دول الخليج لا تستطيع التخلي عن النفط.. لكن يمكنها خفض انبعاثاتها
تقرير من إعداد نادين إبراهيم، ضمن نشرة الشرق الأوسط البريدية من CNN. للاشتراك في النشرة (اضغط هنا)
أبوظبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- في الوقت الذي تحاول فيه الدول الغربية التخلص من إدمانها للهيدروكربونات، تقاوم دول الخليج النفطية بشدة، محذرة من أن الانتقال السريع بعيدًا عن الوقود الأحفوري سيكون له نتائج عكسية.
لكن بينما يخبرون العالم أنه لا يمكنه العيش بدون الموارد الطبيعية التي جلبت لهم ثروة هائلة، فإن دول الخليج تشرع في مشاريعها الطموحة للطاقة النظيفة.
تعد دول الخليج من أكبر منتجي ومصدري الهيدروكربونات في العالم، وهي أيضًا من بين أكبر الدول التي تلوث البيئة في العالم. تمتلك قطر الغنية بالغاز والمملكة العربية السعودية الغنية بالنفط بعضاً من أكثر انبعاثات الكربون على هذا الكوكب. وفقًا للبنك الدولي، سجلت قطر أعلى نسبة انبعاثات كربونية للفرد اعتبارًا من عام 2019، تليها الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
تحاول دول الخليج تغيير ذلك، باستثمار المليارات في قطاع الطاقة المتجددة، وهي خطة تسمح لها بتوفير المزيد من الهيدروكربونات لتصديرها إلى عالم متعطش للطاقة.
يقول محللون إن هذه الخطوة هي أكثر من مجرد أمر للفت الانتباه في عالم يتم فيه انتقاد الهيدروكربونات بشكل متزايد، واصفين هذه الخطوة بـ"البراغماتية".
قالت كارين يونغ، كبيرة الباحثين بمركز سياسة الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا: "تضع دول الخليج أهدافًا محلية صفرية صافية بطرق عدة بهدف زيادة تصدير أصولها الهيدروكربونية، للاستفادة من فرصة الحاجة لهذه المنتجات قبل أن ينخفض الطلب عليها تدريجيًا وفقا للمتوقع".
ورأى رفيق لاتا، كبير المراسلين في Energy Intelligence ، وهي شركة لمعلومات الطاقة، إن دفعهم من أجل التحول إلى البيئة الخضراء في بلادهم يساعدهم أيضًا على محاربة صورتهم عن كونهم ملوثين للبيئة بشدة.
وقال لاتا لـCNN: "آخر شيء تريده دول الخليج هو أن تبدو ملوثة للبيئة، لذا فهي تستثمر بكثافة في الطاقة الخضراء"، مما يفتح أيضًا سبلًا من الأنشطة التجارية مع اكتساب صناعة الطاقة الخضراء زخمًا عالميًا.
وأضاف أن الاستثمار في مشاريع الطاقة النظيفة ومصادر الطاقة المتجددة "له معنى تجاري جيد للغاية ومنطق للعلاقات العامة في منطقة الخليج".
تحذر دول الخليج الغنية بالنفط من التحول السريع بعيدًا عن الهيدروكربونات، حيث تدعو الإمارات العربية المتحدة إلى نهج "الطاقة المختلطة" الذي يقلل الانبعاثات دون خفض الهيدروكربونات.
الإمارات العربية المتحدة هي واحدة من أكبر مصدري النفط، لكنها جعلت من الطاقة المتجددة والخضراء أولوية، بحجة أن الطاقة النظيفة والملوثة تكملان بعضهما ولا تتنافسان.
ربما تتجلى وجهة النظر هذه للعلاقة التكافلية بين نوعي الطاقة التي تؤمن بهما الإمارات العربية المتحدة بأفضل ما يمكن في رأي سلطان الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الرئيسية في البلاد أدنوك، والذي يصادف أنه مبعوث الحكومة للمناخ. والذي جادل بأنه بحلول عام 2050، سيحتاج العالم إلى إنتاج طاقة أكثر بنسبة 30٪ مما هو عليه اليوم.
وقال الجابر في قمة للطاقة في أبوظبي الشهر الماضي: "العالم بحاجة إلى كل الحلول التي يمكنه الحصول عليها.. الأمر ليس عبارة عن النفط أو الغاز أو الطاقة الشمسية أو الرياح أو الطاقة النووية أو الهيدروجين. إنه النفط والغاز والطاقة الشمسية وطاقة الرياح ... كل ما سبق ".
