عبدالله العور يكتب لـCNN: المسلمون أنفقوا 140 مليار دولار على السفر.. و"السياحة العائلية" بحاجة لمفهوم واضح وتصنيف موحد
(CNN) -- تعد معدلات النمو السكاني في دول الخليج العربي من بين الأسرع على مستوى العالم، ويتوقع أن يزداد تعداد السكان بحلول عام 2020 بما يزيد على الثلث ليصل إلى 53 مليون نسمة، غالبيتهم العظمى دون سن الخامسة والعشرين. ومع الازدهار الاقتصادي والزيادة في الدخل المتاح وتزايد سهولة السفر أصبح بإمكان جيل الشباب أن يسافر أكثر بكثير مما سافر أسلافه الذين بدورهم أتيح لهم السفر أكثر من الجيل السابق لهم.
وتعتبر عوامل الزيادة السكانية والنمو الاقتصادي وتحسن الدخل من بين أهم الأسباب التي ساهمت في زيادة الطلب على السياحة العائلية، ليس فقط من قبل المسلمين ولكن أيضاً من غير المسلمين الذين يرغبون في عطلات تلائم العائلات وتطبع العديد من الوجهات السياحية الشهيرة.
وفقاً لتقرير واقع الاقتصاد الإسلامي فقد أنفق المسلمون في العام 2013، ما يعادل 140 مليار دولار على السياحة والسفر، ويتوقع – وفق ذات التقرير – أن يرتفع هذا المبلغ ليصل في العام 2019 إلى 238 مليار دولار وهو ما سيمثل 13% من إجمالي الإنفاق العالمي على السفر.
ويمثل إنفاق المسافرين من مجلس تعاون دول الخليج العربي 31% من إنفاق المسلمين العالمي وتأتي دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثالثة بين الدول المسلمة كأكثر الوجهات جذباً للسياح وذلك بعد ماليزيا وتركيا.
وتظهر البيانات أن إسهام السياحة المباشر في اقتصاد دولة الإمارات وصل عام 2013 إلى 15.4 مليار دولار أو ما يمثل 4% من إجمالي الناتج المحلي، فيما بلغ الإسهام الإجمالي ومن ضمنه إنفاق السياح داخل الدولة 32 مليار دولار أو ما يمثل 8.4% من إجمالي الناتج المحلي للدولة.
ووفقاً للمجلس العالمي للسياحة والسفر فإن السياحة تدعم 291،500 فرصة عمل في دولة الإمارات وهو ما يمثل 5.3% من إجمالي الوظائف المتاحة في الدولة. وتعد دبي الوجهة الأكثر جذباً بين الإمارات إذ استضافت فنادقها ما يزيد على 11.6 مليون نزيل خلال عام 2014 بنسبة زيادة وصلت إلى 5.6% عن عام 2013 وجاء السعوديون في المركز الأول من حيث أعداد زائري الإمارة وفقاً لإحصائيات دائرة دبي للسياحة والتسويق التجاري.
ليس بمستغرب إذاً أن تكون السياحة العائلية إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها استراتيجية مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي الهادفة لتحقيق رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي بأن تكون دبي عاصمة الاقتصاد الإسلامي. من المنطقي لدبي ولدولة الإمارات بشكل عام العمل على توفير خيارات الإقامة والترفيه المناسبة للعائلات والتي ترضي ذائقة الزوار المسلمين وغير المسلمين الذين يرغبون في الحصول على تجربة عائلية مميزة.
يشهد مفهوم التجربة السياحية الملائمة للعائلة تطوراً ملحوظاً على عدة مستويات ضمن قطاع السياحة، فبالنسبة للبعض يتمثل ذلك في التركيز على الأنشطة المناسبة للأطفال ضمن تجربة العائلة الأشمل. وينظر إليها آخرون على أنها التجربة التي تراعي الجانب الديني والعرقي والاجتماعي لدى السائح. وفي سياق السياحة الإسلامية يجب أن تتواءم السياحة العائلية مع مفهوم الحلال والذي لا يقتصر على المأكولات والمشروبات بل يمتد ليشمل الأزياء المحافظة والاختلاط بين الجنسين وغيرها من الأصول والقواعد.
