دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- لم تكشف الرسائل المسربة المنسوبة للرئيس السوري، بشار الأسد، عن علاقته بعائلته وبالشخصيات المقربة من حوله فحسب، بل أظهرت أيضاً الجهود التي بذلها مستشاروه الشخصيون ومحاولاتهم في تلميع صورته أمام المجتمع الدولي، وأمام الشعب السوري، خصوصاً أولئك ممن كانوا يتجمعون في ساحة الأمويين رافعين الأعلام السورية تأييداً للرئيس، الذي عادةً ما كان يتناسى في خطاباته العشرات الذين يقتلون يومياً بفعل دبابات الجيش السوري وقناصته.
وبما أن قضية الخطابات كانت مهمة جداً بالنسبة للأسد وحاشيته، فوجب التركيز عليها من قبل مستشاريه الشخصيين، ولعل من أبرزهم ثلاث شخصيات نسائية هن: هديل العلي، والتي كانت تعمل كمستشارة إعلامية للأسد، والتي توصف بشخصيتها القوية، وشهرزاد الجعفري، ابنة مندوب سوريا في الأمم المتحدة والمتدربة في إحدى شركات العلاقات العامة في نيويورك، ولونة الشبل، المذيعة السابقة في تلفزيون الجزيرة.
فقبل خطابه المرتجل في ساحة الأمويين، والذي أطل فيه الأسد على مؤيديه، ليقوي من عزيمتهم ويشد من أزرهم، كانت الشبل قد قدمت بعض الاقتراحات بشأن طريقة ظهوره، والتعبيرات التي يجب عليه استخدامها.
ففي رسالة يعود تاريخها إلى 8 يناير/ كانون الثاني 2012، كتبت لونة الشبل تقول: "اقتراح خلفية أراه مقبولاً من حيث الفكرة والتوقيت.. إن تمت الموافقة عليه لنبدأ بتطبيقه.. بانتظار الأوامر".. وأرفقت مع الرسالة صورة لإحدى خطابات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ويظهر في الخلفية عدد من مؤيديه من مختلف الأطياف والأجناس.
وفعلاً، يبدو أن اقتراح الشبل تم الأخذ به، إذ ظهر الأسد مخاطباً الجموع وحوله عدد من مؤيديه ممن ارتدوا ألوان العلم السوري، وصفقوا لكلمات الرئيس من حين لآخر.
أما حول الخطاب نفسه، فقد كتبت الشبل رسالة أخرى يعود تاريخها إلى 10 يناير/ كانون الثاني 2012، أي قبل خطاب الأسد بيوم واحد، كتبت فيه: "بما أنني مهما كتبت فستخرجون عن النص وتسهبون بالارتجال فساكتفي بالنقاط فقط.. شكراً لكل من ملأ ساحات الوطن كرامة وعزة ولكل من رفض ضغوطهم وعبر عن ذلك تحت المطر وتحت الحصار وحتى تحت النار.. شكراً لكم يامن خرجتم من مساجدكم وكنائسكم وجامعاتكم والمدارس، ترفضون منطق التغريب بدل التعريب، وتصدون التدخلات الخارجية، وتقفون سداً أمام أهل الظلام والقرون والوسطى والجاهلية.. حياتكم وأمنكم من حياتي وأمن أولادي.. (أعلم ان هذا غير مقنع لكم لكنه يشعل الحماس والالتفاف).. لولا وقوفكم وصمودكم لما كنا تمكنا من صد هجماتهم السياسية والاعلامية علينا."
أما هديل العلي، فقد كانت تهتم برصد رأي الشارع في خطابات الأسد، وإجراء استطلاعات الرأي بشأن ما يطمح الناس إلى سماعه في هذه الخطابات.. ففي رسالة يعود تاريخها إلى 3 يناير/ كانون الثاني 2012، أرسلت العلي رابطاً إلكترونياً للأسد لاستطلاع يسأل المشاركين حول أبرز النقاط التي يرغبون في أن يركز عليها الخطاب المقبل لرئيس الجمهورية، وكتبت تحت الرابط تقول: "أرجو أن تلقي نظرة على هذا الرابط، وأعلمني في حال أردت إجراء أي تغيير عليه.. شكراً."
وفي رسالة أخرى، تعود إلى 31 ديسمبر/ كانون الأول 2011، أرسلت العلي رسالة إلكترونية للأسد عنوانها "هذه من حسام"، وهي شخصية تكرر اسمها كثيراً في هذه الرسائل، واحتوت الرسالة على ملفين مرفقين، الأول بعنوان "مرفأ طرطوس"، والآخر بعنوان "مقترحات لخطاب الرئيس".
