عدنان يوسف يكتب: يجب ربط أنظمة المدفوعات في الخليج استعداداً لتوحيد العملة

نشر
7 دقائق قراءة
تقرير عدنان أحمد يوسف
Credit: FAYEZ NURELDINE/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم عدنان أحمد يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظره ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

وافقت لجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية بدول مجلس التعاون الخليجي في اجتماعها الذي عُقد في المنامة مؤخراً على التفاصيل الفنية المتعلقة بتأسيس شركة تعنى ببناء نظام ربط أنظمة المدفوعات بدول مجلس التعاون، واختيار العاصمة السعودية الرياض مقراً رئيسياً لعملياتها. وستعمل الشركة على تأسيس نظام لتسوية المدفوعات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وستكون الشركة مملوكة لمؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية وتعمل على أسس تجارية. ومن شأن هذه الشبكة أن تحقق بناء نظاما لتنقل الأموال مواز لنظام ’سويفت‘، بحيث تخلق آلية خاصة لحركة الأموال مبنية على قاعدة صلبة عبر البنوك المركزية ومؤسسات النقد بتكلفة أقل وبسرعة أكبر ودون أي معوقات.

محتوى إعلاني

ويجب أن ننوه في البداية إلى أن هذا الموضوع تناولناه نحن في عدة مقالات وأبحاث، ولا سيما بعد الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 بعد أن اتضحت الحاجة بصورة جلية لوجود نظام عربي لتسوية المدفوعات يدعم مشاريع التكامل الاقتصادي العربي من جهة، ويسهم في تجنيب الدول العربية الهزات التي يشهدها النظام المالي العالمي من جهة أخرى. وقد تبنينا طرح هذا الموضوع من خلال اتحاد المصارف العربية في العديد من المؤتمرات والاجتماعات عندما كنت أترأس مجلس إدارته.

وابتداء يمكن القول إن تأسيس نظام المدفوعات يعتبر أحد المستلزمات الضرورية للتهيئة لقيام العملة الموحدة من خلال إيجاد نظام موحد لتسوية المعاملات المالية التي تتم بها هذه العملة كما لو كانت تتم في بلد واحد. كما تكمن أهمية ربط أنظمة المدفوعات في تسريع حركة انتقال التجارة والاستثمارات، بما يخدم تفعيل بنود السوق الخليجية المشتركة في كافة المجالات.

وعادة ما تلجأ الدول التي تقيم فيما بينها اتفاقيات للتعاون التجاري أو المالي أو الاستثماري أو التكتل الاقتصادي إلى عقد اتفاقيات بينية فيما بينها بهدف تنظيم مدفوعاتها تجاه بعضها. وتهدف مثل هذه الاتفاقات أو الترتيبات إلى تحديد حقوق الأطراف المعنية والتزاماتها، وخاصة ما يتعلق منها بتحديد العملة التي سيتم تسديد المدفوعات بها، وسعر صرفها مقابل عملات الأطراف، وموعد الاستحقاق وكيفية السداد، وغيرها من الإجراءات والقواعد التي تضمن حقوق كل طرف، وذلك نظراً لاختلاف الأنظمة الاقتصادية والمالية لكل دولة عن الأخرى وشروط خروج العملة وتأرجح سعر صرفها خلال الفترة الزمنية الممتدة ما بين تاريخ إجراء التبادل التجاري، وتاريخ الدفع أو السداد. وقد تحاول بعض الدول أحياناً عقد اتفاقات متبادلة مباشرة فيما بينها كما حدث عبر قيام بعض الدول بعقد اتفاقيات مباشرة مع الصين للسداد المتبادل لقيمة المبادلات التجارية وفقا لعملاتها المحلية وفقاً لأسعار محددة سلفاً.

