ميشيل أسعد يكتب عن شركات التاكسي البديلة: رياح التغيير قادمة.. لا محالة!
هذا المقال بقلم ميشيل أسعد، مستشار إدارة وتطوير أعمال، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أن الآراء الواردة أدناه لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
في العقود القليلة الماضية، بدأت حركة تغيير في العديد من القطاعات الصناعية والخدمية، مبنية على تقدم تكنولوجي متسارع وعلى الإنترنت، البرمجيات والأجهزة المحمولة. على سبيل المثال، نجد شركة مثل جوجل أصبح لها أهمية كبيرة في حياتنا اليومية. جوجل تعمل منذ سنوات على طرح سيارة تعمل بدون سائق، ضمن العديد من المشاريع الطموحة، بل وتقوم حاليا باختبار نسخ تجريبية من هذه السيارات في شوارع ولاية كاليفورنيا. تسير في نفس الاتجاه شركات مختلفة، منها تسلا موتورز، التي تمكنت في فترة قصيرة من انتاج سيارات إلكترونية غيرت شكل الصناعة.
على نفس المنوال، نجد أن أحد أكبر شركات الفندقة في العالم، Airbnb لا تمتلك غرفة واحدة. لكن يظل أحد أبرز الأمثلة هو شركة أوبر Uber التي تعتمد على تطبيق على الهاتف المحمول و GPSفي ربط السائقين الملاكي بالركاب الراغبين في الانتقال من مكان إلى آخر، بمقابل مادي- تحصل أوبر على نسبة منه. أوبر ليست شركة سيارات أجرة بالمعنى التقليدي، فالسائقين حاملين لرخصة قيادة ملاكي، وبالتالي تستغل الشركة ثغرات قانونية في تفادي دفع رسوم الرخص والتأمينات اللازمة، مما يمكنها من توفير أسعار أقل من منافسيها التقليدين. أي شخص يمتلك سيارة ورخصة قيادة، يمكنه الانضمام إلى أوبر إذا توافرت فيه الشروط اللازمة، وتعدي بنجاح التحريات وفترة التمرين. الجدير بالذكر أن قيمة أوبر السوقية تعدت بعد 6 سنوات من انشائها، بحسب مجلة فوربس في شهر ديسمبر 2015، 68 مليار دولار- أكثر من شركات عريقة مثل جنرال موتورز، هوندا، فورد ونيسان.
***
أوبر ليست حالة فردية، التغييرات قادمة حتما، وفي كل المجالات! تأثير هذه التغييرات، سواء ايجابي أو سلبي، يتزايد بشكل أكبر من قدرة الحكومات والمؤسسات على استيعابه. نتيجة لذلك، انتشر الجدل حول كيفية تنظيم هذا الشكل الاقتصادي الجديد بشكل يحقق أكبر نسبة من المكاسب، وأقل نسبة من الأضرار الاقتصادية أو الاجتماعية. أثارت شركة أوبر، ومنافسيها، مثل Lyft و Careem، الجدل على المستوى العالمي من جانب الحكومات التي تعاني في تقييم وتقنين موقف هذه الشركات- فللحكومات مصلحة اقتصادية تكمن في التربح من عائد تراخيص الأجرة ودور رقابي في حماية مواطنيها من المنافسة غير المشروعة وغير العادلة -- ميشيل أسعد. وانزعجت أيضا شركات الأجرة التقليدية، التي ترى في أوبر منافس غير قانوني يتربح بشكل غير عادل على حسابهم. رد فعل هذه الأطراف مختلف تماما من مكان لآخر، فبعض الحكومات منعت أوبر، جزئيا أو كليا. البعض الآخر فضل أن يصل لحلول وسط لكي يستفيد ماديا من أوبر، مع تقنينهم وإضفاء نسبة من العدل على المنافسة. أما على مستوى سائقي التاكسي التقليديين، فكان رد الفعل في شكل احتجاجات شديدة، تصل في بعض الأحيان إلى العنف (مثل ما حدث في باريس، مكسيكو سيتي وتورنتو.)