وفي الملف الأخير، ورد الآتي: "بعد التشاور مع عدد لا بأس به من الناس، بالإضافة للمستشار الإعلامي والسياسي للسفير الإيراني، قمت بجمع بعض النقاط التي أرى أنه من المهم ذكرها في الخطاب.. الإسلام، والشهداء، والإصلاحات والأزمة ومستقبل سوريا، والشباب، والشعب، والجيش، والوضع الاقتصادي، وثبات الموقف السوري وقوته، والضغوطات الخارجية، والشأن الإسرائيلي، والدول الصديقة، والدول المعادية، ورسالة تطمين للشعب، ومكان الخطاب."
واقترح صاحب الرسالة أن يسود الخطاب "نفس إسلامي"، إضافة إلى ضرورة وجود لغة عاطفية "تلامس القلوب وتعزي الأهل المنكوبين.. أما فيما يتعلق بالضغوطات الخارجية والشأن الإسرائيلي، فقد حث صاحب الاقتراحات الرئيس على استخدام لغة قوية وعنيفة "لإعطاء الناس شعوراً بالتفاؤل والقوة."
ووردت في آخر الاقتراحات بعض الملاحظات على مكان الخطاب كأن يكون أمام جمهور عريض، مع مراعاة الناحية الأمنية، و"قيام إحدى زوجات الشهداء بإلقاء كلمة قوية نيابة عن عائلات الشهداء، ومن ثم يخرج الرئيس للجمهور."
أما الشخصية الثالثة التي لعبت دوراً في تقديم بعض النصح والإرشاد، فكانت شهرزاد الجعفري، التي عادةً ما كانت تمثل حلقة التواصل مع وسائل الإعلام الأجنبية بشأن إجراء لقاءات مع الرئيس الأسد.
ومن بين الرسائل التي أرسلتها للرئيس السوري، والمتعلقة بتلميع صورته أمام العالم، كانت تلك التي تعود إلى 17 يناير/ كانون الثاني 2011، أي قبل اندلاع الأزمة في سوريا، وكانت تحت عنوان "الموقع الإلكتروني الرسمي- المسودة الأولى"، قدمت فيها عدة اقتراحات للرئيس بشأن كل الصفحة ومحتواها، وكان من أبرز ما كتبت: "بعد البحث في صفحات عدد من الشخصيات المعروفة وقادة الدول، أقترح العمل على أهداف أساسية لصفحة إلكترونية رسمية.. ولاحقاً يمكننا إضافة المزيد من الأقسام إن احتجنا إليها."
ومن بين المقترحات التي قدمتها الجعفري لتصميم الموقع الإلكتروني، ضرورة وجود قسم خاص بالطفولة المبكرة للأسد، وبعض الصور الشخصية له، إضافة إلى قسم خاص بخطاباته ومقابلاته، وسيرته الذاتية.
ولم تقتصر الاقتراحات على المستشارين الإعلاميين للأسد، بل قدم بعض أفراد العائلة مقترحات تتعلق بتجميل صورة الأسد وسوريا أمام العالم، ففي رسالة تعود إلى 17 يناير/ كانون الثاني 2012، بعث والد أسماء الأسد، فواز الأخرس، رسالة إلى الأسد وزوجته يقترح فيها إنشاء محطة تلفزيونية باللغة الإنجليزية لتخاطب العالم، فكتب يقول: "بعد أن أثبتت قناة الدنيا نجاحها في الأزمة الحالية، ألم يحن الوقت لإنشاء محطة مشابهة ناطقة باللغة الإنجليزية لمخاطبة العالم بلغتهم وطريقتهم في التفكير؟ أعتقد أنه أمر مهم للغاية، ويجب الاهتمام به على أعلى المستويات."
وفي رسالة أخرى تعود إلى 7 فبراير/ شباط 2012، كتب الأخرس يقول: "لماذا لا تستضيف كل من الدنيا والإخبارية السورية مجموعات معارضة من الخليج للحديث حول ما يجري في دول كقطر والسعودية والبحرين وغيرها؟"
يذكر أن بعضا من هذه الرسائل الإلكترونية وردت باللغة الإنجليزية، وقامت CNN بالعربية بترجمتها حرفياً، بعد حصول الشبكة عليها من أحد المصادر في المنطقة، علماً أنه لا يمكن التأكد من مصداقيتها.