رأي.. حبيب الملا يكتب لـCNN: كيف أثرت جائحة كورونا على السياحة والسفر؟
هذا المقال بقلم الدكتور حبيب الملا، الرئيس التنفيذي لمكتب "بيكر ماكنزي-حبيب الملا" للمحاماة في الإمارات العربية المتحدة. إن الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
لا جدال في أن جائحة كورونا أصابت مفاصل الاقتصاد العالمي بضرر بالغ. إذ تأثرت جميع القطاعات الاقتصادية في مختلف دول العالم بإجراءات إغلاق الأنشطة الاقتصادية والقيود على التنقل والتباعد الاجتماعي، التي اضطرت دول العالم إلى فرضها في محاولة لاحتواء انتشار هذا الفيروس.
إلا أن تأثير الجائحة على قطاع السياحة والسفر كان الأشد بحيث اصبح هذا القطاع أحد أكثر القطاعات تضرراً. فالاقتصاد العالمي يقوم على حركة وتدفق الأموال والبشر والبضائع بشكل مستمر. وقد أدى إغلاق المدن حول العالم إلى أزمة غير مسبوقة في تاريخ الطيران. إذ تم تعليق كامل لحركة السفر الجوي ووقف تحليق آلاف الطائرات وإغلاق المطارات، وبالتالي إلى توقف شركات الطيران عن العمل الأمر الذي أدى إلى جمود حركة السياحة وبالتالي توقف الأنشطة التابعة أو المرتبطة مثل قطاع الضيافة وقطاع صناعة الطيران. وقد بلغ إجمالي عدد الطائرات خارج الخدمة على الصعيد العالمي 19321 طائرة وذلك في 20 إبريل 2020 وهو ما يمثل 57% من إجمالي عدد الأسطول العالمي المتاح للتشغيل.
لقد قدر دليل شركات الطيران الرسمي OAG، وهو أهم مرجع لمعلومات السفر الجوي ويوفر بيانات عن مواعيد الرحلات الجوية وتحليل لحركة الطيران والشحن، بأن القيود على حركة الطيران حول العالم ستكلف قطاع صناعة الطيران خسائر تقدر بـــ 880 مليار دولار.
وأعلنت شركة بوينغ لصناعة الطائرات خسائر بقيمة 2,4 مليار يورو في الربع الثاني في عام 2020. ووفقاً لتقرير مجلس السياحة والسفر العالمي فإنّ الاقتصاد العالمي يواجه خسارة 100 مليون وظيفة في قطاع السياحة والسفر بسبب انتشار فيروس كورونا، وهذا الرقم يمثل زيادة قدرها 30% مقارنة بالتقديرات الأولية. ومن المتوقع خسارة 75 مليون وظيفة في دول مجموعة العشرين وحدها.
أما بالنسبة إلى التأثير على إيرادات وعمليات المطارات، فقد أشار التقرير إلى توقعات المجلس الدولي للمطارات بانخفاض حركة المسافرين بنسبة 38% عام 2020 لتصل إلى 5,9 مليار مسافر مقارنة بتقديرات بلغت 9,5 مليار مسافر للعام 2020 قبل تفشي جائحة كورونا. وتوقع المجلس الدولي للمطارات انخفاض إيرادات المطارات بنسبة 45% عام 2020 لتصل إلى حوالي 96 مليار دولار مقارنة بتقديرات كانت بلغت 171,8 مليار دولار قبل تفشي الجائحة.
أما بالنسبة لقطاع السياحة، فقد أظهرت البيانات الصادرة عن منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة انخفاض السفر الترفيهي بنسبة 89% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2020 مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. وذكر التقرير أن جميع المقاصد السياحية في جميع أنحاء العالم لا تزال تفرض بعض أشكال قيود السفر. وحذرت المنظمة من فقدان حوالي 1,2 ترليون دولار من عائدات السياحة بسبب الجائحة.
وعلى مستوى الدول العربية فقد قدر الاتحاد العربي للنقل الجوي والمنظمة العربية للسياحة أن تتراجع مساهمة السياحة والسفر في الناتج الإجمالي للدول العربية عام 2020 بنحو 126 مليار دولار مقارنة بالعام 2019، مما يعرض حوالي 4 ملايين وظيفة للخطر. كما توقع الاتحاد أن ينخفض الاستثمار في قطاع السياحة والسفر في الدول العربية بنحو 25,4 مليار دولار في العام 2020 مقارنة بعام 2019.
وذكر اتحاد النقل الجوي الدولي (IATA) أنّ الانتعاش في الحركة الجوية كان أبطأ من المتوقع وأنّ حركة الطيران الدولية ستحتاج الى أربع سنوات للتعافي والرجوع الى مستويات ما قبل الجائحة. وقد تم قياس ذلك باستخدام متري لعائد الركاب للكيلومترات (RPKs) - وهو مقياس لعدد الكيلومترات التي قطعها المسافرون. وأرجعت أياتا تقديرها لهذا التباطؤ في التعافي بسبب الموجة الثانية من الوباء والانخفاض الكبير في عدد الرحلات المتعلقة بالعمل وفقدان ثقة المستهلكين بسلامة الطيران.
إن هذا الأمر غير المسبوق يتطلب اتخاذ تدابير غير تقليدية لمواجهة آثار هذه الجائحة. ومن ذلك ما قامت به طيران الإمارات مثلا بتغطية تكاليف كوفيد 19 الطبية مجاناً لعملائها عند سفرهم من وإلى الإمارات وعبر العالم، لتكون بذلك أول ناقلة تغطي هذه التكلفة في خطوة تهدف الى تعزيز الثقة بالسفر. كما يجب النظر بجدية إلى تخفيف بعض القيود الاحترازية التي تفرضها الدول على حركة المسافرين إذا أُريد لهذا القطاع أن يعاود الإنتعاش. إذ طالب الرئيس التنفيذي لمطار هيثرو بإلغاء شرط الحجر لمدة 14 يوماً للمسافرين وذلك لتنشيط حركة المطار والمسافرين. وفي قرار مفاجئ اعلنت البرازيل فتح حدودها للسياح فوراً لدخول أراضيها بدون شروط مسبقة باستثناء التأمين الطبي.
ويمكن في هذا الصدد تشجيع السياحة المحلية في الدول الكبرى مثل مصر والمغرب، مما يساهم ولو جزئياً في إنقاذ قطاع الضيافة. وكذلك تشجيع حركة السياحة البينية بين التكتلات الإقليمية كدول الخليج خاصة مع استمرار إغلاق الأجواء في مناطق السفر التقليدية كأوروبا.