رأي.. "تخفيض الجنيه المصري لا يؤدي دائما لزيادة الصادرات"
هذا المقال بقلم عمر الشنيطي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
سعر صرف العملة له أهمية اقتصادية كبيرة حيث أنه يؤثر على أسعار ومستويات الصادرات وبالتالي معدلات الإنتاج والنمو، كما يؤثر على أسعار الواردات ومعدلات التضخم. والتصور المعتمد أن تخفيض الجنيه دائما يؤدي إلى زيادة الصادرات حيث تنخفض أسعارها وتزيد تنافسيتها في الأسواق العالمية. وهذا التصور جعل قضية تخفيض الجنيه مطلبا رئيسيابداية يجدر السؤال: لماذا يفترض أن يؤدي تخفيض الجنيه لزيادة الصادرات؟
تخفيض الجنيه يحدث حينما يقوم البنك المركزي، الذي يتحكم في سعر الصرف، بخفض سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية وخاصة الدولار. ويلجأ البنك المركزي لذلك حينما تصبح التدفقات الدولارية الخارجة للاستيراد وما شابه أكبر من التدفقات الدولارية الواردة من التصدير والسياحة وما شابه. وحينما ينخفض الجنيه، فإن الصادرات المصرية ينخفض سعرها بالدولار في الأسواق العالمية وهو ما يزيد الطلب عليها ويؤدي إلى ارتفاعها. بالاضافة لذلك، حينما ينخفض الجنيه فإن ذلك من المفترض أن يشجع المستثمرين الأجانب على الإستثمار في مصر و ذلك بإنشاء المصانع بهدف التصدير للخارج وهو ما بدوره سيؤدي إلى زيادة الصادرات وبالتالي زيادة معدلات الإنتاج والنمو.
لكن ما هي تكلفة تخفيض الجنيه؟
على الرغم من الأثر الإيجابي المفترض لتخفيض الجنيه على الصادرات والإنتاج والنمو إلا أنه يأتي بتكلفة إجتماعية كبيرة، حيث أنه يؤدي إلى زيادة أسعار الواردات بالجنيه وبالتالي ارتفاع معدلات التضخم وما يستتبعها من إضعاف القوة الشرائية للأفراد والعائلات. وبما أن جزءا كبيرا من الواردات المصرية هي منتجات أساسية لا يمكن الإستغناء عنها أو استخدام منتجات محلية بديلا عنها، فإن التضخم الناتج عن تخفيض الجنيه عادة ما يكون شديد الأثر على المجتمع خاصة الفقراء ومحدودي الدخل.
كيف كانت تجرية الاقتصاد المصري مع تخفيض الجنيه؟
شهد الاقتصاد المصري عدة موجات من تخفيض الجنيه في العقود الأخيرة وعادة ما يحدث ذلك بعد فترة من تراجع ما يتدفق على الاقتصاد من دولار مقارنة بما يخرج من الاقتصاد من دولار مما يؤدي إلى وجود عجز في العملة الصعبة يجعل من الصعب على البنك المركزي توفير الدولار اللازم لعمليات الاستيراد والأنشطة التجارية ويؤدي إلى خلق سوق موازية. ومع مرور الوقت، تتفاقم السوق الموازية ويصبح البنك المركزي تحت ضغط لتخفيض الجنيه وسد الفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي للعملة. وقد شهد العقد الذي سبق ثورة ٢٥ يناير موجة كبيرة لتخفيض الجنيه في إطار محاولات الحكومة لإصلاح الاقتصاد وتنشيط الصادرات وجذب الاستثمارات حيث ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الجنيه قرابة الضعف خلال تلك الفترة.
لكن على التوازي، شهدت الصادرات ارتفاعا كبيرا خلال نفس الفترة بما يزيد عن ثلاثة أضعاف خاصة الصادرات غير البترولية والتي كان لتخفيض الجنيه أثرا في انخفاض أسعارها في الأسواق العالمية ومن ثم زيادة تنافسيتها. ولعل هذه التجربة كانت دليلا على صحة الإفتراض بأن تخفيض الجنيه يؤدي لزيادة الصادرات. فبعد ثورة ٢٥ يناير، عاد الضغط مرة أخرى على الجنيه حيث تراجعت السياحة والاستثمارات الأجنبية بينما زادت الواردات، فاتسعت الفجوة بين الصادر والوارد للاقتصاد من دولار. ودافع البنك المركزي باستماتة عن الجنيه لكن في النهاية كان عليه أن يلجأ لتخفيض سعر صرف الجنيه.
