رأي.. إنقاذ التعليم العام: معا نستطيع

نشر
7 دقائق قراءة
تقرير ماجد عثمان
طلاب مدرسة ابتدائية في مصر يستعدون للدخول الى الصفCredit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم ماجد عثمان، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

محتوى إعلاني

شاركت يوم الأربعاء الماضي في حفل افتتاح مدرسة الكمال الابتدائية بعد تطويرها، المدرسة تقع في شارع متفرع من شارع المعز وعلى بعد خطوات من بيت السحيمي. قامت بتطوير المدرسة جمعية تكاتف وهي جمعية أهلية تطبق نماذج تنموية مدروسة وأهمها تطوير المدارس القائمة. تتلقى الجمعية تبرعات من بعض رجال الأعمال العازفين عن الشهرة والمؤمنين بأن أي مستقبل مشرق لمصر لن يمر سوى من بوابة التعليم المتميز. والنموذج المطبق يعتمد على مدخل متكامل، لا يقتصر على تطوير الأبنية وهي شرط ضروري بالطبع، ولكنه يتجاوز ذلك إلى تدريب المعلمين وصقل مواهبهم واتجاهاتهم تجاه العملية التعليمية بإعتبارها عملية هدفها الطالب وعصبها المعلم. ولا يُغفل هذا المنهج المتكامل توفير بيئة ملائمة للأنشطة اللاصفية رياضية وثقافية وفنية، ولعل أهم ما يُميز هذا النموذج هو اهتمامه باستدامة المشروع الذي يتم تنفيذه من خلال وضع آليات لصيانة المدرسة وبث روح الحفاظ على المال العام بين العاملين فيها وبين الطلاب، وهي قيمة ثقافية لها مردود كبير ليس فقط في الحفاظ على المدرسة ولكن في تغيير سلوكيات التلاميذ منذ نعومة أظافرهم نحو مرافق الوطن باعتبارهم حراس عليه.

محتوى إعلاني

***

خلال احتفالية الإفتتاح تم عرض فيلم قصير يُصور حال المدرسة قبل التطوير وبعده، وقد كانت الصورة كما يقال أبلغ من ألف كلمة، وقد أوضح الفيلم الوثائقي الحالة المزرية التي كان عليها الفصول ودورات المياه وفناء المدرسة والسلالم، كما أشار العرض إلى أن المدرسة لم يكن بها غرفة استراحة للمعلمين. وأحد اللمسات الحضارية أنه عند إنشاء دورات المياه التي تضاعفت من 14 إلى 34، تم إنشاء دورة مياه مجهزة لاستخدام الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

النموذج بعث في نفسي جرعة من التفاؤل لعدة أسباب.

.)      شارك في الإحتفالية وزير التربية والتعليم ومحافظ القاهرة، ولم تكن كلماتهم من قبيل خطب المناسبات الباهتة وإنما تضمنت رسائل تنم عن فكر تربوي صائب وعن تقدير لدور المعلم وعن مساندة للمشاركة المجتمعية ودور القطاع الخاص والمجتمع المدني في دفع عجلة التنمية، كما أدهشني في حديث وزير التعليم قناعته باللامركزية في إدارة قطاع التعليم وهو إتجاه لا بديل عنه في ظل ضخامة قطاع التعليم في مصر ناهيك عن التحديات التي تواجهه.

.)      جاءت كلمات المدرسين مفعمة بالصدق وعبرت عن الزهو بالتطوير الذي حدث في البيئة المدرسية وعكست إحساساً شديداً بالإيجابية والرغبة في العطاء المتبادل، وركزت على التعهد بالحفاظ على المدرسة وتناولت طلبات محددة لدعم العملية التعليمية، ولم تتناول كلماتهم أي طلبات شخصية كما جاءت خالية من الرياء على الرغم من وجود وزير التعليم ومحافظ القاهرة، وهي أيضا ظاهرة تستحق الإشادة.

.)      لفت انتباهي كلمات المعلمين بصفة عامة ولكن كلمة معلم العلوم بالمدرسة كان لها مذاق مختلف، تعهد الرجل بعفوية وصدق أنه سيُخرج من "تحت يديه" تلاميذ يصبحوا علماء مرموقين يحلوا مشاكل الوطن، كدت لا أصدق ما أسمع وكدت أفرك عيناي لا تأكد أنني لا أحلم.

.)      يوجد بمصر رجال أعمال قدموا تبرعات لمشروعات تنموية ولا يحركهم في ذلك دافع الظهور الإعلامي أو الحصول من وراء تبرعاتهم على مقابل سياسي أو مادي، وهو ما يدعو لضرورة تصحيح الصورة الذهنية السلبية التي ترسخت في الوجدان المصري تجاه رجال الأعمال والتي لا تخلو من تعميم غير منصف لقطاع كبير من رجال الأعمال.  

.)      يوجد بمصر جمعيات أهلية تعمل في صمت وبأسلوب علمي يمكنها أن تحل مشكلات مجتمعية مزمنة تفاقمت على مر السنوات، ولا يجب استدعاء هذه الجمعيات بشكل انتقائي وعند ظهور الحاجة إليها فقط، ولكن يجب تعديل نظرة الحكومة لهذ الجمعيات بحيث تصبح شريكا كاملا في عملية التنمية، قد لا تمتلك هذه الجمعيات الموارد الضخمة التي تمتلكها الحكومة ولكن لديها قدرات ومرونة ومساحة للإبداع والإبتكار والتكييف لا تتوفر بالضرورة للجهاز الحكومي، وهناك آلاف من الأمثلة التي تثبت أن الفساد الإداري والبيروقراطية الحكومية يتنافسان للوقوف لهذه الجمعيات بالمرصاد، ومع تفاقم العديد من المشكلات التنموية ومنها التعليم يصبح الإصرار على الحد من المشاركة المجتمعية ترف لا نقدر عليه.

.)      "معا نستطيع" يعني أن تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمواطن ليس مجرد شعار رومانسي يُدعب المشاعر ولكنه نموذج حي قابل للتطبيق والتعميم ويمكن أن يُحدث نقلة نوعية في مصر، إن القوة الكامنة التي يولدها تطبيق هذا الشعار تتجاوز ناتج الجمع الحسابي لقدرات الأطراف المشاركة، وإنما يضاف إليها ما يُفجره من طاقات إيجابية غير محدودة تنقل المردود من حاصل جمع القدرات إلى حاصل ضربها، وبلغة الأرقام فإن: 2+3+4=9 ولكن 2×3×4=24.

***

بعد انتهاء الإحتفالية، قررت التجول في شارع المعز الذي تم اختطافه في فترة تراجعت فيها هيبة الدولة. وقد أثلج صدري عودة شارع المعز إلى سابق عهده، وأحسست بالقيمة المضافة لعودة الرونق إلى هذا الموقع الأثري على تطوير وتحديث مدرسة الحي، وهو تكامل حضاري لم يأت مصادفة. وبعيدا عن المحتوى التعليمي، تخيلت الفارق في سلوكيات وقيم تلاميذ مدرسة متهالكة يصلون إليها من خلال شارع خرب وتلاميذ مدرسة مطورة يصلون إليها من خلال شارع منظم ونظيف وآمن ينبعث منه عبق حضارة تستحق أن يحاكيها أطفال اليوم.

في النهاية، تحية لرئيس جمعية تكاتف الدكتور حسام بدراوي الذي احترقت أنامله من العمل العام ولكن تواصل عطاؤه دون هوادة في كل العصور لتحقيق رسالة وهب لها مساحة كبيرة من وقته وجهده وهي أن "التعليم هو الحل".

نشر
محتوى إعلاني