بيروت، لبنان (CNN) -- قال رئيس الوزراء اللبناني، نجيب ميقاتي، إن لبنان لن يسمح لأحد بالتدخل في شؤونه أو تحويله "ساحة لتصفية الحسابات وتصدير الأزمات" بينما صدرت دعوات في بيروت لطرد السفير السوري، بعد توجيه القضاء اتهامات رسمية لضابط سوري كبير ووزير سابق على صلة بدمشق بتدبير تفجيرات واغتيالات لإشعال أزمة طائفية.
وقال ميقاتي، في تصريح له نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية الأحد، إن القضاء "ماض، حتى النهاية، في التحقيقات في قضية محاولة تفجير الوضع الأمني في لبنان وإثارة الفتن ووضع متفجرات في أكثر من منطقة ، لجلاء كل ملابساتها وتحديد المسؤوليات وإصدار الأحكام المناسبة بشأنها."
وقال ميقاتي، معلقاً على اعتقال الوزير السابق ميشال سماحة، والإدعاء على رئيس مكتب الأمن القومي في سوريا، اللواء علي مملوك، بتهم التورط في إعداد هذه العمليات: "لقد طلبت من الأجهزة المعنية إجراء التحقيقات الضرورية والفورية لتحديد المسؤوليات في كيفية إدخال هذه المتفجرات إلى لبنان والتشدد في ضبط كل النقاط الحدودية."
وقال ميقاتي إن لبنان انتهج سياسة "النأي بالنفس" لقناعته في "عدم التدخل في شؤون الآخرين،" وأضاف: "لذلك فإننا لن نسمح لأحد بالتدخل في شؤوننا أو بتحويل لبنان مجددا ساحة لتصفية الحسابات وتصدير الأزمات الخارجية إليها."
وشدد ميقاتي على أنه في ضوء المعطيات والنتائج، "الموقف السياسي والقرار الذي يتناسب مع الحفاظ على سيادة لبنان واستقلاله وعدم السماح لأي كان بتعريض أمن اللبنانيين وسلامتهم للخطر."
بالمقابل، برز موقف لافت من عضو "جبهة النضال الوطني،" النائب أكرم شهيب، الذي ينتمي إلى كتلة الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، الذي وفر لتحالف "8 آذار" الغالبية النيابية بعد انفصاله عن تحالف "14 آذار" إذ سأل السفير السوري في لبنان عن موقفه بعد اعترافات سماحة.
وقال شهيب: "إزاء ما تسرب من اعترافات موثقة تدين النظام السوري ومخابراته ورموزه الحاكمة وتؤكد ما يضمر هذا النظام للبنان كل لبنان، نسأل: ما هو موقف المسؤولين من نظام فقد مصداقيته وأخل بالمواثيق الدولية والعربية وباتفاقية التعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا، بعد أن ثبت بالملموس أن هذا النظام يريد تقويض لبنان ونظامه، وسلمه الأهلي وأمنه."
وسأل: "أما آن للبنان أن يطرد سفير نظام مارق معاد لشعبه ولكل شعوب المنطقة؟ أما آن للبنان أن يستغني عن مهام الأمين العام في ما يسمى المجلس الأعلى اللبناني السوري وخدماته؟ أما آن للبنان أن يوقف تنسيقه الأمني مع هذا النظام بعد كل ما جرى وتكشف من نوايا وأفعال؟"
من جانبه، أكد وزير الخارجية اللبناني، عدنان منصور، عدم وجود أي خطوات دبلوماسية "حتى الآن" على خلفية قضية سماحة، وقال ردا على سؤال في هذا الإطار: "ليس هناك من خطوات دبلوماسية حتى الآن قبل إن يقول القضاء كلمته النهائية وعندئذ يبنى على الشيء مقتضاه".
ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية عن منصور قوله، قبل المغادرة إلى جدة للمشاركة في مؤتمر القمة الإسلامي، رداً على سؤال حول تأثير مذكرة التوقيف بحق سماحة ومملوك وضابط سوري آخر على العلاقات اللبنانية - السورية: "من السابق لأوانه البحث في هذا الموضوع، خاصة وأن القضية الآن موجودة في يد القضاء."
وختم بالقول: "علينا أن نحترم سلطة القضاء ولا نتجاوزه من خلال التصريحات أو من خلال التفسيرات والتأويلات، وعندما يصدر شيء عن القضاء سيبنى على الشيء مقتضاه."
وكان القضاء اللبناني قد ادعى رسمياً السبت على سماحة، أحد أبرز حلفاء دمشق على الساحة اللبنانية، بتهم جنائية عديدة، غير أن المفاجأة تمثلت في الإدعاء أيضاً على ضابطين سوريين، أبرزهما اللواء علي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي بسوريا، في تطور سيكون له ارتداداته على البلدين.
ونقلت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أن مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية، القاضي سامي صادر، ادعى على سماحة ومملوك وعلى عقيد في الجيش السوري عُرف عنه باسم "عدنان"، لإقدامهم على "تأليف عصابة مسلحة بقصد ارتكاب الجنايات على الناس والأموال والنيل من سلطة الدولة وهيبتها والتعرض لمؤسساتها المدنية والعسكرية."
وبحسب تقرير صادر، فإن المتهمين أقدموا على هذه الجرائم "توصلا إلى إثارة الاقتتال الطائفي عبر التحضير لتنفيذ أعمال إرهابية بواسطة عبوات ناسفة وتحسينها بعد أن جهزت من قبل مملوك وعدنان، وإقدامهم أيضا على التخطيط لقتل شخصيات دينية وسياسية ودس الدسائس لدى مخابرات دولة أجنبية لمباشرة العدوان على لبنان، وحيازة أسلحة حربية غير مرخصة، سندا إلى مواد تنص عقوبتها القصوى على المؤبد والإعدام."
وأحال صادر الإدعاء إلى قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا الذي احضر سماحة إلى مكتبه واستمهل لتوكيل محام، وأصدر أبو غيدا مذكرة وجاهية بتوقيفه، على أن يتابع استجوابه الاثنين المقبل.
ويأتي الإدعاء منسجماً مع التقارير الإعلامية المسربة حول التحقيقات مع سماحة، الذي كان يعمل مستشاراً لدى الرئيس السوري، بشار الأسد، والتي أشارت إلى أنه قدّم متفجرات لموالين له من أجل تفجيرها في مناطق شمالي لبنان والتسبب بصراع ديني بين السنّة والمسيحيين في تلك المنطقة المتاخمة للحدود السورية.
وتكمن المفارقة في اعتقال سماحة، وفق ما يرى خصومه، أنه كان أبرز المروجين لموقف النظام السوري حيال الأحداث في سوريا واتهام متشددين وسلفيين سنة بالوقوف خلفها، وقد حذر من هجمات لمتشددين سنّة على أهداف مسيحية لإثارة الفتنة، قبل أن يصار إلى توقيفه هو شخصياً بتهمة التخطيط لعمليات تثير النعرات الطائفية.