ما هو دور الاتصالات والحوسبة والمواهب بتحقيق التحول الرقمي في العالم العربي؟
هذا المقال بقلم جيو بينغ، الذي يشغل رئيس مجلس الإدارة الدوري لشركة "هواوي تكنولوجيز". الآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
يشهد العالم العربي خطوات متسارعة لنشر التقنيات الرقمية، حيث توقعت الجمعية الدولية للهاتف المحمول أن يصل الإنفاق على نشر البنية التحتية لاتصالات الهاتف المحمول في المنطقة إلى 70 مليار دولار بين عامي 2019 و2025، فيما تم توفير الاتصال بشبكة الإنترنت لنسبة 45% من سكان المنطقة في نهاية 2020.
ولا تعتمد الدول العربية اليوم على تقنيات الاتصالات فحسب، بل يعمل عدد كبير منها بشكل جاد للاستفادة من القدرات التي توفرها تقنيات أخرى متطورة كالحوسبة السحابية، ودمجها بمميزات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، في الوقت الذي يتزايد اعتماد القطاعات الرئيسية على تقنيات الاتصالات والحوسبة، ويؤدي إلى تغييرات كبيرة في كفاءة وجودة أعمال وخدمات مختلف القطاعات مثل التعليم، والرعاية الصحية، والنقل.
وبفضل شبكات الجيل الخامس والحوسبة السحابية، تمكنت حكومات عربية عديدة من تحسين الخدمات التي توفرها. ووفقاً لاستطلاع أجرته الحكومة الإلكترونية للأمم المتحدة في العام الماضي، جاءت دول مجلس التعاون الخليجي في مقدمة الدول التي أطلقت الحكومة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. كما وضعت دول الخليج الخطط والاستراتيجيات اللازمة لبناء مستقبل رقمي مزدهر، فيما أطلقت معظم دول مجلس التعاون الخليجي على وجه التحديد العديد من المبادرات الوطنية لنشر التقنيات الحديثة وتحقيق التحول الرقمي.
وركزت جميع الاستراتيجيات في دول المنطقة على التكنولوجيا الرقمية كمحور أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تمكنت دول الخليج من زيادة معدل النمو الإجمالي المتوقع والذي بلغ 2.2% في العام الحالي، وفقاً لأحدث تقارير البنك الدولي بفضل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وغيرها من التقنيات الحديثة.
وعلى ضوء الظروف التي تشهدها بلدان المنطقة العربية نتيجة لآثار تفشي الجائحة والنزاعات التجارية العالمية والتغير المناخي وغيرها من الأزمات التي أفرزت نتائج غير متوقعة أدى بعضها لتضرر الأعمال التجارية، تزايدت أهمية التقنيات الحديثة كأحد الدعائم الأساسية التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق التعافي الاقتصادي وتسريع مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالنسبة للعديد من الدول العربية.
وهناك أمثلة كثيرة على أهمية دور التكنولوجيا من واقع الدول العربية. فعندما علقت إحدى السفن الضخمة في قناة السويس في وقت سابق من العام الحالي، توقفت حركة السفن في القناة وتعطلت الملاحة البحرية. ووصل عدد عملاء هواوي الذين تضررت مصالحهم بسبب إغلاق القناة إلى 123 عميلاً من بينهم العديد من العملاء في الدول العربية، حيث توقفت ثمانية وعشرون سفينة تحمل أكثر من 400 حاوية مليئة بتجهيزات هواوي كانت على وشك عبور القناة.
وبفضل تقنية سلسلة التوريد الذكية، أجرت هواوي عملية محاكاة باستخدام ملايين نقاط البيانات للتنبؤ باحتمالات الازدحام والتأخير مع تتبع الشحنات عبر الجو والبحر وعلى السكك الحديدية، وبالتالي تمكنا من الحد من تأخير طلبات الشراء بنسبة 80% حيث لم يتأخر تسليمها أكثر من أسبوعين، ما خفف من الأثر السيء للواقعة على العملاء.
وتُبرز هذه الحادثة قدرة الشركات العالمية على تقديم الدعم للحد من آثار الاضطرابات بالاعتماد على التكنولوجيا الرقمية. ويمكن للحكومات اعتماد التكنولوجيا الرقمية لتعزيز العمليات التجارية على المستوى العالمي، لا سيما وأن العديد من الدول العربية تسعى لتحقيق التكامل بين أجزاء البنية التحتية الرقمية وبناء موانئ ذكية ومرافق ذكية للتخليص الجمركي وتوفير الخدمات المالية عبر الحدود لتحسين التجارة الخارجية.