لكن هل أدى تخفيض الجنيه مؤخرا لزيادة الصادرات؟
على عكس التصور المعتمد، فإن تخفيض الجنيه في السنوات الأخيرة لم يؤدي لزيادة الصادرات و التي في الواقع شهدت تراجعا. ففي عام ٢٠١٢، شهد الجنيه انخفاضا بحوالي ٢٫٩٪ مقابل الدولار، لكن واكب ذلك انخفاضا أيضا في الصادرات يصل إلى ١٤٪. أما في ٢٠١٣، فقد انخفض الجنيه بقرابة ١٢٫٤٪، لكن الصادرات ارتفعت بحوالي ٧٪ فقط. بينما في ٢٠١٤، انخفض الجنيه مجددا بحوالي ٢٫٧٪، وواكب ذلك انخفاض للصادرات بحوالي ١٫٨٪. وإذا أخذنا السنوات الأربعة معا، نجد أن تلك الفترة شهدت انخفاضا كليا في الجنيه يصل إلى ١٩٪، لكن ذلك لم يواكبه زيادة في الصادرات والتي على العكس قد انخفضت بحوالي ١٠٪ وهو ما يضرب التصور المعتمد في مقتل.
إذا أين تكمن المشكلة؟
عملية التصدير منظومة متكاملة تتأثر بالعديد من العوامل وليس فقط أسعار الصادرات التي يؤثر فيها سعر صرف الجنيه. ولذلك فإن انخفاض الجنيه ليس كفيلا بتشجيع الصادرات وزيادة حجمها في وقت شهد فيه الاقتصاد اضطرابات كان بلا شك لها أثرا كبيرا على منظومة التصدير. ويأتي في هذا الصدد عوامل مخلتفة مثل التسويق للمنتجات المصرية عالميا وجودة المنتجات المصرية ومطابقتها للمواصفات العالمية. بالإضافة لذلك، فإن السنوات الاخيرة شهدت العديد من الاضطرابات الأمنية التي أثرت على عملية الإنتاج وبالتالي قدرة الشركات على التصدير. وزاد الأمر مؤخرا مع صعوبة الاستيراد بعد قرارات البنك المركزي الأخيرة المتعلقة بالدولار لتعيق حركة الإنتاج والتصدير حيث أن الكثير من الصادرات المصرية تعتمد في تصنيعها على بعض المواد الخام والمنتجات المستوردة. ولعل هذه المشاكل تشير إلى أهمية إعادة النظر في منظومة التصدير التي تحتاج لاستراتيجية تنافسية متكاملة وليس فقط المزيد من التخفيض للجنيه.
الخلاصة أن التصور المعتمد يقضي بأن تخفيض الجنيه يؤدي لزيادة الصادرات وهو ما تؤيده التجربة المصرية في العقد الذي سبق ثورة ٢٥ يناير، لكن الواقع بعد الثورة جاء مغايرا لذلك حيث واجه الجنيه ضغطا كبيرا بسبب الفجوة بين الصادر والوارد للاقتصاد من دولار مما أدى لتخفيضه. لكن على عكس المتوقع، واكب ذلك انخفاض في الصادرات مما يؤكد أن تخفيض الجنيه وبالتالي سعر الصادرات عاملا واحدا ضمن منظومة التصدير والتي تأثرت بعوامل كثيرة أخرى. وفي وقت نستشرف فيه المزيد من التخفيض للجنيه، من المهم إدراك أن تخفيض الجنيه لا يؤدي دائما لزيادة الصادرات، لكن يأتي دائما بتضخم ذا تكلفة إجتماعية كبيرة، وأن تشجيع الصادرات يتطلب استراتيجية تنافسية متكاملة في الأساس.