هل تغزو المدن الذكية المجتمعات العربية؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- بدأ مفهوم المدن الذكية، يتردد على مسامعنا أكثر من أي وقت مضى، بعدما اعتادت آذاننا على عبارات مثل الهاتف الذكي، والتلفزيون الذكي، والسيارة الذكية، والمنزل الذكي. ويبدو أن "الذكاء" أصبح بحجم كرة كبيرة تتدحرج لتضم مدناً بكاملها في عصر باتت فيه تقنية المعلومات والإتصالات ركن أساسي في حياتنا اليومية. ولكن ما هو مفهوم المدن الذكية، وما هي خصائصها؟ وكيف تتم تلبية خدمات السكان؟ وفي أي بقعة في العالم، بدأت هذه المدن تزدهر؟ وهل من الممكن أن يعيش كل البشر في مدن ذكية في المستقبل؟ وما الهدف منها ومتطلبات وجودها؟ وهل تعتبر المدن الذكية مكان فاخر لبعض المواطنين، أو مكان مفتوح لجميع السكان؟
وتعتبر المدن الذكية بمثابة نموذج عن التطور في حياتنا الحضرية فضلاً عن ابتكار بيئة تكنولوجية توفر الإتصالات السلكية واللاسلكية وتطوير استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والإتصالات، والخدمات المبتكرة. ويمكن لسكان المدن الذكية الوصول إلى أي تطبيق، والتحكم بوظائف متعددة بلمسة زر.
وتعرف المدينة الذكية بأنها مدينة رقمية، أو إيكولوجية، إذ تعتمد خدماتها على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، مثل أنظمة مرور ذكية تدار آلياً، وخدمات إدارة الأمن المتطورة، وأنظمة تسيير المباني، واستخدام التشغيل الآلي في المكاتب والمنازل، واستخدام عدادات للفوترة والتقارير.
وفي هذا السياق، قالت مديرة قسم تطوير الأعمال في شركة "أريكسون" لخدمات تكنولوجية الإتصالات أندريا بيتي لـCNN بالعربية إنه "ليس هناك تعريف واحد للمدينة الذكية. وتتأثر المدن الذكية بنفوذ تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لحل المشاكل الحضرية الأساسية مثل المياه والطاقة والسلامة والنقل،" مضيفة أن "تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تعتبر مكون أساسي لتسريع الحياة الحضرية، وآداة لتمكين الحلول المبتكرة لقضايا مرتبطة باتجاهات التحضر، والتي ستجلب المزيد من البشر للعيش في المدن الكبيرة في المستقبل."
وأشارت بيتي إلى أن "أهداف المدن الذكية يمكن تصنيفها تبعاً لثلاث فئات: زيادة الاستدامة، وتحسين حياة المواطن، والنمو الاقتصادي، أي ما نسميه في إريكسون خط القاع الثلاثي،" موضحة أن "هناك ضرورة في بلورة رؤية واضحة للأهداف، لنجاح مبادرة المدن الذكية، فضلاً عن وجود معايير قياس صلبة لتتبع التقدم المحرز مقابل الأهداف." وأكدت بيتي: "نحن في إريكسون نعمد إلى قياس نضوج شبكة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في البلدان والمدن الرئيسية في جميع أنحاء العالم من أجل تعقب تحديد موقعها النسبي ومسار تقدمها على طول مسار نمو هذه التكنولوجيا."
أما الرؤية فيجب أن تكون واضحة لجميع أصحاب المصلحة، وتتلاءم مع صناعات رئيسية مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ووسائل النقل، والمياه، والكهرباء والسلامة العامة.
ولكن ما هو تأثير المدن الذكية على البيئة، والمياه، والكهرباء، والطاقة؟
ويؤدي استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى ايجاد حلول مبتكرة لقضايا مثل الاستدامة الحضرية والمياه والكهرباء والنقل. وقالت بيتي إنه "يمكن لوسائل النقل المتعددة الوسائط خفض وقت تنقل المواطن من خلال السماح له بالتخطيط مقدماً لرحلته والوصول إلى الوجهة النهائية بكفاءة، ما سيزيد من استخدام وسائل النقل العام والحد من استخدام السيارات وانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون." وينطبق الأمر ذاته، على إدارة حلول الطاقة للعملاء، والتي تتيح لمزودي الطاقة لإدارة الطلب على الطاقة والاستثمارات في محطات توليد الطاقة.
