الكائنات الفضائية .. من فرضية علمية إلى ديانة
(الكاتب ناشط تونسي يعد من الطلبة المتفوقين في مدرسة باريس المركزية كما أنه نشاط بارز في مواقع التواصل الاجتماعي وله اهتمام باللاهوت والسياسية والهندسة)
(ما يرد في المقال يعبّر عن آراء كاتبه الشخصية ولا يعكس وجهة نظر CNN)
(CNN)-- مثّلت عدة أحداث عرفتها البشرية بداية الحديث عن الكائنات الفضائية. ومن تلك الأحداث غزو الفضاء و السباق بين الولايات المتحدة و الاتحاد السوفييتي و ما أدى إلى هبوط على سطح القمر ، إضافة إلى النيازك التي سقطت على الأرض حاملة لبقايا بكتيريا. لقد فتح ذلك احتمالات بشأن وجود أشكال حياة أخرى استنادا إلى علوم الكسمولوجيا و البيولوجيا وخصوصا الداروينية التي قضت على كل فردانية بشرية و مثلت إحدى الصدمات التي هزت النرجسية البشرية وفلسفة الوعي.
وفي العقود الأخيرة تطورت المعتقدات بشأن وجود حياة في كوكب آخر تعيش فيه مخلوقات فضائية حتى ظهرت ديانة بكاملها وهي الرائيلية بفرنسا سنة 1974 . وترى هذه الديانة أن هناك كائنات فضائية وصلت إلى الأرض من آلاف السنين و ساهمت في تطور الجنس البشري ظنها الناس ملائكة و جنّأ كانت تسمى "إلوهيم" وهي تراقب سكان الأرض من بعيد و تساعدهم.
تغطية الثغرات
مؤسس الديانة هوصحفي السيارات الرياضية السابق، الفرنسي كلود فوريليون وهو مازال على قيد الحياة، كما أنّها ديانة تنتشر بقوة في الولايات المتحدة و فرنسا و كوريا الجنوبية و تبذل مجهودات قوية لإثبات صحة معتقداتها بالوثائقياتِ و "تراكم الأدلة." وفي حقيقة الأمر فإنّ فكرة وجود كائنات فضائية هي فكرة ممكنة علميا حيث أنّ ظهور الحياة في كوكب آخر بصفة عفوية و اتخاذ مسار تطوري مختلف يصل بكائنات أرقى أمر لا يمكن أن تنكره البيولوجيا --كلود فوريليون --مؤسس ديانة الرائيلية الحديثة المرتكزة على نظرية التطور و لا الكوسمولوجيا الحديثة كذلك.
و تعتمد هذه النظرية على بناء يقوم على الحجة ويستند إلى تغطية الثغرات في النظريات العلمية عبر فرضية الفضائيين مما يجعلها قريبة من التصور القديم الجديد لإله الثغرات وأيضا على مراكمة "أدلة " تقوم على التشبيه بين آثار قديمة و مركبات فضائية حديثة ، توحي كثرتها بأنها ممكنة فيما تفتقر هذه الأدلة إلى معايير التجربة و تخضع بقوة للرؤية الانطباعية للأشخاص المؤمنين بيها فيما يعرف بالسكوتوميزاسيون (Scotomisation) حيث لا يرى الدماغ إلا ما يريد رؤيته فما يبدو عصفورا أسطوريا يتم تشبيهه بمركبة فضائية وما يبدو قرصا يصور النجوم يصبح صحنا طائرا وما يبدو أنها مومياء لشخص تعرض لاستطالة الجمجمة (Artificial cranial deformation) أو جنين بشري مشوه -كما في حالة إنسان صحراء آتا- يصبح كائنا فضائيا، رغم أن الحمض النووي أثبت أنه كائن بشري.
كما تعتمد على تفنيد نظرية التطور رغم أن العلماء يرون أنها هي "المدخل للقبول العلمي" لفرضية الكائنات الفضائية، ويكيل معتنقو فكرة الفضائيين التهم و يستندون لآراء الخلقيين أحيانا لبيان أن الفضائيين تدخلوا في الحمض النووي البشري لضمان وجود الذكاء.
رأي الأديان السماوية
ويستبطن هذا العداء رؤية للإنسان والكون ذات جذور شديدة النرجسية ترفض أي فكرة تتحدث عن "انعدام غائية الوجود و عبثية الخلق و المسار التطوري العشوائي" لذلك تجد فكرة الفضائيين لها أتباعا من الديانات الرئيسية يحاولون جاهدين إثبات توافق نظرية الفضائيين مع الكتب المقدسة -- هيثم عبد المولى فيفي حالة الإسلام يستشهد معتنقو النظرية بعدة آيات قرآنية مثل "يستبدل قوما غيركم" و"يخلق الله ما يشاء" رغم أن القرآن واضح فالإنسان هو خليفة الله في الأرض و الكون كله مسخر لفائدة الإنسان "إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا."
