القاهرة مصر(CNN) -- يترقب المصريون والعالم الأسابيع الأولى من فترة حكم الرئيس محمد مرسي، لمعرفة موقف مصر الجديد من التوازنات العربية والإقليمية.
وقد وفر مرسي إشارات أولية عبر تأكيده الوقوف إلى جانب الشعبين الفلسطيني والسوري، لكن طبقة الجليد في علاقات دول الخليج مع جماعة الإخوان المسلمين التي كان أحد قادتها لم تتحطم بعد.
وتنظر دول الخليج، التي كانت ترتبط بتحالفات وثيقة مع القاهرة طوال السنوات الماضية، بقلق حيال تاريخ طويل مع التعاون بين جماعة الإخوان وإيران. لكن البعض يرى أن في هذه المخاوف بعض المبالغة، وأن الجماعة كانت قد اختارت هذا الطريق خلال المواجهة مع النظام المصري السابق، ويمكنها أن تعود عنه دون خسائر كبيرة.
ورغم تعهدات مرسي بأن مصر ستكون حرة بسياساتها الخارجية وعلاقاتها الدولية، في تلميح إلى أن كل الخيارات مفتوحة أمام القاهرة، فإن محللين يرون بأن الواقع سيفرض نفسه في نهاية المطاف، مع حاجة مصر الماسة للاستثمارات الخارجية والدعم الاقتصادي، ووجود ملايين المصريين في دول الخليج.
ويساعد في تعزيز هذا التوجه حرص الرئاسة المصرية على نفي مقابلات نسبت لمرسي عبر وسائل إعلام إيرانية وتهديدها بالملاحقة القضائية، وكذلك الحديث المصري المتجدد عن "الأمن القومي" العربي، إلى جانب الانقسام الواضح في وجهات النظر بين مختلف فروع الجماعة في المنطقة وبين إيران حول الملف السوري.
وتناقلت وسائل الإعلام العربية في هذا السياق تصريحات رئيس مجلس الشورى المصري، أحمد فهمي، وهو أحد قادة الجماعة، والذي كرر أمام وفد بحريني الأربعاء دعم بلاده الكامل لأمن دول الخليج العربية، "كونه خطاً أحمر لمصر، ولا يمكن تجاوزه بأي حال"، وهو مصطلح كانت القاهرة تحرص على استخدامه بمواجهة إيران خلال السنوات الماضية.
ومن جهة أخرى، يبرز اللاعب الإقليمي الجديد في المنطقة، تركيا، فذلك البلد الذي يرتبط تاريخياً بمصر عبر علاقات اقتصادية وثقافية عميقة محكوم بدوره من حزب إسلامي الأصول، وعلى صلة بأفكار جماعة الإخوان، إذ زار وفد تركي كبير مصر قبل أيام، معلناً الاستعداد للتعاون في كافة المجالات ودون حدود، وذلك في وقت يزداد فيه التوتر بين أنقرة وكل من دمشق وطهران، رغم علاقات التعاون التي استمرت لسنوات بينهم.
وقال محمد عز العرب، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، إن "من مصلحة السياسة الخارجية المصرية التركيز على حسن الجوار والالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات الموقعة بين مصر وجميع دول العالم، لاسيما وأن حجم التحديات الداخلية التي تواجه الرئيس كبيرة ومتشعبة."
وتوقع عز العرب، في تصريحات لموقع CNN بالعربية، أن "يسعى الرئيس المنتخب لإظهار صورة لحكم الإسلاميين يختلف عن الصورة القائمة التي ظهرت عبر حكم الإسلاميين بإيران، وذلك بالانفتاح على العالم والعمل على عودة مصر إلى الساحة الدولية كعنصر نشط وفاعل في المرحلة المقبلة."
وبين المحلل الاستراتيجي أن المؤشرات الأولية للعلاقات المصرية الخارجية بعد فوز مرسي "تشير إلى أنها ستكون متوازنة،" مدللا على ذلك بخطابه الأول الذي وجهه للشعب، حيث تحدث عن احترامه للاتفاقيات الدولية، دون الإشارة لإعادة النظر في بنودها حاليا، ما يدل على أن مصر ستتوصل لعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي لم تبد اعتراضا على نجاح مرشح إسلامي.
أما بالنسبة لشكل العلاقة مع إيران وسوريا، قال عز العرب: "سيكون هناك علاقات مع طهران بالطبع، ولكن دون انتقاص من علاقة مصر بدول الخليج،" مستبعدا في الوقت نفسه إقامة علاقات مع سوريا بسبب وحشية نظام الأسد، إذ أن مرسي يقدم نفسه على أنه يمثل الثورة لا يمكن أن يدعم نظاما سلطويا."
