رأي.. نظرة موضوعية على تمويل قناة السويس الجديدة
هذا المقال بقلم عمرو عادلي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
كان على الحكومة المصرية أن تواجه سؤالا حرجا عند تمويل مشروع قناة السويس الجديدة حول كيفية توفر التمويل اللازم لمثل هذا المشروع الضخم، والذي تراه لازما لرفع معدلات التشغيل والنمو وانتشال الاقتصاد من الركود، في وقت تجري السياسة المالية في اتجاه تقشفي بغرض خفض العجز في الموازنة. وقد ظهر وعي الرئيس بالقيود المالية على الدولة بتأكيده في خطاب بدء المشروع على أن التمويل لن يترجم إلى أعباء إضافية على الموازنة العامة للدولة، خاصة وأن إجمالي ما تم تخصيصه في السنة المالية الجارية للاستثمار يناهز ٥٠ مليار جنيه، وهو مبلغ يقل عن الميزانية المقدرة لمشروع القناة وحده (٦٠ مليار جنيه).
وقد حاولت الحكومة التوفيق بين هذين الاتجاهين المتناقضين في مشروع قناة السويس بإصدار شهادات استثمار من خلال عدد من البنوك الحكومية وشبه الحكومية (بنك قناة السويس) بهدف جمع حصيلة تودع في حساب هيئة قناة السويس لتمويل المشروع مقابل فائدة سنوية ١٢% تصرف بشكل ربع سنوي لأصحاب الشهادات ذات فئة الألف جنيه. وكان المقدر أن يقع عبء دفع الفائدة وسداد الأصول عند الاستحقاق على عائد قناة السويس السنوي (حوالي ٥.٥ مليار دولار أو ٣٧ مليار جنيه مصري في ٢٠١٣/٢٠١٤). ومن المعروف أن حصيلة القناة تحول إلى موازنة الدولة العامة، ولا يتم الاحتفاظ بها لدى الهيئة، ما يجعل الخزانة هي المسئولة في نهاية المطاف عن ضمان وسداد فائدة ورد أصول الشهادات عند الاستحقاق طبقا لتصريحات وزير المالية قبل عدة أيام، والتي أوضح فيها أن الخزانة ستقوم بفتح حساب مجنب لدى المركزي المصري تودع فيه ٧ مليار جنيه لسداد الفوائد السنوية وربع السنوية بجانب ١٢ مليار جنيه سنويا لسداد أصول الشهادات عند الاستحقاق بعد خمس سنوات. وقال إن هذا سيؤدي لزيادة مؤقتة في العجز، وإن كان مبلغ ١٢ مليار سيكون عبئا دفتريا لحين الاستحقاق بعد خمس سنوات، ولكنه برر هذا بأن المشروع استثماري وذو عائد مضمون بما يبرر التكلفة. وأوضح وزير المالية، ولأول مرة منذ بدء العمل بالمشروع قبل أسابيع، أن الزيادة في عائد القناة السنوي عند إتمام المشروع، والمقدرة بنحو ٢٥٩% ستتحقق بالكامل في ٢٠٢٣ أي بعد تسع سنوات من الآن.
تشير هذه التصريحات الأخيرة إلى أن الموازنة العامة للدولة ستتحمل فعليا وفي المدى المباشر تمويل مشروع القناة الجديدة خلافا لما سبق إعلانه من تجنيب الخزانة العامة أعباء التمويل، وهو السبب الرئيسي الذي قاد الحكومة إلى طرح شهادات الاستثمار للجمهور في المقام الأول، فهل تعتبر الشهادات هي أفضل الوسائل وأقلها تكلفة وأكثرها تواءما مع طبيعة المشروع؟
***
يبدو أن شهادات الاستثمار ذات الفائدة ربع السنوية لا تتلاءم مع كون المشروع بعيد المدى من حيث تحقيق عائده -- عمرو عادلي في خلال تسع سنوات من بدئه، وهو ما يخلق هذا العبء على خزانة الدولة لسداد الفائدة والأصول عند الاستحقاق، ويبدو أنه كان من الأفضل أن يكون التمويل باتفاق اقتراض مباشر بين هيئة قناة السويس ومجموعة البنوك الحكومية -- عمرو عادلي (والتي تحوز ما يزيد عن ٥٠٪ من إجمالي ودائع الجهاز المصرفي أي حوالي ٦٠٠ مليار جنيه بما يساوي عشرة أضعاف المطلوب لتمويل المشروع في السنوات الثلاث القادمة)، ويكون الاتفاق بشروط تلائم طبيعة المشروع طويلة الأجل بحيث يتم السداد فور بدء عائد القناة الجديدة في التدفق (أي بعد ثلاث سنوات من الآن حال الالتزام بالجدول الحالي) ويتم تجنيب الخزانة أية أعباء في السنوات القليلة القادمة على نحو يتماشى مع جهود خفض العجز، خاصة وأن إجراءات تخفيض الدعم الأخيرة والتي من المفترض أن توفر ما بين ٤٠ و٥٠ مليار جنيه في السنة المالية الجارية تعني المزيد من إتاحة الأموال لدى البنوك لتمويل الاستثمار الحكومي دون الضغط على الائتمان الموجه للقطاع الخاص.
***
قد يبرر بالطبع اللجوء للشهادات لتمويل المشروع الرغبة في تحريك مدخرات تقع خارج القطاع المصرفي، وهو أمر سيظهر تحققه من عدمه في المستقبل مع كشف البنك المركزي عن عدد الشهادات التي تم شراؤها بغير أموال الودائع البنكية، ففي هذه الحالة تكون بالفعل فكرة طرح الشهادات قد حققت تمويلا مع تخفيف الضغط عن الجهاز المصرفي، أما إذا تراءى فيما بعد أن أغلب الشهادات قد تم شراؤها من أموال الودائع لدى البنوك فساعتها تتضاءل مكاسب طرح الشهادات في مقابل عقد الاقتراض المباشر من هذه البنوك من قبل الهيئة -- عمرو عادلي، خاصة وأن الفائدة على الشهادات (١٢%) ليست منخفضة بل تزيد عن الفائدة على السندات الحكومية (ما متوسطه ١٤.٧% ولكنه خاضع للضرائب ما يجعل صافي التكلفة نحو ١١.٤%) إذا أخذنا في الاعتبار أن الشهادات معفاة من الضرائب خلافا للسندات والأذون. ويضاف لهذا أن تكلفة الشهادات تقع بالكامل على الخزانة التي ستسدد الفائدة والأصول عند الاستحقاق عن هيئة قناة السويس، وبالتالي العبء لا يقع على البنوك الحكومية المودعة فيها هذه الشهادات، والتي كان من المتوقع أن تستخدمها الحكومة في الظرف المالي المأزوم حاليا لتحمل أعباء تمويل الاستثمار ولو مؤقتا، وهو ما لم يحدث إذ أن الصيغة الحالية تجعل البنوك مجرد مكان لحفظ حسابات القناة واستقبال الراغبين في شراء الشهادات.
ولعل الخلاصة هي أن قضية التمويل لمثل هذا المشروع القومي الضخم كانت ولا تزال بحاجة للمزيد من الدراسة والنقاش العام حول سبب اختيار آلية تمويلية بديلا عن أخرى خاصة وأن المشروع من حيث تكلفته ومن حيث العائد المنتظر منه يقع في دائرة المال العام والاقتصاد القومي.