قلق يأسر شوارع بغداد .. بين أسعار الأسواق والخوف من "داعش"

نشر
6 دقائق قراءة

بغداد، العراق (CNN)-- تمسك نضال حسين أحد أكياس التسوق خلال قطعها للشارع المكون من أربع حارات، لتنساب بين السيارات المسرعة على الطريق العام الذي يصب وسط العاصمة العراقية، بغداد.

محتوى إعلاني

الشمس تشعل لهيبها في ساعات متأخرة من الصباح، بالوقت الذي تنضم فيه حسين إلى رجال ونساء وأطفال يسيرون حيث ترقد أكشاك الباعة التي تطل برؤوسها بين المارة على رصيف السوق، لتتم حسين مهمتها اليومية في توفير الخبز الطازج والخضار والفاكهة والأسماك لإطعام عائلتها.

تتوجه حسين بخطوات متباعدة بين الإسفلت المتشقق والحفر التي تجمعت فيها المياه لتصل إلى سوق كرادة، الذي سمي تيمناً بالحي الذي يحتضنه وسط بغداد.

"شو تريدين؟" أحد الباعة يطرح سؤاله على حسين، خلال تفحصها لقطعة طماطم أخذتها من صندوق بلاستيكي أخضر، لتضعها وتأخذ أخرى لتفحصها، وتتجه للبائع بتقييمها: "بعض هذه الخضار ليست جيدة"، وأجابها البائع: "ماذا تتوقعين مع كل هذه المشاكل؟"

"مشاكل" هذا هو وصف بائع الخضرة، أبو جعفر، للأزمة التي باغتت العراق، إذ شهدت الدولة العربية تحكم ميليشيات مسلحة بأراض واسعة من الدولة، الشهر الماضي، وهي ميليشيات تقوم بصلب الناس وقطع رؤوسهم والتباهي بأفعالهم هذه على الإنترنت، وذلك تحت مظلة تطبيقهم لقانون الشريعة على عشرات الألوف من العراقيين.

وقد شهدت الدولة قتالها الأعنف في الشمال والغرب، لكن الميليشيات تعهدت باستهداف العاصمة جنوباً، وقد غيرت توجه الميليشيات ونموها العنيفين وكيفية تعامل الحكومة مع هذه الهجمات، من الحياة اليومية لملايين العراق، حتى من هم بعيدون عن الساحة الرئيسية للقتال.

وعند النظر بكثب يمكنك الاستماع التوتر المصاحب لأحاديث الناس وتلمسه، قد يتمثل بجودة الخضار التي ظلت صامدة في وجه الشمس لمدة طويلة، وقد تراه بسعر قوارير المياه، التي ازداد إلى الضعف خلال الأسابيع الماضية، ليصبح سعرها 40 سنتاً للقارورة الصغيرة، كما أن سعر السمك لم يخلو من الأجواء المشحونة.

يمكن أن تلمس هذا التوتر لدى عدد الناس الذين يزورون السوق، إذ قللوا من زياراتهم إليه لمرتين بالأسبوع بدلاً من التوجه إليه كل يوم.

كما أن أحداث العنف أغلقت الحدود التي تصل العراق بالأردن وتركيا وسوريا، وهي معابر ضرورية لمرور البضائع إلى بغداد، ورغم صعوبة التأكد من السبب إلا أنه من الواضح بأن التوتر الذي يعيشه الناس هو ما يحول دون التبضع.

يقول طاهر هادي، رجل ضخم بضحكة أكبر، يعمل في صنع الكعك الحلو بالسمسم في إحدى زوايا السوق: "إنه وضع سيء للناس وللأعمال وللدولة."

ومع بدء المشاكل يقول هادي إنه لاحظ قلة ظهور الوجوه المألوفة بالسوق، حتى أن كعكه الحلو لم يعد بمستوى مبيعاته مقارنة بالشهر الماضي، مضيفاً بأن نسبة مبيعاته انخفضت بمقدار 40 في المائة، منذ إحكام تنظيم "داعش" سيطرته على مناطق بالعراق وسوريا، تحت مظلة سنية، والتي تعتبر من الأقليات في العراق، إذ استهدفت المجموعة الطائفة الشيعية، التي تكون الأغلبية والتي تسيطر على العراق.

يمكن لهذه المواجهة أن تسفر عن حرب ستعمل على تمزيق العراق، ليصبح السني بوجه الشيعي، جار ضد جاره، بعض زبائن هادي انتقلوا إلى مناطق آمنة يكثر فيها التواجد الشيعي، بينما هرب آخرون من العراق كله.

ومن واصل بقاءه لاحظ بالتأكيد التغييرات في السوق، فعلى بعد خطوات من صينية هادي، يمكنك أن ترى امرأة تجادل بائع سمك عن سمكة شبوط تسبح بمياه ضحلة في أحد الأوعية إلى جانبه، إذ تعمل أم زهرة على استجواب البائع عن سبب ارتفاع الأسعار، والبائع يلوم "داعش" في تشتيت الطرق التي توزع بها الأسماك، لترد زهرة عليه قائلة: "مع أسعارك يبدو بأنه يجب علينا أن ننتمي لداعش"، هذه هي الكوميديا السوداء التي تظهر التوتر المتشبث ببغداد، فالعاصمة التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة والتي تعتبر ثاني أكبر مدن الشرق الأوسط بعد القاهرة، لا تجد بالعنف غرابة.

فقد شهدت مدينة بغداد قروناً من الهجمات، بدءاً بالغزو المغولي عام 1258، والذي هدد وجودها بالنهاية، انتهاءً بالغزو الأمريكي عام 2003، وما تبعها من حرب استمرت على مدى تسع سنوات، وخلال هذه السنوات شهد الحي الملاصق للسوق قذائف الهاون وإطلاق للصواريخ والنيران، ويقع حي كرادة بمحاذاة نهر دجلة في المنطقة الخضراء، التي تشكل مساحة تساوي 15 كيلومتراً مربعاً في قلعة حصينة للحكومة المركزية بالعراق والبعثات الخارجية مثل السفارة الأمريكية.

وشهد الحي قبل عدة أسابيع تفجيرين استهدفا الشرطة، وهزا أرجاءه، القليل من السكان أصبح يتمتع بالمناعة ضد هذا العنف، فحسين التي تفحصت الطماطم لن تستطيع أن تخفي الحزن وراء ابتسامتها المشدودة بلغة الجسد التي يفهمها المتحدثون بكافة اللغات، فعلى بعد عدة شوارع بمحاذاة الطريق الضيق الذي يزحف في قلب المدينة وقع انفجار عام 2004 أدى إلى مقتل زوجها وفقدان ابنها لساقه.

هذه هي الحياة، تتمتم حسين التي استسلمت لفكرة التفجيرات التي تهز المدينة لتكتسب بها وصف "أخطر مدينة في العالم"، ولكن هنالك المزيد من المذابح في الأفق، تعترف بشعورها بالقلق عند مغادرتها لمنزلها، لكنها تقول إنها لا تملك خياراً آخر، "أنا لدي عائلة يجب إطعامها"، تتمتم لتتوجه في طابور الانتظار أمام مخبز هادي، الذي يسألها كم تريد من الخبز، لتجيب "اثنين كيلو"، كمية قد تكفيها لعدة أيام فقط.

نشر
محتوى إعلاني