وأوضحت بيتي رداً على سؤال حول الأمور المطلوب تنفيذها من قبل الحكومات والمواطنين، أن "وكالات حكومية مختلفة يجب أن تكون قادرة على رسم استراتيجيتها بطريقة مستقلة عن بعضها البعض وتتلاقى في الوقت ذاته، مع الرؤية المحددة مسبقا للمدينة الذكية، من خلال نموذج المعاملات الاتحادية حيث المواطن وأصحاب المصلحة ينفذون المعاملات ذات الصلة."
وفي هذا الإطار، يشكل المواطنون الجزء المركزي في المدينة الذكية، إذ أنهم الفئة الأكثر استفادة. ويعتبر إشراك المواطنين بمثابة المفتاح في أي نقطة اتصال مختلفة. أما الخدمات وتبني المبادرات فستعمد إلى إحداث فرق بين النجاح وفشل مفهوم المدن الذكية.
أما الأمر الذي يلفت النظر فيتمثل، بازدهار المدن الذكية في دول مجلس التعاون الخليجي. وهنا، يطرح سؤال ملح: ما هي المدن المرشحة أن تصبح ذكية في العالم العربي؟
وقالت بيتي إن "ما يجعل المدينة الذكية ليست مجموعة من المبادرات المستقلة ولكن بدلا من ذلك، مقاربة شمولية متكاملة، والتي يتم تطبيقها عبر وكالات صناعية وحكومية مختلفة،" مضيفة: "أرى قليلاً فقط من المدن تبدأ بهذه الرحلة، ولكن ما زلنا بحاجة إلى عدة سنوات حتى يتم تطبيق هذا النموذج في العالم الحقيقي."
أما المدن التي تنمو باضطراد مثل أبو ظبي والدوحة ودبي فهي من المتوقع أن تتقدم بطريقة أسرع على هذا المسار، إذ أن بنيتها التحتية هي الأحدث نسبياً، فضلاً عن العديد من التطورات في مجالات البيئة الخضراء. وفي المقابل، قد تبدو المدن الكبرى مثل القاهرة وإسطنبول تواجه صعوبة أكبر في تبني مصطلح المدن الذكية، لأن البنى التحتية والمنظمات الراسخة منذ زمن بعيد تتطلب نظام تحديث بدلاً من اتباع نهج بناء فقط."
ولكن، متى يتبنى العالم أجمعه مفهوم المدينة الذكية؟ قد يحتاج الأمر إلى اعتماد مقاربة التكيف. وأكدت بيتي أن "الأمر يتطلب اعتماد تدريجي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات كأداة تمكينية لمعالجة التحديات الحضرية بأساليب جديدة في المدن الكبيرة، ولكن هذا سيتطلب إتاحة بنية تحتية للاتصالات التي يمكن الاعتماد عليها."
ويبقى أن العوامل التي يمكن أن تساهم في زيادة عدد المدن الذكية، ترتبط بالتحديات الحضرية، ومحدودية الموارد الإقتصادية، بالإضافة إلى نضوج شبكة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. واعتباراً من وقتنا الحالي، فإن مفهوم المدينة الذكية والأمثلة الحية أصبحت متاحة للأشخاص القيمين على المدن وأصحاب المصلحة كمنصة جديدة لإشراك المواطنين. أما تبني ذلك، فسيحصل تدريجيا مع نضوج شبكة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وفي سياق آخر، ما نوع التسهيلات، والتكلفة التي تحتاجها المدينة الذكية؟
ولفتت بيتي إلى أن "ما نحتاجه هو بنية تحتية للاتصالات موثوق بها، فضلاً عن أهمية النظر إلى الإستثمارات من جهة، والمكاسب في الكفاءة من جهة أخرى، وتوفير توليد الطاقة، واستخدام المياه، وانبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، وتدفق رأس المال نتيجة للنمو الاقتصادي.
ورداً على سؤال حول تصنيف المدن الذكية كمكان فاخر لبعض المواطنين أو مكان مفتوح لجميع الناس، أكدت بيتي أن "المدن الذكية تعتبر بمثابة تجربة، والمكان الأمثل للجميع أي المواطينين والسياح ورجال الأعمال."