رأي حول حرية تداول المعلومات في مصر.. بعيداً عن السياسة

نشر
6 دقائق قراءة
تقرير ماجد عثمان
باعة ينتظرون الزبائن في شارع مزدحم في القاهرةCredit: MARWAN NAAMANI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم ماجد عثمان، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

عبارة "حرية تداول المعلومات" تستدعي عند البعض الشق السياسي بكل ما فيه من حساسيات تفرضها حالة الصراع السياسي التي شهدتها مصر خلال فترة ما بعد ثورة 25 يناير، وتؤدي بالتالي إلى استبعاد حرية تداول المعلومات باعتباره ترف لا تحتمله طبيعة المرحلة. وحقيقة الأمر أن مردود حرية تداول المعلومات يتجاوز هذا المفهوم الضيق ويُسقط من حساباته تأثير حرية تداول المعلومات على الإقتصاد الوطني وعلى القرار الذي يُحدد وجهة المستثمر ماجد عثمان (داخل مصر أم خارجها) سواء كان هذا المستثمر من المصريين أو الأجانب. ولا تقتصر أهمية المعلومات على كبار المستثمرين، ولكن شح المعلومات واحتكارها يؤثر بدرجة أكبر على المستثمر الصغير بما في ذلك أصحاب المشروعات المتوسطة والصغيرة. ولا شك أن هذه الشريحة أقل قدرة على تحمل الصدمات والمفاجأت التي تزداد تبعاتها في ظل غياب المعلومات. ومعظم المعلومات التي نقصدها في هذا السياق لم يتم حجبها عمداً. ولكن لا يتم الإهتمام بإنتاجها أصلاً، وإذا انتجت لا يتم إتاحتها بشكل مفيد للمستخدم، وإذا اتيحت لا تكون محدثة ولا تتاح بمستوى التفصيل المفيد.

محتوى إعلاني

***

مجال آخر لتأثير حرية تداول المعلومات هي مكافحة الفساد. وكما أن العدو الأول لخفافيش الظلام هو التنوير، فإن العدو الأول للفساد هو الشفافية والإفصاح. وهي قيم لا تصبح ملزمة في مناخ معادي لحرية تداول المعلومات، يتحكم في المجال العام ويحكم قبضته عليه بشكل تسلطي. والقيادات التي تحكم البلد حالياً تتميز بحسن السمعة ولا تشوبها أي شائبة تمس ذمتها المالية، ولكن الغريب أنها تتصور أن نزاهتها الشخصية كافية للقضاء على الفساد المجتمعي الذي يثقل كاهل المواطن. وبدون مناخ يُلزم الموظف العام سواء على المستوى المركزي أو المحلي بإتاحة المعلومات فسيكون لدينا نخب سياسية نزيهة تحافظ دون أن تقصد على بيئة يستشري فيها الفساد. وهي ظاهرة يمكن تفهمها في الأجل القصير ولكن لا يمكن الدفاع عنها بل ولا حتى تصديقها في الأجل الطويل.

مجال ثالث لتأثير حرية تداول المعلومات هو تعزيز الثقة المتبادلة بين مؤسسات الدولة والمواطن، وهي قيمة أدى غيابها أو تراجعها إلى مخاطر أثرت على تماسك الوطن. ولأن إتاحة المعلومات هي قيمة سلبية لم تعتد عليها المؤسسات الحكومية فإنها تفوت على نفسها الإفصاح عن الإنجازات أو النجاحات. وعلى سبيل المثال، فإن مشروع مُلهم مثل مشروع قناة السويس لا يوجد حوله معلومات كافية. وقد أشرت إلى ذلك في هذا المكان وذكرت أن موقع هيئة قناة السويس به رابط "قناة السويس الجديدة" وأن هذا الرابط لا يحوي سوى أقل من 5 أسطر حول المشروع  (ملحوظة لازالت السطور الخمس كما هي حتى كتابة هذا المقال.)

***

وقد ذكرت في مقالي أن من حق المصريين - الذين استجابوا بتلقائية شديدة تعبر عن ثقة في صاحب دعوة الإكتتاب - أن يعرفوا ما هي خطة العمل وماذا يتم إنجازه. وأعتقد أن من واجب الحكومة – إحتراما للمواطن المصري – أن توفر بيانات دورية عن المشروع لإحاطة المواطن المصري بالتقدم الذي يتم إحرازه والذي لا أشكك فيه. وإذا كنت أعبر عن دهشتي لعدم إهتمام الحكومة بالتواصل حول إنجازات تزيد من شعبيتها، فلا أستطيع أن أكتم قلقي من الإفصاح عن متابعة مشروعات تعاني من الفشل ماجد عثمان والذي ربما يرتبط بفساد إداري لن يتحقق على الأرجح كشفه إلا بعد فوات الآوان.

وعندما ذكرت في بداية هذا المقال أن البعض يستدعي دائما الشق السياسي لحرية تداول المعلومات، فقد قصدت بعض المسئولين في الجهات الأمنية الذين تتسع مساحة تدخلاتهم بدعوى حماية أمن الوطن والذين يفترضون أن حب الوطن والحرص على حماية أمنه يقتصر على النخب الأمنية دون غيرها، وتتحول هذه التدخلات إلى تعطيل مشروعات وأنشطة والتدخل في صياغة قوانين بدون مبرر مفهوم. وتعيد هذه الممارسات إلى الأذهان ممارسات عصر يختلف إختلافاً بيناً من حيث درجة توافر ودرجة تقدم تكنولوجيا المعلومات والإتصالات ماجد عثمان. وتختزل هذه الممارسات ربما بحسن نية أهمية المعلومات في قيام إقتصاد قوي يستطيع خلق فرص عمل والحد من البطالة التي تهدد الأمن القومي بدرجة أكبر بكثير من إتاحة وتداول المعلومات. وتبدو بعض المواقف المتشددة أشبه بيافطة "ممنوع الإقتراب والتصوير" التي كانت تمنع من يريد أخذ صورة تذكارية على كوبري قصر النيل في زمن كان جندي الحراسة يتصور أن وسيلة التصوير الوحيدة هي الكاميرا الموجودة في أيدي الهواة، ولا يدور بخلده أنه سيأتي يوم تكون فيه خرائط جوجل متاحة على الإنترنت للكافة وتعرض المواقع الحساسة بمستوى أعلى من الدقة من الكاميرا التي يحملها شاب يريد إلتقاط صورة تذكارية تجمعه بخطيبته على نهر النيل

***

كما أقصد أيضاً الانتهازيين المستفيدين من فوبيا "إعتبارات الأمن القومي" والذين يجدون في المزايدة بها فوائد شخصية، ويجدون في ظلها دوراً في المجال العام لم يكن ليتاح لهم في ظل الظروف غير الاستثنائية، وهم من ثم حريصون على استمرار هذا الدور بغض النظر عن المصلحة العامة لوطن لن يتقدم إلى الأمام دون مشروع حقيقي لتحديث مصر لا يمكن تنفيذه أو الحديث عنه دون إنتاج المعلومات وتداولها بين جميع شركاء التنمية.

نشر
محتوى إعلاني