سفر لـCNN: المصرفية الإسلامية تتوسع عالميا.. واختلاف الهيئات الشرعية يضر بها

نشر
10 دقائق قراءة

بيروت، لبنان (CNN) -- قال أحمد سفر، الأكاديمي والباحث الاقتصادي اللبناني المتخصص في شؤون المصرفية الإسلامية، إن الاختلاف في الفتاوى الشرعية بين العلماء يؤثر سلبا على العمل المصرفي الإسلامي الذي يتطلب الاستقرار في المعاملات، مضيفا أن المصارف الإسلامية - التي استطاعت ترسيخ مكانتها خلال سنوات قليلة مقارنة بالمصارف التقليدية - نمت في بيئة غير مهيئة لها، وحض على العمل باتجاه قيام المصارف الإسلامية بدورها الكامل عبر المنتجات المصرفية التي تساهم في الانتاج الاقتصادي والاجتماعي عوض التركيز على المرابحة.

محتوى إعلاني

ورأى سفر أن الصيرفة الإسلامية "استطاعت خلال سنوات قصيرة أن تثبت حضورها وتبين مدى أهميتها مقارنة بالمصارف التقليدية التي يعود تاريخها إلى قرابة 300 أو 400 عام" وأن تصبح "محل اهتمام كبير للهيئات الاقتصادية والمصرفية الدولية والعربية نتيجة المزايا التي تتمتع بها المصرفية الإسلامية وسرعة تقبل الجمهور لها."

محتوى إعلاني

ولاحظ سفر أن انتشار العمل المصرفي الإسلامي وتوسعه الجغرافي "شكّل علامة فارقة" عربيا دوليا إذ قفز عدد المؤسسات المالية الإسلامية خلال سنوات قليلة إلى ما بين 500 أو 600 مؤسسة إسلامية تدير ما يصل إلى 1.5 ترليون دولار تغطي معظم الدول العربية والإسلامية وبلدان في أوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا مضيفا: "ظاهرة المصرفية الإسلامية استطاعت بسرعة فائقة أن تشكل رديفا أو مقابلا للمصرفية التقليدية التي يعود انتشارها وتوسعها إلى قرون عديدة مضت."

وحول ما إذا كانت المصرفية الإسلامية قد تمكنت من تقديم منتج مميز أم أنها أعادت طرح المنتج التقليدي بغطاء إسلامي قال سفر: "المصرفية الإسلامية لها أدوات أو أساليب تشكل استجابة أو تلبية لحالة اجتماعية معينة، في المرابحة والمشاركة والمضاربة والسلم والاستصناع والإجارة المنتهية بالتمليك والإجارة الطويلة، فهناك أدوات مصرفية إسلامية متعددة بحيث أن كل أداة تستطيع أن تسد حاجة بالمجتمع من حيث التمويل والتنمية، والعملية المصرفية بحد ذاتها عملية اقتصادية تنموية تضع على رأس اهتماماتها تنمية المجتمع الذي تعمل فيه وليس فقط جمع الأرباح."

وأضاف سفر: "هذه ميزة من المزايا التي تنفرد بها المصارف الإسلامية عن المصارف التقليدية التي ينصب اهتمامها على جمع الأرباح في حين أن المصرف الإسلامي يؤسس لأولويات في التمويل، الصدارة فيها للضروريات التي يحتاجها المجتمع، فتسعى المصرفية الإسلامية إلى تلبيتها، ثم تلجأ إلى المكملات في المرحلة الثانية والكماليات في المرحلة الثالثة، بينما هذا الترتيب لا يعني المصارف التقليدية التي تبحث عن الربح فقط في حين أن المصارف الإسلامية توظف أموالها حسب هذه الأولوية لأن المال هو مال الله ويجب أن يدار وفقا للشريعة الإسلامية الغراء."

ولكن سفر أقر بالمقابل بأن المصارف الإسلامية تواجه مشاكل في الالتزام بهذه المعايير خاصة وأن نسبة كبيرة من محافظها الاستثمارية تتركز في العقارات وفي تمويل قروض السيارات والمساكن ولم تدخل مرحلة الاستثمار الإنتاجي الفعلي، وعلل ذلك بالقول: "المصرفية الإسلامية اليوم، بالرغم من الانتشار والتوسع، إلا أنها لم تتمكن من أن تطل على المجتمعات التي تعمل فيها بشكلها الحقيقي، بمعنى أن المشاركة أو المضاربة هما من العناوين الأساسية للعمل المصرفي الإسلامي، في حين يلاحظ أن معظم العمليات التي تقوم بها المصارف الإسلامية تكاد تقتصر على المرابحة فقط، ما يجعلها تقترب من عمل المصارف التقليدية."

وتابع سفر بالقول: "جوهر العمل المصرفي الإسلامي ليس في المرابحة بل في المضاربة والمشاركة والسلم والاستصناع والإيجار، ولذلك نحن معنيون اليوم بتوضيح مدى استجابة المجتمع لهذه المزايا التي تطبع العمل المصرفي الإسلامي، من هنا علينا كمصرفية إسلامية أن ننوع أساليب التمويل وفقا لهذه الأدوات والأساليب التي تختص بالعمل المصرفي الإسلامي وألا يبقى من خلال المرابحة التي تضيّق على العمل المصرفي الإسلامي برحابته."

