حل ندرة المياه في الشرق الأوسط.. هل يكون على يد هذه الشركة الناشئة؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- هل تعلم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُعد من أكثر مناطق العالم التي تعاني من أزمة شح المياه؟ وتقع 17 دولة فيها تحت خط الفقر المائي الذي حددته الأمم المتحدة. ويمكن حل هذه المشكلة في مختلف المشاريع الطموحة التي تجرّب تحلية المياه بطرق أكثر استدامة، مثل شركة "ديسولينايتور" (Desolenator) البريطانية التي تعتمد على الطاقة الشمسية.
وتهدف شركة "ديسولينايتور" وهي من بين الشركات الرائدة في مجال تكنولوجيا المدن الذكية في المملكة المتحدة، والتي فازت ببرنامج منح الابتكار المؤثر من "إكسبو 2020" في عام 2017، إلى توسيع مجال تحلية المياه المنخفض التكلفة والمستدام في الوقت ذاته، وذلك عبر تحويل مياه البحر والمياه الملوثة إلى مياه شرب عالية الجودة باستخدام الطاقة الشمسية 100%.
وتتعاون الشركة حالياً مع هيئة كهرباء ومياه دبي "ديوا" لتطبيق جهاز تحلية للمياه يعمل بالطاقة الشمسية في مجمع محطات جبل علي لإنتاج الطاقة وتحلية المياه. وسيتم تشغيل الجهاز بعد بضعة أشهر وهو مدعوم بنظام واسع النطاق من الهيئة.
وخلال حديث مع موقع CNN بالعربية، قال الشريك المؤسس للشركة، أليكسي ليفين إن "هدفنا هو أن يكون أي مكان تتوفر فيه كمية جيدة من أشعة الشمس وأنواع مياه معقدة، أي مياه البحر، من الأماكن التي يجب أن تتواجد فيها ديسولينايتور".
ومن أجل تقييم فرص نجاح المشروع وجدوى الاستثمار فيه، قال العضو المنتدب الرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، سعيد محمد الطاير، لموقع CNN بالعربية: "تقرر الشروع في المرحلة التجريبية على خطوتين، الخطوة الأولى هي إجراء المشروع التجريبي بقدرة 1 جالون من المياه يومياً، أما الخطوة التالية فهي تطوير الجهاز بطاقة إنتاجية أكبر، وبقدرة 220 جالون من المياه يومياً بمواصفات فنية تشمل كفاءة عالية، وتؤمن سهولة التشغيل والنقل من مكان إلى آخر".
وأضاف الطاير أنه تم تنفيذ الخطوة الأولى بنجاح، كما تم توقيع عقد إنشاء مشروع أولي، ومن المقرر أن يكتمل المشروع في الربع الأول من عام 2020.
هل تصبح تحلية المياه أكثر استدامة في الشرق الأوسط؟
وقال ليفين إن صناعة تحلية المياه سريعة النمو، ولكنها تستهلك الطاقة بشكل كبير، إضافةً لكونها تسبب التلوث، مشيراً إلى أن 5% من انبعاثات الكربون العالمية سوف تأتي من تحلية المياه بحلول عام 2040.
وأكّد على ذلك مدير مركز أبحاث تكنولوجيا الأغشية الرقيقة وتكنولوجيا المياه في جامعة خليفة في أبوظبي، حسّان عرفات، والذي تتمحور الكثير من أبحاثه، التي تركز على دولة الإمارات بشكل أساسي، حول التحلية المستدامة.
وفي حديث مع موقع CNN بالعربية، قال: "في الدول التي تعتمد بشكل كبير على التحلية مثل دول الخليج، تُعتبر تحلية المياه من القطاعات التي تستهلك نسبة لا يُستهان فيها من الطاقة".
ويعتمد نهج "ديسولينايتور"، الحاصل على براءة الاختراع، على الطاقة الشمسية لغلي الماء بطريقة أكثر فاعلية، وبدون الحاجة إلى أغشية، أو مواد كيميائية مُعالجة.
وعلى خلاف الألواح الفوتوفلطية العادية التي تحول 15% من الطاقة الشمسية التي تصل إلى سطحها فقط، تقوم الألواح المصممة خصيصاً لـ"ديسولينايتور" بحصاد الطاقة الشمسية والطاقة الحرارية والكهربائية معاً، ما يعني أنها تستطيع تحويل ما يصل إلى 60% من الطاقة أو أكثر، بحسب ما ذكره ليفين.
