محمد قاسم العلي يكتب لـCNN: وسط الحصار الإعلاني المكثف.. توقف لحظة وفكر!
هذا المقال بقلم محمد قاسم العلي، الرئيس التنفيذي لشركة الصكوك الوطنية الإماراتية، وهو يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.
أينما ذهبت خلال يومك، خارج البيت أو حتى داخل بيتك وأنت تقضي لحظاتك الخاصة مع أسرتك أو ضيوفك، تجد نفسك محاصراً بالإعلانات التي تحمل رسائل تدعوك للاستهلاك وإنفاق مالك على ما تحتاج وما لا تحتاج.
جولة واحدة في الشوارع ومحطات المترو ومراكز التسوق تجعلك تشاهد هذا الكم الهائل من الإعلانات المعلقة على جدران معدة خصيصاً لهذا الغرض، أو تلك التي تبث على شاشات رقمية ضخمة تجذبك بالألوان وآلية العرض وصور الحسناوات التي تروج للمنتجات بأنواعها.
هجمة شرسة على الوعي والثقافة تتشارك فيها الصورة والألوان والرسائل التي تخاطب الأبعاد الهشة في النفس البشرية وتعيد صياغتها بما يخدم اقتصاد السوق الإستهلاكي. الضخ المتواصل على العقول لا يتيح لنا وقتاً للتفكير المتأني، فننساق تحت ضغط اللحظة الى حيث نغتال مستقبلنا وأحلامنا وخططنا لما بعد سنوات العمل.
مقابل هذا الحصار الثقافي الخطير، تكاد تخلو هذه الأماكن من شعار واحد يدعو الى الاعتدال في الإنفاق أو ترتيب الأولويات المادية وإدارة دخل الفرد -- محمد قاسم العلي. أليس غريباً ترك الساحة لثقافة الاستهلاك بدون أي وجود لثقافة مقابلة تدعو للادخار على الرغم من أهمية الإدخار والاستثمار في تنمية المجتمع وتدعيم ركائزه الاقتصادية والحفاظ على الثروات الشخصية والعامة ومعدلات نمو الناتج المحلي؟.
لماذا لا نبادر الآن إلى توفير خيار ثقافي آخر للناس بحيث نجد مقابل كل إعلان استهلاكي دعوة للادخار وتحقيق الأمان المالي بالأسلوب والأدوات ذاتها، وهكذا نكون قد وفرنا لأهلنا وناسنا خيارات متعددة بحيث يختارون بينها بدل أن يتركوا ضحية لهيمنة الدعاية الاستهلاكية.
الغريب في الأمر، أن رسائل الاستهلاك تجد تجاوباً واسعاً من الجمهور، والأكثر غرابة أن الرسائل التي تدعو للتوفير من خلال الإنفاق المتوازن، أو حتى تلك التي تدعو للإنضمام الى برامج إدخارية مضمونة المكاسب تبقى محل تشكيك دائم -- محمد قاسم العلي حتى لو تضمنت حوافز وجوائز نقدية!! هنا تكمن كل الغرابة، وهنا يكمن السؤال الذي يحتاج الى إجابة شافية، كيف تحظى الدعوات الى الاستهلاك على كل هذا التجاوب ؟ هل هي سطوة اللحظة وضيق الأفق وإهمال المستقبل وتركه للمجهول؟ أم أن الاستهلاك تحول الى ثقافة ثم إدمان حتى أصبح قيمة اجتماعية تحدد مكانة الفرد وتحقق له الاحترام مقابل استهلاكه اللامحدود؟.
اذا كان مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، فمشوار الخلاص من ثقافة الاستهلاك وتبني ثقافة الادخار والتنمية المستدامة يحتاج الى لحظة تأمل واحدة أيضاً.
كل ما يمكن فعله الآن هو أن نتوقف لحظة ونفكر ونوازن أمورنا جيداً، فإذا كان الهدف من هذا الحصار الإعلاني الاستهلاكي هو شل تفكيرنا وتوجيهنا الى حيث تريد الدعاية، فلنواجهه بهذه اللحظة من التأني والتفكير قبل اتخاذ أي قرار.