وقد يشكل هذا تحدياً للعاملين في قطاع السياحة يتمثل في كيفية تلبية احتياجات السياح من المسلمين دون أن يتسبب ذلك بنفور السياح غير المسلمين. فهل يجب مثلاً على الفنادق أن تقدم نفسها على أنها متوافقة مع الشريعة أم فقط على أنها مناسبة للعائلات؟ ومع استخدام الشركات والمؤسسات لعدد من المصطلحات مثل "السفر الحلال" و"السياحة الحلال" و"السياحة الإسلامية" يصعب على المسلمين توقع ما سيحصلون عليه بالمقابل، فقد يقدم أحد الفنادق وجبات حلال متوافقة مع الشريعة إلى جانب الطعام غير الحلال بينما يكون مستوى التوقعات لدى النزيل المسلم بأن الفندق يقدم فقط الطعام الحلال أو أن الفندق يعد الطعام الحلال ويقدمه في أماكن منفصلة عن الطعام غير الحلال تجنباً لأي تلوث. وقد يعرّف فندق ما عن نفسه بأنه ملائم للمسلمين لأنه يبث الآذان إلى كل الغرف بينما قد يوصف فندق آخر بأنه مناسب للعائلات لكنه يوفر في الغرف المشروبات الكحولية.
هناك بلا شك اختلاف في المفاهيم والتوجهات ذات الصلة بالسياحة العائلية وهو ما يبين الحاجة لمعايير مشتركة وأساليب تصنيف موحدة مماثلة لتلك المستخدمة على نطاق عالمي مثل نظام النجوم لتصنيف الفنادق. حيث يمكن منح درجات التصنيف بناء على عوامل عدة مثل توفير المرافق الخاصة للمصلين والخدمات والأطعمة الحلال وبرك السباحة المنفصلة للنساء والرجال ومدى ملاءمة المرافق للأطفال وعوامل التمويل الأخلاقي ومعاملة الموظفين والمسؤولية المجتمعية.
إن وجود مثل هذه المنظومة المتكاملة يمكّن المؤسسات والوجهات من استهداف الطيف الواسع الناشئ عن التداخل بين السياحة التي يمكن أن نطلق عليها صفة الإسلامية أو المتوافقة مع الشريعة وبين السياحة العائلية التي تتوجه إلى المسلمين وغير المسلمين على حدٍ سواء. ويمكن أن يوفر وجود مثل هذه المنظومة نوعاً من الضمان ويزرع الثقة في نفوس عدد كبير من المسافرين والسياح من جميع الجنسيات والأديان ممن يبحثون عن تجربة سفر وسياحة عائلية تتسم بالأخلاقيات التي يتطلعون إليها في هذا القطاع. من هنا، يحرص مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي على التعاون مع مختلف الجهات المعنية في القطاع السياحي بدبي بهدف لتحديد المفاهيم الصحيحة للسياحة الإسلامية والعائلية.
مع ازدياد الأثر الاقتصادي للمسلمين في قطاع السياحة والسفر وتزايد أعداد المسافرين منهم سواءٌ لوحدهم أو مع عائلاهم، أصبحت الوجهات السياحية والفنادق والمنتجعات ووكلاء السفر وشركات النقل الجوي تتطلع إلى هذه الفئة الهامة من السياح والمسافرين. وهو ما يعني فرصاً جديدة وعديدة يمكن لرواد الأعمال والمستثمرين اغتنامها، خاصة أولئك الذين يسعون إلى أن تكون أعمالهم ومؤسساتهم متوافقة بالكامل مع المبادئ الإسلامية.
إن لم تأخذ المؤسسات والشركات في حسبانها كيفية خدمة هذه الشريحة الهامة والمتنامية باستمرار بالشكل الصحيح والمناسب فسوف ينعكس ذلك سلباً على فرص نموها المستقبلي. ورغم وجود العديد من التحديات وخاصة في الدول التي تضم غالبية غير مسلمة من السكان فإن الفرص المتاحة أمام الشركات ورجال الأعمال أكبر بكثير من المخاطر. وخاصة عندما نأخذ بالاعتبار حقيقة أن العديد من القطاعات السياحية وصلت تقريباً إلى حد الإشباع بينما تتميز فئة السياحة العائلية والإسلامية بنمو مضطرد يمثل أساساً لفرص نمو الأعمال والمؤسسات في مجال السياحة والسفر.