن الشبكة المعلوماتية.
لقد فشلت محاولات الحكومة المصرية الأولية في منع الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر، تماماً مثلما حدث سابقاً في تونس، والفضل في ذلك يعود إلى أدوات الالتفاف على الرقابة التي يستخدمها "الناشطون الرقميون"، لذا لجأت الحكومة المصرية إلى قطع معظم خدمات الإنترنت بالإضافة إلى قطع معظم خدمات الهاتف النقال، بغية إجهاض الجهود المبذولة لتنظيم احتجاجات وتظاهرات، لكنها أبقت على مزود إنترنت وحيد، وهو ما أعطى الناشطين شريان حياة.
على أنه في جميع الأحوال كان الوقت قد فات؛ ذلك أن الخطط الخاصة بتنظيم "جمعة الغضب والحرية" قد حددت سلفاً وانتشر الخبر بشأنها.
الرأي الوارد في هذا المقال، يعبر عن رأي كاتبه لورانس بنتاك، ولا يعبر عن رأي CNN.