مقال للشنيطي حول "أسعار البترول والاقتصاد المصري"
هذا المقال بقلم عمر الشنيطي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
التغير في أسعار البترول له آثار متباينة على دول العالم التي يمكن تقسيمها بين رابحين وخاسرين حينما تتغير أسعار البترول. ومصر لا تختلف في ذلك عن دول العالم، فانخفاض أسعار البترول له آثارا عديدة ومتباينة على الاقتصاد المصري.
يُذكر أن سعر برميل البترول كان يقارب 110 دولار في بداية العام، لكن الأسعار انهارت في الأشهر الماضية لما دون 60 دولار للبرميل، خلافا لأغلب التوقعات. ويمكن تفسير ذلك بتراجع النمو العالمي مما خفض الطلب على البترول خاصة من الصين. وانخفاض الطلب قابله زيادة غير متوقعة في الإنتاج من العراق وليبيا. كما أن التوسع في استخراج الغاز الصخري في أمريكا قد خفض من حاجتها لاستيراد البترول. كل هذه العوامل أدت بدورها لوجود زيادة في المعروض مقابل الطلب مؤدية لانخفاض الأسعار.
في مثل هذه الأحوال عادة ما تقوم الأوبك، منظمة اتحاد الدول المصدرة للبترول، بتخفيض إنتاجها للحفاظ على أسعار البترول. لكن ذلك لم يحدث؛ حتى أن بعض وزراء البترول بدول الخليج صرحوا بعدم التفكير في خفض الإنتاج حتى وصول سعر البرميل إلى 40 دولار. ويفسر البعض ذلك بحاجة الأوبك للحفاظ على حصتها السوقية، بينما يفسره البعض الآخر بالرغبة في إفلاس صناعة الغاز الصخري التي لا تستطيع تحمل الأسعار المنخفضة لفترات طويلة. لكن مع سرعة انهيار الأسعار يبرز التفسير السياسي الذي يعزي الأمر للضغط الأمريكي على بعض دول الأوبك لخفض الأسعار للضغط على إيران وروسيا التي تأثر اقتصادها بشدة حيث فقدت العملة الروسية قرابة نصف قيمتها أمام الدولار، ومن المتوقع أن يشهد الاقتصاد الروسي انكماشاً في العام الحالي مع تصاعد عجز الموازنة.
يتوقع البعض أن تستمر الأسعار في الانخفاض حتى تقوم الأوبك في الربيع القادم بخفض الإنتاج لاستعادة الأسعار لمستويات مُرضية، بينما يرى البعض الآخر أن قدرة الأوبك على رفع الأسعار قد تلاشت حيث تمثل الأوبك ثلث الإنتاج العالمي فقط وهو ما يؤدي إلى احتمالية انخفاض الأسعار لفترة ممتدة. ولكن يصعب الترجيح بين أي من وجهات النظر السابقة نظراً لحدة وسرعة الانخفاض في الأشهر الماضية، في حين يبقى من المنطقي افتراض بقاء الأسعار على مستويات منخفضة خلال العام القادم مما يؤدي إلى آثار مختلفة على الاقتصاد المصري يمكن تحديد سبعة أوجه رئيسية لها:
الأول: دعم المواد البترولية: انخفاض أسعار البترول يقلل من الدعم الحكومي للمواد البترولية. ومع قيام الحكومة برفع الدعم جزئيا عن المواد البترولية المختلفة الصيف الماضي، فإن بعض هذه المنتجات أصبح سعرها الحالي مقارب للسعر العالمي وهـو ما سيؤدي إلى تخفيض بند الدعم في الموازنة وبالتالي خفض عجز الموازنة حيث يصل حجم الوفر لحوالي 50-70 مليار جنيه، بناء على بعض التقديرات.
الثاني: أرباح وضرائب قطاع البترول: يساهم قطاع البترول في تمويل إيرادات الموازنة بما يقارب 90 مليار جنيه سنويا سواء من خلال أرباح القطاع أو دفع الضرائب. ومع انخفاض أسعار البترول ستتأثر ربحية قطاع البترول وكذلك حصيلة الضرائب من القطاع وهو ما سيؤثر بشكل سلبي على عجز الموازنة.