وقال عز العرب، إن مصر ستحاول تقوية علاقاتها مع دول الخليج، في ظل روابط سياسية واقتصادية قوية، والتي تواجه تحديات بارتباطها بعلاقات قوية مع الرئيس السابق، حسني مبارك، كما تخشى الأخيرة من امتداد الثورة المصرية إليها بعد وصول مرشح "الإخوان" إلى الحكم، لاسيما وأنه "تنظيم دولي عابر للحدود له قدرة كبيرة على الحشد و التعبئة،" على حد قوله. ( المزيد)
كما توقع عز العرب حدوث تغير بالسياسة المصرية تجاه حركة المقاومة الإسلامية "حماس،" والتي ربما تحصل على دعم كبير خلال الفترة المقبلة من شأنه إطلاق عجلة مصالحة فلسطينية بينها وبين حركة فتح، ولكنه أيضا "قد يتسبب بمعضلة بوضع علاقة دولة بحجم مصر بحركة إسلامية، خاصة وأن العلاقات الدولية تكون بين البلدان وليس مع منظمات."
من جهته، قال مراد محمد علي، المتحدث الرسمي لحزب "الحرية والعدالة"، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، إن رؤية الحزب حول العلاقات مع إيران تشير إلى أنها دولة مهمة بالمنطقة يجب على مصر التعاون معها "مع الحفاظ على أمن دول الخليج واستقرارها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ورفض محاولاتها لنشر المذهب الشيعي."
أما فيما يتعلق بسوريا، فأوضح مراد في حديثه لـCNN بالعربية، أن موقف الحزب "واضح من مذابح (الرئيس السوري) بشار الأسد وجرائمه في حق شعبه، حيث يدعم حق الشعب السوري في اختيار رئيسه."
و أضاف أن موقف حركة حماس - وهي بدورها جزء من تيار جماعة الإخوان العالمي - من النظام السوري "أمر لا يخص الجماعة بمصر، فهي حركة لها قيادة إسلامية مستقلة."
وأوضح أن جماعة الإخوان المسلمين "عبارة عن تيار فكري وليست تنظيما دوليا أو عالميا، فإخوان كل دولة هم أدرى بظروفها، وكذلك إخوان سوريا وفلسطين والأردن، فلا يوجد مركزية في التعامل،" على حد تعبيره.
وقال المستشار الإعلامي السابق لحملة مرسي، إن رؤية الحزب حول العلاقات المصرية الخليجية "تنصب على إقامة علاقات قوية بينهما، حيث يرتبطان بعلاقات أمنية واقتصادية وإستراتيجية، كما ترفض مصر التدخل في شؤونهم الداخلية."
كما أكد على "احترام المعاهدات الدولية، طالما التزم بها الطرف الآخر،" لافتا إلى أن الجانب الإسرائيلي "لا يلتزم بمعاهدة السلام حيث يفرض حصارا ظالما على غزة،" مؤكداً على أن مصر "تسعى إلى الوقوف بجانب الشعب الفلسطيني وقضيته."
من جانبه، قال علي عبد الفتاح، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، إن "المبادئ العامة لمشروع النهضة، والذي اعتمد عليه الرئيس مرسي في حملته الانتخابية، يهدف إلى التوازن والاستقلالية والبعد عن التبعية بالتعامل مع كل دول العالم، وليس دولة بعينها."
وأضاف في حديثه لموقع CNN بالعربية، أن الجزء الخاص بالعلاقات الخارجية بمشروع النهضة، "يؤكد أن مصالح مصر أولى من أي مصالح خارجية، وأنها لن تكون دولة تابعه لأي دولة، مثلما كان يحدث بعهد النظام البائد عندما كانت تابعه للولايات المتحدة،" على حد تعبير.
وأستبعد عبد الفتاح أن تقيم مصر علاقات مع سوريا في ظل وجود نظام بشار الأسد.
ترحب شبكة CNN بالنقاش الحيوي والمفيد، وكي لا نضطر في موقع CNN بالعربية إلى مراجعة التعليقات قبل نشرها. ننصحك بمراجعة إرشادات الاستخدام للتعرف إليها جيداً. وللعلم فان جميع مشاركاتك يمكن استخدامها، مع اسمك وصورتك، استنادا إلى سياسة الخصوصية بما يتوافق مع شروط استخدام الموقع.
الآراء الواردة أدناه لا تعبر عن رأي موقع CNN بالعربية، بل تعكس وجهات نظر أصحابها فقط.