وبالإضافةً إلى ذلك، تتميز التقنية بكونها مستدامة، وشرح ليفين قائلاً: "هي لا تحتاج إلى أي طاقة خارجية.. ولا تنتج الكربون أثناء عملية التنقية".
وتنتج التقنية الماء أيضاً بتكلفة منخفضة على مدى فترة طويلة، وهي سهلة التشغيل مقارنةً بالتقنيات الأخرى، ما يجعلها مناسبة بشكل أكبر بالنسبة للمجتمعات النائية.
المكانة الكبيرة لتحلية المياه في منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج
وعند الحديث عن أسباب شحّ المياه في منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج بالتحديد، قال ليفين: "ببساطة، لا يوجد ما يكفي من المياه في المنطقة، في الوقت الذي يتزايد فيه الطلب بشكل مستمر".
وأشار تقرير من البنك الدولي نُشر في عام 2018 أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتضن 1% من موارد المياه العذبة في العالم، وذلك رغم احتوائها على 6% من سكان العالم.
ولذلك، تُعد تحلية المياه طريقة شائعة لتوفير مياه مُحلاة.
وتتبين أهمية هذه العملية في الأرقام التي وجدها البنك الدولي، والتي ُتظهر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي أكبر سوق لتحلية المياه في العالم.
وفي مقابلة سابقة مع CNN، أوضحت الأمينة العامة للجمعية الدولية لتحلية المياه، شانون مكارثي، أنه يتم إنتاج الكمية الأكبر من المياه المحلاة في منطقة الخليج.
ورغم شحّ المياه في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن عرفات، يرى جانباً إيجابياً، إذ قال: "لحسن الحظ، الأماكن التي تعاني من شح المياه هي ذاتها الأماكن التي لديها وفرة في الطاقة الشمسية"، وذلك بسبب وقوعها فيما يُسمى بالحزام الشمسي (Solar Belt)، ومن بين هذه الدول هي دولة الإمارات، وفقاً لما ذكره.
وأوضح عرفات: "وفي الوقت الذي لا تتوفر لدينا فعلاً مصادر طاقة متجددة كبيرة للمياه، يتوفر لدينا في الوقت ذاته مصادر ممتازة للطاقة الشمسية بسبب وجود الأيام المشمسة بعدد كبير خلال العام في دولة الإمارات".
ويتيح هذا الأمر استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء اللازمة لتشغيل محطات التحلية بالتناضح العكسي (Reverse Osmosis) بشكل "ممتاز"، بحسب تعبير عرفات.
ولذلك، قد تكون التقنية المستدامة ذات التكلفة المنخفضة التي توفرها شركة "ديسولينايتور" الحل الأمثل للمشاكل المتعلقة بالمياه في الشرق الأوسط.
وأكّد الطاير على اهتمام دبي باستخدام مختلف السياسات والبرامج في مجال الاستدامة في تحلية المياه، فقال: "نحن نولي اهتماماً كبيراً لضمان توفر واستدامة الموارد المائية على المدى القصير، والمتوسط، والطويل من خلال استراتيجيات، وسياسات، وبرامج يجري تنفيذها بفعالية".
وتماشياً مع استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، والتي تهدف إلى زيادة نسبة الطاقة النظيفة إلى 75% بحلول عام 2050، اعتمدت الهيئة علي استراتيجية "لفصل إنتاج الكهرباء وتحلية المياه في المشاريع الحالية والمستقبلية لإتاحة المجال لاستخدام الطاقة المتجددة وخاصة الطاقة الشمسية لتحلية المياه من خلال اعتماد تقنية التناضح العكسي لتحلية مياه البحر"، بحسب ما ذكره الطاير.
وأشار الطاير أن ذلك سيؤدي إلى وفورات مالية ضخمة، وانخفاض كبير في الانبعاثات الكربونية، مع التمكن من التشغيل الاقتصادي المرن لمحطات تحلية المياه وإنتاج الكهرباء.
وبحلول عام 2030، سيتوفر لدى الهيئة قدرة مياه مركبة تصل إلى 750 مليون جالون يومياً، منها 305 مليون جالون يومياً تعمل بتقنية التناضح العكسي لتحلية مياه البحر، بحسب ما أوضحه الطاير.
وأكّد ليفين أنه بالحصول على الدعم المناسب، يمكن لمدن مثل دبي أن تتطور بعيداً عن الأساليب التقليدية، فقال: "ليس من المبالغة القول إنه إذا اختارت مدن مثل دبي توفير مياه مستدامة 100%، فيمكن تحقيق ذلك خلال عقد من الزمن".