ونتيجة لتفشي الجائحة، أصبح من الضروري إجراء عمليات التخليص الجمركي للشحنات بسرعة وكفاءة في المنطقة وجميع أنحاء العالم. ونشرت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع هواوي في أبريل الماضي نظاماً ذكياً لإجراء عمليات التخليص الجمركي في وقت قصير، حيث يتيح النظام تفتيش ما يصل إلى 93% من الشاحنات التي تعبر دول الخليج بشكل آلي، مما يحد من الوقت اللازم لتفتيش الشحنات إلى النصف، وإجراء التخليص الجمركي من دون تلامس، وبالتالي لا يضطر السائقون للوقوف في طوابير في الطقس الحار، إذ يتم إجراء التخليص الجمركي من خلال تقنية المسح الضوئي.
أما المحور المهم الآخر للتكنولوجيا الرقمية فهو قدرتها على المساهمة في الحد من الانبعاثات الكربونية في العديد من القطاعات إلى جانب إسهاماتها في قطاع التجارة، حيث يتم الاعتماد على الخلايا الكهروضوئية في محطات الطاقة على سبيل المثال لتوفير الكهرباء بكفاءة أكبر. وفي المملكة العربية السعودية تحديداً، ساهمت هواوي في بناء أكبر محطة للطاقة الكهروضوئية في البلاد في مدينة سكاكا، المشروع الحيوي لبناء مرافق للطاقة المتجددة في البلاد.
وتخطط العديد من الحكومات العربية لبناء محطات نظيفة لتوليد الكهرباء بالاعتماد على الطاقة الشمسية، ولكن الرمال في المناطق الصحراوية مثلاً يمكنها أن تغمر ألواح الطاقة الشمسية وتؤدي لتعطيلها. ويستغرق حل هذه المشكلة 40 يوماً حتى يتمكن المهندسون من فحص المحطة أي أن الألواح الشمسية ستبقى خارج الخدمة ولن تتمكن من إنتاج الطاقة طوال هذه المدة.
لكن بفضل نظام التشخيص الذكي، يمكن للمهندسين أن يفحصوا المحطة بأكملها عبر الإنترنت خلال فترة لا تتجاوز 30 دقيقة، ثم يمكنهم إجراء عمليات الصيانة والإصلاح أو توجيهها عن بعد، مما يحد من فقدان الطاقة بشكل كبير ويحسّن ظروف العمل وكفائته، وبالتالي تضمن هذه المشاريع للمستثمرين تحقيق عائدات استثمارية خلال فترة زمنية معقولة.
وهناك مثال آخر للدور المحوري المهم للتكنولوجيا في قطاع الرعاية الصحية. وساهمت تجهيزات هواوي في تلبية متطلبات الشبكة في 18 مستشفى مخصصاً لمعالجة المصابين بفيروس كورونا في دولة الإمارات، وتطوير سيارات آلية تعمل بالذكاء الاصطناعي لتوفير تجهيزات الحماية اللازمة للكوادر الطبية. كما ساهمنا في توفير تقنية التشخيص بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي في ثاني أكبر مستشفى بالمغرب.
والأمر المهم الذي يجب الالتفات له أنه لن تحقق التقنيات الحديثة الفائدة المرجوة ما لم يكن هناك مواهب محلية قائمة عليها. لذا، يجب أن تضع الدول العربية تنمية المواهب في مقدمة أولوياتها. ونحن نلتزم بالتعاون مع مختلف المؤسسات الحكومية والأكاديمية للعمل على جَسر فجوة المهارات التقنية وتوفير التدريب اللازم على التقنيات الرقمية من خلال أكاديمية هواوي للتكنولوجيا الرقمية التي توفر دورات تدريبية في الذكاء الاصطناعي في ثماني جامعات رائدة، حيث ساهمنا في تدريب 20.000 شاب من الموهوبين في المنطقة، وكلنا أمل في أن يكون لنا بصمة واضحة في إعداد قياديين مستقبليين ماهرين لقيادة دفة التكنولوجيا، والإسهام في تحقيق طموحات بلدانهم.
وتقود دول الخليج نشر تقنية الجيل الخامس وغيرها من التقنيات التي ستسهم في دفع عجلة الثورة الصناعية الرابعة التي ستفرض تغيرات إيجيابية خلال المرحلة القادمة. وتدير هواوي أعمالها في الشرق الأوسط منذ 21 عاماً وتتعاون مع شركات الاتصالات والهيئات الحكومية لبناء قاعدة رقمية متينة. وحالياً، تعتمد 14 شبكة من شبكات الجيل الخامس على تقنيات هواوي. وسيسهم تحسن الاتصال في تعزيز البنية التحتية الرقمية وتكاملها وبناء النظام الإيكولوجي للمواهب المحلية لتوفير المهارات التقنية اللازمة للقوى العاملة في المستقبل والحد من البطالة، ووضع الأسس المتينة لتعزيز الإنتاج وبناء مستقبل مزدهر للمنطقة.