بيروت، لبنان (CNN) -- يبدو لبنان من الخارج أكثر هدوءا من الدول المحيطة التي تتصارع فيها القوى الثورية مع أنظمة ممسكة بالحكم منذ عقود. ولكنه من الداخل ليس أقل غلياناً منها، بل قد تكون الأمور فيه مرشحه لتطورات متسارعة مع الوضع الحكومي الجديد، والقلق من انعكاسات الأزمة السورية، وترقب صدور القرار الاتهامي الدولي بقضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري.
فالحكومة التي أعلن تشكيلها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، بعد خمسة أشهر من التجاذب السياسي الذي أعقب إسقاط حكومة سعد الدين الحريري بضغط من القوى التي يقودها حزب الله، لم تعلن بيانها الوزاري بعد، وينتظر أن تواجهها تعقيدات في صياغة البنود المتعلقة بسلاح حزب الله، والمحكمة الدولية الخاصة بالحريري، وكذلك القرارات الدولية.
أما المعارضة الجديدة، التي يقودها تيار الحريري نفسه بعد فقدانه الأكثرية النيابية بانشقاق مجموعة من النواب - بينهم ميقاتي نفسه - فتؤكد أنها مصرة على المواجهة الشاملة مع الحكومة الجديد التي تعتبرها صنيعة حزب الله وسوريا الراغبة بإمساك أوراق إقليمية، تتصور أنها تساعدها على مواجهة وضعها الداخلي.
وتعتبر المعارضة اللبنانية المكونة من قوى تحالف "14 آذار" أن تغيير الأكثرية النيابية لم ينتج عن تبدلات سياسية في مواقف القواعد الشعبية، بل نتيجة لاستخدام السلاح من قبل حزب الله في الداخل والضغط الخارجي من سوريا وإيران.
فبعد حادثة "القمصان السوداء" الشهيرة في 18 يناير/كانون الثاني الماضي، عندما انتشر الآلاف من رجال حزب الله دون سلاح في ساعات الفجر بالعاصمة بيروت، بدّل النائب الدرزي وليد جنبلاط موقفه السياسي، وقرر التحالف مع قوى "8 آذار"، التي يقودها حزب الله، ما نقل الأكثرية الحسابية من مقاعد البرلمان إلى ضفتها.
بالمقابل، تقول الأكثرية الجديدة إن وصولها إلى السلطة يعبر عن اصطفاف جديد بالبلاد ناتج عن الشلل الذي أصاب حكومة الحريري من جهة، ورغبة بعض القوى في تبديل تحالفها مع "المحور الأمريكي"، وفق تعابيرهم، من جهة أخرى.
كما يعتبرون أن من بين أدلة شلل العمل الحكومي غياب الحريري عن لبنان لأكثر من ثلاثة أشهر، ما تزال متواصلة، رغم أنه كان في تلك الفترة يرأس حكومة تصريف أعمال.
وقد يجادل البعض بأن غياب الحريري لم يؤثر كثيراً بسبب الوضع الدستوري لتصريف الأعمال في لبنان، والذي يحول دون إصدار قرارات على قدر كبير من الأهمية، ولكن هناك من يشير إلى أن الغياب جاء في فترة سياسية حرجة إذ وقعت المواجهات عند الحدود مع إسرائيل في ذكرى "النكبة" جنوباً، بينما كانت العائلات السورية تتدفق نحو لبنان عبر الحدود الشمالية، لتزيد الغليان في الشارع السني الممتعض أساساً من طريقة إسقاط الحكومة.
ولكن المتابعين يرون بأن هذا الغياب في الواقع هو أحد الأدلة على مدى التوتر في البلاد، فالحريري الذي اغتيل والده بانفجار في 14 فبراير/شباط 2005 بقلب بيروت، يواجه بدوره تهديدات أمنية كشفتها أكثر من وسيلة إعلام أجنبية.
وفي هذا السياق، أكد النائب عمار حوري، عضو كتلة المستقبل البرلمانية التي يقودها الحريري، بأن الأخير يواجه مخاطر أمنية جدية تدفعه للبقاء خارج البلاد.
ورفض حوري، في حديث مع CNN بالعربية، التعليق حول معلومات محددة تتعلق بسيارات مفخخة في أماكن معينة من العاصمة اللبنانية كانت بانتظار عودة الحريري من السفر، حسب تقارير صحفية، قائلاً: "ليس لدي تفاصيل حول طبيعة الخطط التي جرى الحديث عنها، ولكن ما نعرفه هو أن هناك مخاطر أمنية دفعت الرئيس الحريري لاتخاذ إجراءات مشددة خلال الفترة الراهنة، بما في ذلك البقاء خارج لبنان."
وبالنسبة لموضوع تأثير غياب الحريري خلال مرحلة تصريف الأعمال فأكتفى حوري بالقول بإن "القضية برمتها لم تعد مطروحة اليوم بعد إعلان تشكيلة الحكومة الجديدة."
ولدى سؤاله حول ما يتردد عن صيغ تدرس لبند المحكمة الدولي في البيان الوزاري، بعد أن دعت عدة قوى في الأكثرية الجديدة، وخاصة حزب الله، إلى رفض المساهمة والتعاون معها باعتبارها ضمن "مشاريع دولية" تستهدفهم قال حوري: "من قام بالانقلاب في يناير/كانون الثاني بسبب المحكمة الدولية عينها سيحاول البحث عن خيارات لفظية تتعلق بصياغة موقف الحكومة منها، ولكننا نأمل بألا يقوموا بوضع لبنان في مواجهة الداخل والشرعية الدولية."
ونفى حوري معرفته بالموعد المقرر لإعلان القرار الاتهامي بقضية اغتيال الحريري، وقال إن ما جاء على لسان قيادات تيار المستقبل حول مواعيد قريبة قائم على "تقارير صحفية."
وكرر حوري توّعد الحكومة الجديدة بـ"أيام صعبة" ستواجهها على يد المعارضة، ولكنه شدد على أن جميع التحركات التي تنوي قوى "14 آذار" القيام بها ستكون "تحت سقف الدستور،" دون استثناء الانتقال إلى الشارع.
ولدى سؤاله عن عودة رموز تيار المستقبل إلى انتقاد سوريا بعد فترة من "الهدنة" التي استمرت حتى خلال الانتفاضية الشعبية السورية وما رافقها من اتهامات وجهتها دمشق إلى عناصر من التيار بالضلوع فيها، قال حوري: "بعد انتخابات عام 2009 قام الرئيس الحريري بخمس زيارات إلى دمشق، وتحدثنا عن مسامحة المرحلة الماضية وتجاوز الخلافات، ولكن سوريا لم ترد إلا بمواقف ضد لبنان وتيار المستقبل وقوى 14 آذار عموماً."
وتابع قائلاً: "نحن لا نسمح لأنفسنا بالتدخل في شؤون الآخرين، ولكننا بالمقابل لن نسمح للآخرين بأن يتدخلوا بشؤوننا، ونعتبر أن كل ما جرى منذ إسقاط الحكومة السابقة من نزول مجموعات القمصان السوداء وتأجيل مواعيد الاستشارات، ومن ثم قيام كتل نيابية بتغيير موقفها السياسي، إنما هو ناتج عن تدخلات سوريا نفذها حزب الله."