مقال حول الانتقاد المستمر لمسلسلات رمضان في مصر .. "ميثاق الشرف "المسلسلاتي"

نشر
7 دقائق قراءة
Credit: MARWAN NAAMANI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم ماجد عثمان، مدير المركز المصري لبحوث الرأي العام، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

محتوى إعلاني

أثارت مسلسلات رمضان انتقادات شديدة، بعض الانتقادات تناولت مضمون هذه المسلسلات وعابت عليها المبالغة في عرض الجوانب المظلمة في المجتمع المصري. وبعض الانتقادات تساءلت عن سبب التركيز على العنف والجريمة والمخدرات، واعترضت على التجاوز السافر في استخدام مفردات وإيحاءات تخدش الحياء وعلى تضمين مشاهد جنسية وارتداء أزياء فاضحة غير ملائمة للعرض التليفزيوني، ناهيك عن بث هذه المشاهد في رمضان. ويتعجب الكثيرون من تجاهل الإيجابيات الموجودة على أرض الواقع والتركيز على السلبيات، ويرى البعض أن السياق العام لمعظم المسلسلات يرسم صورة ذهنية سيئة عن مصر في وجدان الإخوة العرب الذين غابوا عن مصر طويلاً، فلا يروا منها سوى مسلسلات توحي بانتشار كل أنواع الجرائم لتبدو مصر وقد اختزلت في موطن الرذيلة والفساد.

محتوى إعلاني

أثارت هذه الانتقادات موجة مضادة ترفض التدخل في المسلسلات باعتبارها أعمالاً فنية يختار موضوعاتها ويكتب سيناريوهاتها فنانون، ولا يجوز إعمال الرقابة على هذه المسلسلات حرصاً على الإبداع الفني وخوفاً من الحجر على حرية الفكر. كما يرى البعض أن هذه المسلسلات تعكس جزءاً من واقع نعيشه ولا يجوز إغفاله لأن التركيز عليه يجعل المجتمع أكثر اهتماما بالتعامل مع السلبيات التي يعرضها، وأن الحديث عن الإيجابيات فقط لا يفيد في تصحيح الأوضاع المعوجة.  

والحوار الدائر يتكرر كل عام حتى أصبح من لوازم شهر رمضان. ولا يتم حسم هذا الحوار لأن كل طرف يتناول الأمر بشكل احادي ويتجاهل الطرف الآخر. وأحد الاعتبارات الحاكمة له علاقة بانطباع سائد بأن نسب مشاهدة العمل الدرامي ترتفع إذا تضمن مشاهد العنف والجنس والكلمات النابية. ومن خلال صناعة الإعلانات، تحسم اعتبارات المكسب والخسارة الأمر بالنسبة للمنتجين وبالنسبة لأصحاب القنوات التليفزيونية ولا تترك لهم خياراً. وترسخ في الوجدان أن العمل الدرامي لن ينجح إذا خلا من أحد نوعي التوابل: العنف والجنس، وربما يرى البعض أن النجاح يكتمل لو جمع العمل الدرامي بين السوأتين.

وفي خضم هذا النقاش الذي يبدو كما لو كان صراعاً بين قوى الخير والشر، يتوارى اعتبار هام تتجاهله كل الأطراف المسؤولة عن منظومة الدراما في مصر، وهذا الاعتبار يتم احترامه في مجتمعات يحلو لنا وصفها بأنها مجتمعات منحلة لا تلتزم بالقيم الشرقية الأصيلة التي نكتفي بالتشدق بها دون أن نطبقها. وهذا الاعتبار الهام هو حق المشاهد في الاختيار وتمكينه من عدم مشاهدة المحتوى الذي يتضمن مشاهد عنف مفرط أو جنس صريح أو ألفاظ نابية إذا كان هذا المحتوى يؤذي مشاعره.

من الواجب أيضا الإشارة إلى أن التعامل مع هذا الموضوع يجب ألا يؤدي إلى الإضرار بصناعة المسلسلات باعتبارها قطاعاً اقتصاديا يسهم في توليد دخل وفي خلق فرص عمل كما أن المسلسلات المصرية حققت تاريخياً ريادة مصرية تعتبر من ضمن أدوات القوة الناعمة لمصر التي يجب استمرارها. وربما يخشى بعض المنتجين أن يؤدي تطبيق هذه الاعتبارات إلى ضياع حصتهم السوقية في السوق المحلي وفي السوق العربي، وهي نقطة لها وجاهتها إن أردنا أن نضع نظاماً قابلاً للتطبيق يكون الكل فيه فائزاً، وتقديري في ضوء كثير من التعليقات التي تصدر عن الأشقاء العرب أن العكس هو الأقرب للحدوث، أي أن تطبيق هذه القواعد التي تدعم حق المشاهد في الاختيار قد تكون أكثر جذباً وتسمح للريادة المصرية في الدراما العربية بتجديد ثوب لا يخلو من بقع سوداء.

والهدف من هذا المقال تجاوز الحالة السلبية المتمثلة في التذمر المتكرر -من محتوى المسلسلات التي تدخل البيوت دون استئذان- إلى حالة إيجابية ترسي منظومة تضمن حق المشاهد دون أن تقيد حرية الإبداع. ويعتمد الاقتراح على المحاور الآتية:

  1. يلتزم منتج كل مسلسل بتحديد تصنيف للمسلسل وفقا لأحد التصنيفات التالية: مناسب لمشاهدة الجميع – غير مناسب لأقل من 15 سنة – غير مناسب لأقل من 18 سنة. 
  2. تلتزم القنوات التلفزيونية بالتنويه في بداية كل مسلسل إلى التصنيف المحدد للمسلسل.
  3. لا يتم بث المسلسلات "غير المناسبة لأقل من 18 سنة" إلا بعد العاشرة مساء للحد من تعرض الأطفال لمحتواها ولتمكين الأسر من اختيار ما يناسب أطفالهم.
  4. يأخذ اتحاد الإذاعة والتليفزيون المبادرة بدعوة القنوات التليفزيونية غير المملوكة للدولة للمشاركة في تنظيم آليات لتطبيق هذا المقترح، بما في ذلك أدوات المتابعة والتقييم لمدى الالتزام بما يتفق عليه، ويجب أن يتم التشاور مع المنتجين للوصول إلى صيغة ملائمة للجميع.

والنقاش الذي دار هذا العام حول المسلسلات ليس جديداً وهو نقاش يتكرر كل سنة. وهنا يجب أن نلفت النظر إلى أن النمط السائد في تناول معظم القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية هو التناول الموسمي المتكرر الذي لا يؤدي إلى حسم أي قضية، لتعود إلى السطح مرة أخرى ويتكرر نفس النقاش مرة أخرى دون أن ننتقل خطوة إلى الأمام. وأخشى ما أخشاه أن يأتي رمضان القادم دون أن نحرك ساكناً ونعيد تناول الموضوع كأنه ظاهرة جديدة ويسارع البعض بالاعتراض على محتوى المسلسلات من حيث الألفاظ النابية ولقطات الجنس الفاضحة ومشاهد العنف الدامية، ويجيب البعض بالدفاع عن حرية الإبداع والمبدعين، وتتكرر نفس النقاشات والمساجلات لنثبت أننا حقاً ظاهرة كلامية وأن الحديث عما يجب أن نفعله يستنزف طاقاتنا للدرجة التي لا يتبقى لدينا قوة على ترجمة الكلام إلى عمل، لنقنع دائما بأضعف الإيمان.  

نشر
محتوى إعلاني