كانت الإمارات العربية المتحدة أول دولة في الشرق الأوسط تضيف الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة لديها منذ 14 عامًا والأولى التي حددت هدفًا للوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050. الدولة الخليجية هي موطن المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا) ومن المقرر أن تستضيف قمة المناخ COP28 العام المقبل.
المملكة العربية السعودية، التي لديها برنامجها الخاص بالمناخ، أعلنت عن هدف صفر انبعاثات كربون لعام 2060. ويوم الاثنين، قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إن صندوق الثروة البالغ 620 مليار دولار، صندوق الاستثمارات العامة، سيستهدف أيضًا صافي انبعاثات صفري بحلول 2050، مضيفًا أن المملكة ستساهم بمبلغ 2.5 مليار دولار في مبادرة الشرق الأوسط الخضراء، والتي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون من إنتاج الهيدروكربونات الإقليمي بأكثر من 60٪.
هذا الشهر، وقعت الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة شراكة تهدف إلى استثمار 100 مليار دولار في مشاريع الطاقة النظيفة، من شأنها "الإسراع نحو تحقيق هدف انتاج 100 جيجاوات من الطاقة النظيفة بحلول عام 2035". يمكن للجيجاوات الواحد أن يمد حوالي 300 ألف منزل بالطاقة.
وقالت يونغ: "سيظل طلب العالم على النفط، والنهج الخليجي، على الأقل في السعودية والإمارات، هو إنتاج منتج نفطي أنظف ينبعث منه قدر أقل من الكربون جراء الحرق ويكون أكثر كفاءة في طرق الاستخراج.. وهم يفعلون ذلك".
يعتبر حرق الغاز الطبيعي نتيجة حتمية تصاحب إنتاج النفط، وتسهم النفايات في تلوث شديد للهواء وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وقالت وزيرة التغير المناخي والبيئة الإماراتية مريم المهيري، في حديثها إلى بيكي أندرسون من CNN يوم الثلاثاء خلال قمة المناخ COP27 في شرم الشيخ، إن الدولة الخليجية تعمل نحو "انتقال عادل للطاقة".
وقالت المهيري لـCNN: "نعمل على تكثيف مصادرنا المتجددة وفي نفس الوقت إزالة الكربون من قطاع النفط والغاز لدينا"، مضيفة أن الإمارات العربية المتحدة تقدم الآن بعضًا من براميل النفط ذات البصمة الكربونية الأقل في العالم.
يذهب الكثير من الهيدروكربونات التي تصدرها دول الخليج إلى بعض أكبر المستهلكين والملوثين في العالم، بما في ذلك الصين والهند.
دول الخليج ليست مسؤولة بشكل مباشر عن البصمات الكربونية التي يخلفها المستهلكون، ويقول المحللون إنه من غير الواقعي الدعوة إلى خفض استخراج النفط والغاز وتصديره، لأنه سيضر باقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي.
قال لاتا: "لديهم مصلحتهم الخاصة للاعتناء بها، ومن الواضح أن الدعوة إلى تحول جذري بعيدًا عن النفط والغاز ستكون انتحارًا اقتصاديًا."
وأضاف: "الديك الرومي لن يصوت لعيد الميلاد، والخروف لن يصوت للعيد، لذلك لا أرى دول الخليج بشكل جماعي تتحرك أو تتسارع بعيدًا عن الهيدروكربونات في أي وقت قريب".
يدعو شعار دولة الإمارات العربية المتحدة "الحد الأقصى من الطاقة والأدنى في الانبعاثات" إلى إمدادات طاقة مشتركة ضمن انتقال بطيء وتدريجي للطاقة لتجنب حدوث صدمة للاقتصاد العالمي.
وفي حين أن ذلك يصب في مصلحتهم الذاتية، فإن "دول مجلس التعاون الخليجي تتحمل أولاً مسؤولية تجاه مواطنيها، وهذا يعني أنه يجب عليهم تحقيق إيرادات"، كما قالت يونغ. في الوقت الحالي، الطريقة الأسهل والأكثر فاعلية لتوليد الإيرادات هي بيع النفط والغاز. لذلك هذا ما سوف يستمرون في فعله".