على الرغم من شكوك العديد من الناس، تمكنت أوبر من دخول السوق المصري منذ عام (بداية بالقاهرة، ومؤخرا الاسكندرية)، وتمكنت من تحقيق نجاح كبير، مستغلة سوء مستوى خدمة المنافسين وإمكانيات تقنية حديثة تجعل التجربة أفضل وأسهل للمستهلك. كان رد فعل سائقي التاكسي التقليديين مشابه لنظرائهم حول العالم، فبدأت حملة احتجاجية، مطالبة بمنع أوبر وكريم من العمل، ووصلت إلى حد التربص بسائقي أوبر، وأتوقع أن تسوء في ظل غياب أي تعليق أو تدخل حكومي.
موقف سائقي التاكسي ضد تهديد التطور التكنولوجي ليس بجديد، ففي بدايات القرن التاسع عشر، شهدت إنجلترا أحداثا احتجاجية عنيفة من فئة من العاملين في قطاع الغزل والنسيج، اعتراضا على استحداث آلات تستبدل جزء كبير من العمل اليدوي، مما يؤدي إلى فقدانهم لوظائفهم. أطلقت المجموعة على نفسها اسم "اللوديين" نسبة إلى شخصية، يُعتَقَد أنها خيالية، باسم ند لود، بدأت في تدمير آلات وأنوال النسيج في عام 1779. كرر "اللوديين" أفعال الملك ند، كما كانوا يطلقوا عليه، وشرعوا في تدمير الآلات للتعبير عن سخطهم للحكومة وأصحاب المصانع. كان رد الحكومة شديد ووحشي، فتم قمع حركتهم الاحتجاجية واستحداث قوانين جديدة تجرم أفعال اللوديين وتعاقب عليها بعقوبات غليظة تصل إلى الإعدام. في النهاية، احتجاج "اللوديين" لم يوقف التكنولوجيا.
الآراء حول حركة اللوديين شبيهة جدا برد الفعل تجاه احتجاجات سائقي التاكسي، فالبعض يرى أن أفعال اللوديين نبعت من مشاعر رجعية وأنانية ضد التقدم التكنولوجي. على الجانب الآخر، يرى آخرون أن تحليل هذه الحركة لابد أن يكون في سياق يشمل فترة الثورة الصناعية بشكل عام وتبعاتها على الطبقة العاملة وفرص العمل، و أن رد فعل اللوديين كان طبيعي ضد تغييرات كبيرة غير مقننة وليست عادلة. لكن، حتى يومنا هذا يتم استخدام كلمة اللوديين في وصف، سلبي، لكل من يجاهر ضد التكنولوجيا ويقصد بها الرجعية والتخلف.
***
الخلاصة أن التغيير التكنولوجي قادم لا محالة. إذا كانت أوبر تتصدر النقاش حاليا، فهي ليست أول شركة تغير شكل المنافسة ولن تكون الأخيرة. الدولة لها دور محوري في فهم وتقنين التقدم التكنولوجي، بمختلف أشكاله، بشكل يدعم منافسة شريفة وعادلة بين كل الأطراف، مع ضمان وجود آليات تضمن أن الشركات تؤدي واجباتها تجاه الدولة على النحو الأكمل -- ميشيل أسعد. بالإضافة إلى تطوير في السياسة عامة، ينعكس على مختلف مؤسسات الدولة لكي نواكب النظام الاقتصادي الجديد والتقدم التكنولوجي. في حالة التاكسي، يجب على الدولة مراجعة موقف الشركات القانوني، لضمان عدم اخلالها بقواعد التنافسية العادلة، وأن خزينة الدول تستفيد بكل ما يستحق عليها من ضرائب، تراخيص وتأمينات. كما يجب أن تعمل، مع القطاع العام والخاص، على تطوير قطاع سيارات الأجرة والمواصلات حتى نسد الفجوة بينهم و بين الشركات الجديدة. فبدل أن نعمل على قمع التقدم التكنولوجي، يجب أن نستفيد منه في تطوير أنفسنا وتقديم خدمة أفضل للمواطن، ففي نهاية المطاف، يهدف سائقو الأجرة إلى الحفاظ على مصدر رزقهم ويطمح المواطن لخدمة جيدة، ولكل منهما الحق، ضمن إطار القانون، وعلى الحكومة العمل على ضمان ذلك.