وعن الطريقة التي حلت عبرها المصرفية الإسلامية مشاكل تعارض عملها مع القوانين المطبقة مثل تحديد الفائدة أو ضمان الودائع قال سفر: "من الحقائق الناصعة التي رافقت مسيرة العمل المصرفي الإسلامي هو أن هذه الصيرفة الحديثة العهد تعمل ببيئة مشبعة بالمصرفية التقليدية وخاصة لجهة القوانين التي وضعت لتنظيم عمل المصارف التقليدية، فجاءت المصرفية الإسلامية إلى الساحة في بيئة تحتضن العمل المصرفي التقليدي وأسست له القوانين والتشريعات."

وأضاف سفر: "المصارف الإسلامية تشعر بأنها تفتقد للبيئة المسهلة لجهة التشريعات والقوانين، خاصة وأن المصرف المركزي الذي يشرف على عمل الحياة المصرفية في كل دولة، مؤسس في بيئة خاصة بالمصارف التقليدية، بينما جاءت المصارف الإسلامية في بيئة لم يتيسر لها فيها أن يكون لها هيئة رقابة في المصرف المركزي، كما أن القوانين التي ترعى العمل المصرفي الإسلامي لم تأخذ بعين الاعتبار كل خصائصه، وهذه أزمة تعانيها المصارف الإسلامية في كل الدول التي تعمل فيها إلى جانب المصارف التقليدية، فنكون أمام نظامين مصرفيين يتعايشان في بيئة واحدة، ولكن الغلبة القانونية والتشريعية فيها لصالح المصرفية التقليدية."

وعن قضية الاختلافات الشرعية بين المصارف الإسلامية قال سفر: "لذلك من المشاكل أو الإشكاليات التي تعترض - إلى حد ما - مسيرة العمل المصرفي الإسلامي تعدد الهيئات الشرعية وعدم اتفاق أعضائها على توحيد الآراء أو الفتاوى الخاصة بإجازة العمليات المصرفية التي تعرض عليها، لذلك حتى نستطيع جعل العمل المصرفي الإٍسلامي ينطلق بخطى ثابتة فلا بد من توحيد الهيئات الشرعية بآرائها الفقهية لتجنب التعارض أو التناقض أحيانا بين المصارف الإسلامية وأن الشرعية تقوم هنا بالإجازة وتقول هناك بالرفض."

غير أن سفر رأى أيضا أن الاختلافات بين بعض الفقهاء داخل المدارس السنية من جهة، وبين السنة والشيعة من جهة ثانية مضرة بالعمل المصرفي مضيفا: "اختلاف الآراء قد يكون على المستوى الفقهي رحمة للذين يلجؤون إلى الفقهاء لبت قضية معينة، ولكن في المعاملات المالية والمصرفية فلا بد من أن تكون الآراء موحدة لأنه لا يجوز أن يكون هناك تناقض حيال قضية واحدة بين مصرف وآخر أو بين مذهب وآخر، فهذا ينال من الثقة بالمعاملات التي يقوم بها العمل المصرفي الإسلامي.. التناقض يناقض مبدأ الاستقرار وهو شرط أساسي لرواج المعاملات."

وقلل سفر من أهمية الاختلافات في النظر إلى المصرفية الإسلامية بين السنة والشيعة والتباين في النظر بينهما إلى طبيعة المال وإلى شرعية بعض العمليات المصرفية قائلا: "ما يحكم العمل الإسلامي المصرفي في أي بلد هو القانون قبل أن نصل إلى آراء هذا الفقيه أو المرجع أو ذلك.. فآراء الفقهاء ليست الوحيدة التي تحكم، بل هناك القانون الذي يحدد من يتولى المناصب في الهيئات الشرعية بالمصارف الإسلامية، ومن خلال هذا المنظور يمكن للإرادة السياسية المعبر عنها في القانون تحديد هوية أعضاء الهيئة الشرعية، فالأمر مرتبط بالقانون وبالإرادة السياسية بما يتجاوز آراء هذا الفقيه أو ذلك."

وعن وضع المصارف الإسلامية في لبنان قال سفر: "بعد ربع قرن مازلنا نرى أن حجم العمل المصرفي الإسلامي في لبنان ضئيل جدا مقارنة بالمصارف التقليدية، ما يعني أن البيئة الحاضنة لم تكن تشجع العمل المصرفي الإسلامي بحيث أن القانون الذي أسس لهذا العمل بحاجة لتعديل من أجل تسهيل حركة الصيرفة الإسلامية في لبنان.. المصارف تشعر بضرورة تعديل القانون الذي ينظم عملها لكي يقدم لها المزيد من التسهيلات والحوافز التي تجعلها أكثر استعداد للتوسع."

وحول وضع المصارف الإسلامية على مستوى العالم قال سفر: "العمل المصرفي الإسلامي منطلق على المستوى الدولي بسرعة في أوروبا، وخاصة في لندن التي باتت عاصمة للعمل المصرفي الإسلامي على مستوى العالم، وكذلك في فرنسا وألمانيا وبلجيكا وفي أوروبا الشرقية والوسطى وفي أمريكا وآسيا وأفريقيا والصين واليابان واستراليا، ما يعني أن لهذا العمل المصرفي مستقبل كبير، ولكنه بحاجة لرعاية وعناية من الدول التي يعمل في وسطها، خاصة على صعيد الحكومات والهيئات الشرعية، حتى نستطيع أن نسمح للمصرفية الإسلامية بأن تطل على مجتمعاتها بروحها الحقيقية وجوهرها الأصيل بما يتيح لها بناء نظام مصرفي متكامل على غرار النظام المصرفي التقليدي."

نشر
محتوى إعلاني