الثالث: الدين الحكومي: انخفاض عجز الموازنة سيؤدي إلى تخفيف الاقتراض من البنوك المحلية ولعل ذلك ما دفع وكالة "فيتش" لرفع تصنيف مصر الائتماني مؤخرا مما سيؤدي إلى خفض سعر الفائدة وبالتالي بند خدمة الدين في الموازنة بالإضافة إلى فتح الباب للاقتراض الخارجي.
الرابع: الصادرات والواردات البترولية: مصر مستورد صافي للمواد البترولية حيث أن ما تستورده منها أكبر مما تصدره. ومع انخفاض أسعار البترول ستنخفض الواردات بدرجة أكبر من انخفاض الصادرات وبالتالي سينخفض العجز المستدام بين ما يدخل للاقتصاد من دولار وما يخرج منه.
الخامس: السياحة: تأثر القطاع السياحي بشدة منذ الثورة وانخفضت أعداد السائحين بشكل عام إلا أن أعداد السائحين الروسيين شهدت نموا ملحوظا حيث زاد عددهم من 2.4 مليون في 2013 لقرابة 3 مليون في 2014. لكن مع انهيار الاقتصاد الروسي فإن أعداد السائحين الروسيين من المتوقع أن تنخفض مما سيؤثر على القطاع بشكل عام ومساهمته في نمو الاقتصاد، كما أنه سيؤثر سلباً على ما يدخل للاقتصاد من دولار.
السادس: الدعم الخليجي: مع انخفاض أسعار البترول لما دون 60 دولار للبرميل، فإن الدول الخليجية الداعمة لمصر ستواجه عجزا وهو ما دفعها بالفعل لمراجعة ميزانياتها؛ مما سيؤثر على قدرة تلك الدول على دعم الاقتصاد المصري. بالرغم من غزارة الدعم الخليجي لمصر إلا أن الفترة الأخيرة أوضحت تحول الدعم من مساعدات إلى استثمارات مباشرة تعول عليها الحكومة المصرية الآن. وعلى الرغم من الاحتياطيات المتراكمة في دول الخليج إلا أن انخفاض إيرادات البترول تزامنا مع تكلفة الحرب على "داعش" قد تقلل من قدرة دول الخليج على ضخ استثمارات كبيرة في مصر في المستقبل القريب. هذا التراجع سيؤدي إلى صعوبة الخروج من الركود الاقتصادي وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، بالإضافة إلى تقليل التدفقات الواردة من العملة الصعبة وبالتالي زيادة الضغط على الجنيه.
السابع: تحويلات المصريين بالخارج: شهدت تحويلات المصريين بالخارج زيادة كبيرة عقب الثورة لكنها ما لبثت أن تراجعت في 2013/2014 ومن المتوقع أن تتراجع التحويلات بشكل أكبر مع انخفاض أسعار البترول ووجود عجز في دول الخليج؛ وبالتالي أيضاً زيادة الضغط على الجنيه.
الخلاصة أن انخفاض أسعار البترول له آثارا متباينة على الاقتصاد المصري حيث من المتوقع أن يكون التأثير إيجابيا على عجز الموازنة، بسبب انخفاض الدعم بدرجة أكبر من انخفاض أرباح وضرائب قطاع البترول، وهو ما سيساعد على السيطرة على الدين الحكومي وتحسين التصنيف الائتماني. بينما من المتوقع أن يكون التأثير سلبيا على سعر صرف الجنيه، فعلى الرغم من انخفاض صافي الواردات البترولية إلا أن تراجع السياحة وتحويلات المصريين بالخارج والاستثمارات الخليجية سيكون بدرجة أكبر. كما أن تراجع الاستثمارات الخليجية سيؤثر على قدرة الاقتصاد على الخروج من فخ الركود.