رأي: لبنان يستغيث.. أنقذوه قبل فوات الأوان
هذا المقال بقلم مروان أبو عواد، محرر صفحات التواصل الإجتماعي في CNN بالعربية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأيه ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
يتساءل الكثير من اللبنانيين في بلاد الاغتراب عن اليوم الذي سيعودون فيه إلى أرض وطنهم ليعيشوا بين أهلهم، وليساهم كل واحد منهم في مجال عمله، بإنماء هذا البلد الذي كان يوما ما يطلق عليه لقب "سويسرا الشرق".
لكن لبنان، الذي يمر بأسوأ أزمة اقتصادية منذ سنوات طويلة، قد لا يكون مكاناً يختاره أحد منا للعيش فيه أو زيارته في الفترة الحالية. فأخبار القمامة والتلوث احتلت عناوين الصحف العالمية، الخلافات السياسية تزداد يوماً بعد يوم والهم الأكبر للسياسيين هو أن لا تنقص حصصهم، دينه العام تجاوز الـ80 مليار دولار، ومسؤولوه مشغولون حالياً بتوقيفات واعتقالات لنشطاء على خلفية منشورات على صفحات التواصل الاجتماعي.
فقد دعا إعلاميون ونشطاء على مواقع التواصل إلى تحرك الثلاثاء وسط العاصمة بيروت، في ساحة سمير قصير، المعروفة برمزيتها في الدفاع عن الحرية، ضد ما اعتبروه قمعاً وتقليصاً للحريات. الدعوة جاءت احتجاجاً على توالي الاعتقالات والتوقيفات على خلفية كتابات، تتعلق بآرائهم ومواقفهم من الطبقة السياسية الحاكمة.
لا داعي للحديث عن الفساد وهدر المال العام وغير ذلك من المشاكل التي دفعت هؤلاء للتعبير عن غضبهم حيال ما يجري، فعشرات المقالات كتبت وتكتب كل يوم حول هذه القضية دون أن يرف جفن أحد من المسؤولين!
دار حديث مؤخراً بين مجموعة من المغتربين اللبنانيين أو "المنتشرين" كما يحلو لأحد المسؤولين في لبنان تسميتهم، حول مشكلة هذا البلد المستعصية، ومن أين يجب أن يبدأ الحل. كنت ضمن هذه المجموعة، ورغم أنني أؤمن بمقولة "تفاءلوا بالخير تجدوه"، إلا انني وجدت نفسي أعبّر عن رأي متشائم إلى أبعد الحدود تجاه إمكانية إيجاد حل قريب لأزمتنا.
شهد لبنان في مايو/أيار انتخابات برلمانية كان يأمل البعض، أن تكون مختلفة عن الانتخابات السابقة وتأتي بنواب يقومون بالتغيير المنشود. لكن، وكما هو متوقع، لا شيء تغيّر حتى الآن بل ازدادت الأمور سوءاً، وبدأنا نسمع عن "أزمة مالية وشيكة" قد تقضي على ما تبقى من أمل لدى البعض.
شركة ماكينزي للاستشارات الإقتصادية قدمت مؤخرا، وبطلب من الحكومة اللبنانية، تقريراً من ألف صفحة يتضمن حلولا للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان. لكن، وبغض النظر عن مضمون ما جاء فيها والإقتراحات التي قُدمت، هل لدى أحد من المسؤولين في لبنان النية الجدية لإيجاد مخرج سريع لهذه الازمة؟ إذا كان الجواب بنعم، فالحل بين أيديكم ولا حاجة لتقارير من الخارج. أوقفوا الفساد والهدر، حاكموا السارقين المحميين، فعّلوا مؤسسات الرقابة المالية والإدارية بدلاً من تعطيلها، أوجدوا حلاً نهائياً لأزمة الكهرباء... ولبنان سيكون بألف خير.
الوضع الاقتصادي المتأزم في البلاد دفع بالمسؤولين تجاه البحث عن حلول وتشريع ما كان محرّماً. فقد أوصت شركة ماكينزي في تقريرها بأهمية الاستفادة من الحشيش لتحقيق أرباح اقتصادية لدعم الموازنة. لكن، وبالرغم من كل الإيجابيات التي قُدمت بشأن تشريع الحشيش لغايات طبية، هل لدى الدولة القدرة على فرض الضوابط اللازمة لحصر التشريع بالغايات الطبية؟
أصبح لبنان اليوم يعاني مما هو أصعب من الفساد، ألا وهو الفساد الوقح الذى أصاب كل مفاصل الدولة وانعكس سلباً على هيكلية الاقتصاد، ما قد ينذر بأشد العواقب سوءاً فيما لو لم يتم التعامل معه سريعاً بقرار سياسي حاسم، بعيداً عن أي اعتبارات أو مصالح فئوية.
رفع الصوت بوجه الفساد بات أمراً أكثر من مُلح، وإذا كان البعض يأمل بالخروج من هذه الأزمة من خلال مساعدات المجتمع الدولي والاستثمار في الثروات النفطية، وتشريع الحشيشة وغير ذلك من "مسكنات"، بدون إصلاح حقيقي، فلا مقرّرات المؤتمر الدولي "سيدر" الذي عُقد في باريس في آبريل/نيسان، وحصل لبنان خلاله على وعود بقروض ميسرة بأكثر من 11 مليار دولار، ولا غيرها ستجدي نفعاً.
لو أن المسؤولين الذين تعاقبوا على الحكم منذ حوالي ثلاثين عاما، فكروا يوماً بالعمل لمصلحة هذا البلد لما كنا قد وصلنا إلى ما وصلنا إليه. الأمل الوحيد اليوم هو ييد الشعب الذي يبدو مستسلما لما آلت إليه الأمور، فإما أن يتحرك بوجه كل ظالم وفاسد ويجعل مطلب تفعيل ورشة الإصلاح منطلقاً وأساساً لأي مشروع قادم، وإلا فعلى الدنيا السلام.