وفي التجربة الأوروبية، يعتبر توحيد أنظمة المدفوعات إحدى الأدوات التي يستخدمها المصرف المركزي الأوروبي في تنفيذ السياسة النقدية الموحدة لنظام اليورو. فالبنك يستخدم عمليات السوق المفتوحة، حيث تكون هي الأداة الرئيسية للعمليات النقدية في الاتحاد الأوروبي؛ بحيث توجه أسعار الفائدة، وتوفِّر السيولة لنظام اليورو. كما يستخدم التسهيلات الدائمة، وهي التسهيلات التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار الذاتي لمنطقة اليورو، وتخفيف نقص السيولة أو عدم الاستقرار في أسعار الفائدة، وتقسَّم هذه التسهيلات إلى تسهيلات مقابل ضمانات سائلة (وتستطيع البنوك من خلالها الحصول على سيولة بصورة فورية)، وتسهيلات الإيداع (وتقوم البنوك من خلالها بإيداع فوائضها في هذه الإيداعات بصورة فورية)، وهذه التسهيلات تلعب دوراً قويّاً في الحد من تقلبات سعر الفائدة. كما يستخدم المصرف شروط الاحتياطي، وهي مجموعة من الشروط تتحدد على أساسها نسبة الاحتياطي التي تحتفظ بها البنوك المركزية الأوروبية لدى البنك المركزي الأوروبي؛ وذلك بهدف صنع درجة من الاستقرار في السيولة وأسعار الفائدة. وأخيراً، يستخدم المصرف نظام المدفوعات الأوروبي، وهو نظام المدفوعات الخاص بالبنوك المركزية الأوروبية، وهو نظام مدفوعات عبر الحدود يربط أسواق النقد المحلية بصورة فورية، بحيث يضمن استقرار أسعار اليورو، وسعر الفائدة عليه.

إن دول التعاون تملك في الوقت الحاضر أنظمة مدفوعات وطنية تعمل بأسلوب التسوية الإجمالية الفورية والمباشرة والمعالجة الإلكترونية دون تدخل يدوي. وتعتمد الأنظمة على شبكة السويفت ورسائلها القياسية للمصادقة، وتسوية المدفوعات المحلية، وتحويل ملكية الأوراق المالية. كما ترتبط نظم المدفوعات بنظام التقاص المعمول به في المصارف المركزية، وكذلك بنظام تسجيل الأوراق المالية الحكومية، وإصدار النقد.

لذلك يمكن القول إن توصل دول مجلس التعاون الخليجي لتأسيس شركة لتولي تسوية المدفوعات البينية يأتي استجابة لتحرير عناصر الاستثمار والعمل والإنتاج بين دول التعاون مما يدفع لتنامي حجم التعاون التجاري والمالي فيما بينها وضمان الارتقاء بهذه العلاقات في حال تطبيق مشروع الاتحاد النقدي واستمرار بقاء بعض الدول الأعضاء خارج منظومته، إلى جانب أن هذه الخطوة تتسق مع مقررات السوق ‏المشتركة ومعطياتها التي تواصل منذ تطبيقها فعلياً مطلع عام 2008 والمساهمة في تعميق مفهوم المواطنة الخليجية الاقتصادية.

من أبرز الأهداف التي سيحققها ربط نظم المدفوعات ونظم تسويتها المالية إجراء التحويلات المالية آلياً وضمان وصولها إلى المستفيد فوراً، وتقديم خدمات ومنتجات مصرفية متطورة، وتقليل المخاطر المالية والاستغناء عن حمل النقد بغرض التحويل من بنك إلى آخر مما يسهم في خفض تكاليف الخدمات المالية المصرفية وتعزيز الأداء المصرفي والمالي.  كما سيسهم في إرساء البنية التحتية التقنية، التي تضمن تحويلاً سريعاً وموحداً وآمناً للمدفوعات المالية، ما يعزز من نشاطات التجارة الثنائية بين دول المجلس والمتعددة الأطراف بين دول مجلس وبقية دول العالم.

نشر
محتوى إعلاني