رأي.. الصين تسعّر نفطها هل يحصد منتجو الذهب الأسود ثروات بالذهب الأصفر؟
هذا المقال بقلم عدنان أحمد يوسف، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا، والآراء الواردة أدناه تعكس وجهة نظره ولا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
تستعد الصين، وهي أكبر مستورد للنفط في العالم، لإطلاق عقود نفط خام مستقبلية مقومة باليوان الصيني وقابلة للتحويل إلى ذهب. وقد ارتأينا التوقف أمام هذا الموضوع لما يحمله من دلالات كثيرة ليس على مستقبل الاقتصاد العالمي فحسب، بل والاقتصاد العربي أيضا، وخاصة الدول الخليجية المصدرة للنفط. كما أن له علاقة بما سبق أن دعونا إليه من ضرورة وجود مبادرات مماثلة مثل تأسيس بورصات خليجية وعربية للنفط وتعزيز دور الدينار العربي الحسابي التابع لصندوق النقد العربي في المعاملات التجارية والاستثمارية العربية.
إن الخطوة الصينية في حال تحققها سوف تساهم دون شك في خلق مؤشر آسيوي لأسعار النفط المستقبلية ويسمح لمصدري النفط بتجاوز المعايير التي تفرضها المؤشرات المقومة بالدولار الأمريكي عن طريق التداول باليوان، خاصة أن عقود النفط الصينية سوف متاحة أمام صناديق الاستثمار الأجنبي وبيوت التجارة وشركات النفط، وسوف تكون مدرجة على بورصة شنغهاي الدولية للطاقة. وقد بدأت البورصة في تدريب المستخدمين المحتملين، وتقوم باختبارات نظم التشغيل الفعلي بعد الاستعدادات الفنية النهائية التي جرت خلال شهري يونيو ويوليو الماضيين.
كما أن خطوة الصين هذه تسعى لاستثمار خطوة اعتماد اليوان كعملة عالمية بجانب الدولار والين الياباني والجنية الإسترليني واليورو من قبل صندوق النقد الدولي في أكتوبر 2016.
وقبلها سعت الصين لجعل اليوان عملة دولية يمكن من خلالها إجراء التبادلات التجارية وتسهيل التجارة البينية مع دول العالم اعتمادا على توفير منصات مباشرة تربط بين اليوان الصيني وعملة الدولة التي يتم التداول معها بشكل مباشر بدون وجود عملة وسيطة كالدولار.
وسعيا منها لرفع قيمة اليوان والحفاظ على استقراره كعملة دولية، رفعت الصين إحتياطياتها من الذهب لتتجاوز 4000 طن خلال شهر يونيو الماضي، وهذا يضعها في المركز الثاني عالميا من حيث حجم احتياطيات الذهب بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
كما أن إصدار العقود النفطية المستقبلية المقومة باليوان والقابلة للتحويل إلى الذهب سوف يجعلها أكثر جاذبية، خاصة أن الصين عملت لعدة سنوات على إطلاق عقد نفط آجل مقوم باليوان، لكنها فشلت في ذلك بسبب التأجيلات المتعددة وتخوف المستثمرين من عملة اليوان.
كما أنها آلية سوف تجذب منتجي البترول الذين يفضلون تجنب استخدام الدولار، ولكنهم في نفس الوقت غير مستعدين بعد لقبول اليوان لسداد مبيعاتهم النفطية للصين. فالعملية ستكون بمثابة تحويل ثرواتهم من الذهب الأسود إلى الذهب الأصفر، وبالتالي، فهي خطوة استراتيجية للتبادل النفطي بالذهب، بدلاً من الدولارات الأمريكية، والتي يمكن طباعتها في الخزانة الأمريكية بسهولة.
لكن البعد الاستراتيجي للخطة الصينية يتمثل في موضوع النفط. فمن المعروف إن الصين هي أكبر مستورد للنفط في العالم بنحو 8.8 مليون برميل يوميا. ويعتبر النفط عصب الاقتصاد والنمو الاقتصاد الصيني. لذلك، فأن الخطوة الصينية تمثل خطوة استراتيجية لتأمين إمدادات النفط على المدى البعيد وكذلك بناء احتياطيات نفطية استراتيجية وفقا لأسعار النفط الراهنة مقومة بعملتها المحلية وليس الدولار، حيث تستغل الفرصة التي يتيحها التراجع الحالي في أسعار النفط. وفي الوقت الراهن، تعمل الصين على بناء المزيد من المنشآت لتخزين المزيد من النفط الخام الذي تستورده.
لكننا نتفق أيضا مع ما يذهب إليه بعض الخبراء من عدم التهويل بهذه الخطوة واعتبارها بداية لانتهاء عصر الدولار في أسواق النفط. ففي الحقيقة، تظل أسواق النفط العالمية كبيرة للغاية وهي حساسة واستراتيجية للعالم الصناعي بحيث من الصعب أن يتم التحكم فيها من قبل دولة واحدة في العالم. كما أن تأثير هذه الخطوة على تسعير النفط سيكون مرتبط أولا بالحصة التي سوف تحصل عليها عقود النفط المستقبلية المقومة باليوان بالمقارنة مع القيمة الكلية لعقود النفط الآجلة والمستقبلية. فنحن لا ننكر تأثير المضاربات في هذه العقود على الأسعار الراهنة للنفط، فهذا قد ثبت بالتأكيد خلال السنوات الماضية. لكن بنفس الوقت نرى من المنطقي أن يتم إنشاء سعر قياس للنفط في آسيا، وفي الصين بالذات، لأن المناطق الأخرى في العالم لها نفوطها القياسية. لكن الحجم الأكبر من العقود سوف يظل مقوم بالدولار. وفي حالة وجود أي فروق سعرية سواء في العملات أو أسعار النفط فإن التجار سيستفيدون منها لتحقيق أرباح إضافية حتى تختفي هذه الفروق، الأمر الذي يؤكد على أن هذه السوق لن تكون سوقاً مستقلة عن الدولار وأسعار النفط المقيمة بالدولار. كما أننا نتفق مع ما ذهب إليه الخبراء النفطيون بعدم دقة القول بأن عدم استخدام الدولار لتسعير النفط في هذه السوق هو محاولة للالتفاف على العقوبات الاقتصادية، التي تفرضها الولايات المتحدة على الدول المختلفة، خاصة روسيا وإيران، لأن العقوبات مفروضة على البنوك وخدماتها وليس على الدولار.
أخيرا، نجدد دعوتنا من خلال هذا المقال إلى تأسيس بورصة نفط خليجية عربية موحدة قادرة على فرض وجودها وتأثيرها على الساحة العالمية ومنافسة أسواق النفط في لندن ونيويورك وسنغافورة شريطة أن يتزامن ذلك مع وضع آلية تسعير نفطية من قبل الدول العربية والخليجية المصدرة للنفط نفسها منفصلة عن آلية التسعير الحالية، خاصة أن هذه الدولة تتمتع بالعديد من المزايا تجعلها قادرة على تحقيق المنافسة والحفاظ على ثرواتها من النفط والغاز في ظل استمرار المضاربات واتساع تأثيراتها السلبية على اقتصاديات الدول المنتجة. كما أن هذه الدول تتمتع بثقل دولي تبعا لمركزها الهام لدى أسواق الطاقة العالمية، وتستحوذ على دور عالمي هام على خارطة التفاعلات المالية والتجارية على مستوى العالم.