رأي.. حبيب الملا يكتب لـCNN عن الاقتصاد بعد كوفيد-19: من رحم الأزمات تتولد الفرص
هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب "بيكر ماكنزي-حبيب الملا" للمحاماة، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
لا شك أن جائحة كورونا قد أصابت الاقتصاد العالمي بكافة قطاعاته بضربة شديدة لم يكن يتوقعها ولم يكن مستعدا لها. إذ ارتفعت معدلات البطالة بشكل قياسي وتوقفت نشاطات اقتصادية رئيسية كالسياحة والطيران، كما يتوقع جميع المحللين دخول الاقتصاد في حالة ركود بل وكساد.
ولسنا في المنطقة بمعزل عن هذه الآثار، وإن كنا نحاول جاهدين التعامل مع الآثار الصحية لكورونا، إلا أن هذا لا يعني عدم السعي لاستغلال الفرص الاقتصادية التي قد تتوفر من هذه الجائحة، ومن هذه الفرص إعادة هيكلة الاقتصاد.
فقد توسعت في السنوات الأخيرة القطاعات الحكومية بشكل كبير وزاحمت القطاع الخاص في معظم، إن لم يكن، جميع مجالاته. إذ دخلت الشركات المملوكة للحكومة بل وحتى الهيئات الحكومية في أنشطة تجارية متعددة بدءاً من العقار مروراً بالضيافة وخدمات الترفيه كالسينما وتأجير السيارات وأعمال المحاماة والتبريد والمقاهي والمطاعم وخدمات الطباعة وغير ذلك من النشاطات التجارية الصرفة والتي لا تشكل أهمية استراتيجية ولا حيوية. ولقد سبّب توسع القطاع العام بهذا الشكل مزاحمة للقطاع الخاص الذي كان المحرك للاقتصاد لسنوات عديدة خاصة وأن البيئة التي تعمل فيها هذه المؤسسات الحكومية خالية من التنافسية الحقة بسبب الدعم والتمويل الحكومي الذي تحصل عليه.
ولم يكن هذا الدخول إلى مجالات القطاع الخاص ناتجا عن استراتيجية محددة وإنما عبارة عن اجتهادات فردية لزيادة الموارد الحكومية مع أن السياسات الحكومية اتجهت إلى تحرير قطاعات اقتصادية كبيرة مثل الطاقة والمياه والسماح للقطاع الخاص بالاستثمار فيها. زيادة الموارد الحكومية من جهة معينة بسبب مداخيل هذه النشاطات جعلها تقل من جهة أخرى، إذ ان المؤسسات الحكومية العاملة في القطاع الخاص لا تدفع رسوما أو ضرائب على أنشطتها على العكس من القطاع الخاص الأمر الذي يحرم الخزينة العامة من موارد محققة.
ومع توقف النشاطات الاقتصادية بسبب جائحة كورونا أصبحت هذه النشاطات التي يمارسها القطاع العام تعاني من خسائر محققة بالإضافة إلى تحملها لمصاريف باهظة من رواتب وخلافه.
إن هذه الجائحة فرصة حقيقية لإعادة هيكلة هذا القطاع بقيام الحكومة بالتخلص من هذه الأنشطة عن طريق خصخصتها الأمر الذي يوفر للحكومة سيولة يمكن استثمارها في مجالات أقل كلفة وعالية المردود تساعدها في التخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية. ويكون دور الحكومات في مرحلة ما بعد كورونا دعم القطاع الخاص وتهيئة البنية المناسبة له للاستثمار وتقديم الحوافز وتقديم التسهيلات له للقيام بأعماله. كما أن تحرير هذه القطاعات يوفر للقطاع الخاص فرصا استثمارية يستطيع إدارتها بفاعلية أكثر وبمردود اقتصادي أفضل، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الموارد العامة بسبب الرسوم والضرائب التي يدفعها هذا القطاع.
ويبقى دور القطاع العام هو التركيز على القطاعات الاستراتيجية التي قد يحجم القطاع الخاص عن الدخول فيها إما بسبب حجم الاستثمارات المطلوبة أو بسبب الفترة الزمنية المطلوبة لتحقيق العائد على الاستثمار كقطاعات الطيران والصناعات الثقيلة والقطاعات المرتبطة بسلاسل التوصيل والصناعات الغذائية الاستراتيجية.
ولقد أشار الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس مجلس الوزراء فيها إلى هذا الأمر عندما أشار إلى أن حكومة ما بعد كورونا يجب أن تكون أكثر رشاقة ومرونة وسرعة لتواكب أولويات وطبيعة جديدة ومختلفة. فمخطئ من يظن أن العالم بعد كوفيد-19 كالعالم قبله.