دروس "الربيع العربي".. ارتفاع أسعار الغذاء والوقود يدفع العديد من الدول لحافة الهاوية

لندن، المملكة المتحدة (CNN)-- هتف المتظاهرون الذين نزلوا إلى الشوارع في مصر عام 2011 حول الحرية والعدالة الاجتماعية، ولكن أيضًا الخبز. كانت قد قفزت أسعار المواد الغذائية الأساسية بسبب الارتفاع الصاروخي في أسعار بعض السلع مثل القمح، مما أثار الغضب من رئيس البلاد آنذاك حسني مبارك.

الآن، بعد أكثر من عقد من الربيع العربي، عادت أسعار الغذاء العالمية للارتفاع مرة أخرى. لقد وصلت بالفعل إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في وقت سابق من العام الجاري حيث أدت جائحة وسوء الأحوال الجوية وأزمة المناخ إلى قلب الزراعة وتهديد الأمن الغذائي لملايين الناس. ثم جاءت الحرب الروسية في أوكرانيا، مما زاد الوضع سوءًا وأدى أيضًا إلى ارتفاع كبير في تكلفة الوقود اليومي.

يمكن أن يولد هذا المزيج موجة من عدم الاستقرار السياسي، حيث يتم دفع الأشخاص الذين كانوا محبطين بالفعل من قادة الحكومات إلى حافة الهاوية بسبب ارتفاع التكاليف.

قال رباح أرزقي، الزميل في كلية كينيدي بجامعة هارفارد وكبير الاقتصاديين السابق في بنك التنمية الأفريقي إنه "أمر مقلق للغاية".

تسلط الاضطرابات في سريلانكا وباكستان وبيرو خلال الأسبوع الماضي الضوء على المخاطر. فقد اندلعت الاحتجاجات في سريلانكا بسبب نقص الغاز والسلع الأساسية الأخرى، كذلك أدى التضخم في باكستان إلى وقف الدعم لرئيس الوزراء عمران خان، والإطاحة به من منصبه. لقي 6 أشخاص على الأقل مصرعهم في الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة في بيرو التي أثارها ارتفاع أسعار الوقود. لكن لا يُتوقع أن يقتصر الصراع السياسي على هذه البلدان.

قال هاميش كينير، محلل في شركة Verisk Maplecroft الاستشارية العالمية للمخاطر في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "لا أعتقد أن الناس شعروا بالتأثير الكامل لارتفاع الأسعار حتى الآن".

دروس من الربيع العربي

ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد في الفترة التي سبقت الربيع العربي، والتي بدأت في تونس في أواخر عام 2010 وانتشرت في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في عام 2011. بلغ مؤشر أسعار الغذاء من منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة 106.7 في عام 2010 وقفز إلى 131.9 في عام 2011.

كتب معلق إماراتي في يناير 2011: "لم يشعل محمد بوعزيزي النار في نفسه لأنه لم يستطع الكتابة أو التصويت"، وهو البائع المتجول الذي ساعد احتجاجه على إطلاق الثورة في تونس، وفي نهاية المطاف في العالم العربي. وأضاف: "أشعل الناس النار في أنفسهم لأنهم لا يستطيعون رؤية أسرهم تتلاشى ببطء، ليس من الحزن، ولكن من الجوع الشديد البارد".

اختلفت الظروف في كل دولة على حدة، لكن الارتفاع الشديد في أسعار القمح كان جزءًا رئيسيًا من المشكلة.

أما الآن فالوضع أسوأ مما كان عليه في ذلك الوقت، فقد وصلت أسعار المواد الغذائية العالمية إلى مستوى قياسي جديد. وصل مؤشر الفاو لأسعار الغذاء الذي نشر، الجمعة، إلى 159.3 في مارس، بزيادة 13٪ تقريبًا عن فبراير. من المتوقع أن تؤدي الحرب في أوكرانيا، المصدر الرئيسي للقمح والذرة والزيوت النباتية، وكذلك العقوبات القاسية على روسيا -منتج رئيسي للقمح والأسمدة- إلى زيادة الأسعار في الأشهر المقبلة.

قال جيلبرت هونجبو رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية الشهر الماضي: "تذهب 40% من صادرات القمح والذرة من أوكرانيا إلى منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، والتي تعاني من مشاكل الجوع، وحيث يمكن أن يؤدي نقص الغذاء أو زيادة الأسعار إلى تأجيج الاضطرابات الاجتماعية".

ومما يزيد الألم ارتفاع أسعار الطاقة، فقد ارتفعت أسعار النفط العالمية بنسبة 60٪ تقريبًا عما كانت عليه قبل عام، بالإضافة إلى ارتفاع تكلفة الفحم والغاز الطبيعي.

تكافح العديد من الحكومات لحماية مواطنيها، لكن الاقتصادات الهشة التي اقترضت بكثافة لتجاوز الأزمة المالية لعام 2008 وجائحة كورونا هي الأكثر عرضة للخطر. مع تباطؤ النمو، وإلحاق الضرر بعملاتهم وزيادة صعوبة مواكبة مدفوعات الديون، سيكون الحفاظ على دعم الغذاء والوقود أمرًا صعبًا، خاصة إذا استمرت الأسعار في الارتفاع.

وفقًا للبنك الدولي، يعاني ما يقرب من 60٪ من البلدان الفقيرة من ضائقة ديون أو معرضة لخطر كبير غزو أوكرانيا.

أين تشتد التوترات

آسيا: بدأت الأزمة الاقتصادية والسياسية تتفاقم في سريلانكا التي اضطرت لاستنزاف احتياطياتها من العملات الأجنبية لمواجهة مستويات الديون المرتفعة، وقد منعها ذلك من سداد مدفوعات الواردات الرئيسية مثل الطاقة، مما تسبب في نقص وأجبر الناس على قضاء ساعات في اصطفاف للحصول على الوقود.

وأصدر البرلمان الباكستاني تصويتًا بحجب الثقة عن خان الأحد، مما أدى إلى إزاحته عن السلطة وقلب حكومته.

الشرق الأوسط وإفريقيا: يراقب الخبراء أيضًا علامات الضائقة السياسية في بلدان أخرى في الشرق الأوسط تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية من منطقة البحر الأسود، وغالبًا ما تقدم إعانات سخية للجمهور.

يعيش ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان في لبنان في فقر منذ العام الماضي نتيجة الانهيار السياسي والاقتصادي، ويأتي ما بين 70 و80٪ من القمح من روسيا وأوكرانيا.

كما تشهد مصر ضغوطًا هائلة على برنامجها لدعم الخبز، وتحاول تأمين واردات القمح من دول مثل الهند والأرجنتين.

قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر هذا الأسبوع إن موجات الجفاف والصراعات في دول مثل إثيوبيا والصومال وجنوب السودان وبوركينا فاسو تسببت في أزمة أمن غذائي لأكثر من ربع سكان القارة. واستطردت قائلة إن الوضع قد يزداد سوءًا في الأشهر المقبلة.

أوروبا: حتى البلدان ذات الاقتصادات الأكثر تقدمًا، والتي لديها مخازن أكبر لحماية المواطنين من الزيادات المؤلمة في الأسعار، لن تمتلك الأدوات اللازمة لتخفيف الضربة بشكل كامل.

تجمع آلاف المحتجين في مدن في جميع أنحاء اليونان هذا الأسبوع للمطالبة برفع الأجور لمواجهة التضخم، في حين تترقب فرنسا نتيجة الانتخابات الرئاسية حيث تشدد المرشحة اليمينية مارين لوبان على خفض تكاليف المعيشة.