كما أن كل الأديان السماوية تعتبر الكلام والرسالة إلهيين موجهين للإنسان البشري عبر الوسيط الرسولي لهداية الإنسان أي أن المسيحية عبر فكرة يسوع الفادي الذي ضحّى عبر الصلب في سبيل تخليص الإنسان من الخطايا والآثام لتمكينه من الوصول إلى مملكة الرب والحالة اليهودية عبر فكرة شعب الله المختار بالنبوة والأرض المقدسة ، تتعارض تعارضا تاما وكاملا مع فكرة وجود حياة خارج الأرض ناهيك عن أكوان ومنظومات شمسية وحياة ذكية متفوقة تكنولوجيا وساهمت في تطور البشر.
مؤامرة كونية
كما تشير إلى نظرية مؤامرة كونية تحرّكها دول قوية تحاول إخفاء حقيقة الفضائيين ووجودهم و تشريحهم والتكنولوجيا التي قدموها، أي اللعب على ذلك الغامض السحري الموجود في كل نظرية لاهوتية كلاسيكية مع إعطاء المتدينين هدفا و غاية عليا تكمن في فضح المؤامرة و نشر الأفكار، وبالتالي تشكيل ميكانيزم إيماني يحارب في سبيل الفكرة.
كما تعتمد النظرية على كلية الحقيقة عبر إرجاع كل الظواهر الكونية للفضائيين شديدي القوة والتطور المتحكمين في العالم عبر التكنولوجيا و الموجودين في كل مكان أي أنها تتحول إلى ديانة إبراهيمية جديدة يكون فيها الإله كلي القدرة. ويساعد هذا الطرح الجاهز الأشخاص قليلي الصبر الباحثين عن إجابات سريعة عبر فرضيات شديدة التعقيد مع رفض للمدة العلمية التي يأخذها أي بحث، رغم أن العلم مثلا احتاج إلى 2500 سنة ليثبت فرضية الفلاسفة الإغريق أن الكون مكون من ذرات..
إذن : تحمل هذه الأفكار كل مقومات الإيمان الديني بما هي أديان فعلا حيث توجد الى جانب الرائيلية العديد من الأديان التي تدمج الفضائيين في لاهوتها، وهي على عكس فكرة الله الخالق مطلق القوة لا متناهي العلم تستند إلى فرضية يقبلها العلم بكل سهولة دون معوقات و هي تساعد المتدين التقليدي على مواجهة الأكاديميين العلميين لأنها تبدأ من شيء مقبول وتخفي البعد الأماني داخلها.
حياة في بلاد الفضائيين
يتصدى كثيرون لهذه الأفكار التي يسمونها بالشعوذة وغياب الأدلة الموضوعية وامتلائها بالمعاني الإيمانية، ويستندون إلى استراتيجيات عديدة نذكر منها فضح التلفيق في توافق فكرة الفضائيين مع العقائد الدينية الكلاسيكية التي كانت حاسمة في توجهها نحو الإنسان وأنه المسؤول أمام الله للقيام بمهمة إعمار الكون المسخر كلية له كما أنهم يستندون إلى إرجاع ظهور الحياة في بلاد الفضائيين إن وجدت إلى نظرية التطور بما أنها الشكل العلمي لتطور الحياة هناك. وذلك بطرح سؤال بسيط جدا، كيف تطور الفضائيون في كوكبهم إذن ؟ و بالتالي إحراج معتنقي هذه الفرضية و تبيان عدائهم للعلم و حقيقة التطور.
كما يقوم المعارضون بمحاربة نظرية المؤامرة بما هي نظرية المؤامرة ؛ حيث أن أقوى دليل ضد نظرية المؤامرة هو الفكر المؤامراتي نفسه وما يعكسه من عجز وخنوع وما يحتويه من نرجسية وعجرفة تجعل الإنسان أو المجموعة أو الطائفة تعتقد أنها الأفضل وأن كل العالم يحاربها أو ما يعرف بالتوحّد الثقافي.
كما أنهم يعملون على تأ كيد تلقائية الكون والوجود البشري وانعدام غائيته ويعتمدون على تبيان البعد الإيماني لهذه النظرية ووجود أديان تسعى لنشرها و بالتالي عكس نظرية المؤامرة نحو مؤامرة أخرى مضادة و ممكنة جداً تقودها الأديان المرتكزة على فكرة الفضائيين خصوصا وأن مؤسسي هذه الأديان يحصلون على منافع عديدة ، ففي حالة الرائيلية يتمتع مؤسس الرائيلية بمبالغ سنوية ضخمة و بمجموعة من الفتيات الجميلات تحت مسمى "ملائكة ألوهيم ورائيل" مهمتهن خدمة الفضائيين و رائيل مؤسس الديانة. وبما أن الفضائيين لم يظهروا حتى اليوم ، نستطيع أن نفهم من تخدم هذه النسوة فعليا.