بين بريق الدعوات الافتراضية... ومرارة الواقع: هل حقاً سيعيش السوريون سنة 2015 "غير"؟
دمشق، سوريا (CNN) -- قبل بداية العام الجديد، بأيّام، بدأت إعلاناتٌ طرقية ضخمة، تغزو شوارع دمشق، ومدن سوريّة أخرى، لتكشف عن عناوينها، وشعاراتها تدريجياً، ضمن إطار حملة انطلقت على موقعي التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"إنستغرام" تحت عنوانٍ عريض "2015.. عيشها غير"، تم مواكبتها أيضاً بإعلاناتٍ متلفزة، وإذاعيّة تحمل المضمون ذاته، تبثُّها القنوات التلفزيونية، والمحطّات الإذاعية السوريّة بشكلٍ مكثّف، ما يعطي انطباعاً بأنّ هذه الحملة تقف وراءها جهة كبيرة، أو عدة جهات من القطّاع العام والخاص، ترصد لها تمويلاً ماليّاً كبيراً.
شعاراتُ حملة "عيشها غير"، تحث المواطن السوري، على عدم الاستكانة للواقع، والانطلاق نحو تغييره، بدءاً من مراجعاتٍ لسلوكه اليومي، ويبدو ذلك بوضوح لدى قراءة التدوينات المنشورة بصفحة الحملة عبر "فيسبوك" أو متابعة الإعلان التلفزيوني لها.
(علي.م) طالب الجامعي اعتبر في حديثه لـ CNN بالعربية أنّ هذه الشعارات تبدو "مستفزّة" بالنسبة له، خاصّةً حينما شاهد أحدها، وقد خرج "قبل ساعتين" من بيته، ليلحق بالامتحان، واضطر لركوب "حافلةً متكدسّة بالناس، لا يكّف سائقها عن التوقف، ليقّل المزيد منهم، ثم يأتي الانتظار على نقاط التفتيش، ليزيد الطين بلّة"، بينما وقعت عيناه على أحد إعلانات الحملة الطرقية: "تحرك .. وعيشها غير"، وآخر يبرز كأساً من الشاي، ترسو في قعره مكعبّات السكر، إلى جانب عبارة تقول "اذا ما تحركت ما بتحلى ... تحرك و.عيشها غير."
كما رأى (وليد.س) في الإعلان التلفزيوني للحملة: "شيئاً خارجاً عن المنطق، فهو يشعرني بالذنب كمواطن سوري، وكأنني سبب المشاكل كلّها في البلد، ثم مَنْ قال أنني لا أتحرّك، أو أبادر، نحن لا نتوقف منذ سنوات عن ابتكار الحلول لكل شيء، بينما تزداد حياتنا صعوبةً بمرور الساعة، حيث يتعيّن علينا مواجهة قائمةٍ تطول من ضغوطات الحياة اليومية، والتحديّات المعيشية، كانقطاع الكهرباء، والماء، وغلاء الأسعار، وأزمات الوقود المتلاحقة."
هذه الحملة، رغم سعيها لإشاعة التفاؤل، والإيجابية لدى السوريين، وحثّهم على المبادرة، والتغيير الذاتي؛ تلقّت ضربةً مبكرّة من إحدى الجهات الحكومية الداعمة لها، وهي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، بعد إعلانها عن قرار رفع أسعار (الديزل، الغاز، وربطة الخبر)، هكذا أصبحت شعارات "عيشها.. غير" موضع تندر في الشارع السوري، ليردّ القائمون عليها في تدوينةٍ لهم عبر "فيسبوك" بالقول: "كتير عم توصلنا تعليقات، وتساؤلات حول زيادة الأسعار، يلي صارت مبارح من قِبلَ وزارة التجارة وحماية المستهلك, بعضها غريب لأنو عم يحملنا مسؤولية وكأننا جهة حكومية أو تابعة لأي من الوزارات.. مشان هيك حابين انو نأكد معكم كم شغلة :
- نحنا مو جهة حكومية, ومشاركة بعض الوزارات معنا هو لاقتناعها بجدوى حملتنا .. متل ما مؤسسات وشركات القطاع الخاص عم تشاركنا كمان.
- زيادة الأسعار عملت أثر سلبي عنا متل يلي عملتو فيكم , بس هاد الشي رح يزيدنا إصرار لنكمّل بحملتنا , والاستمرار بمبادرتنا لنقدر نخفف عن حالنا وعليكم شوي من أعباء هالسنة..
للي مقتنع معنا انه منقدر .. نحنا منقدر معه، واللي مو مقتنع منشكرو بكل الأحوال، وبدنا نشكر كل مين عم يتواصل معنا .. ونأكد للكل اننا مستمرين بأمل وعزيمة كتير كبيرة انو منقدر نعمل فرق ولو صغير .. شكرا الكم."
وفي تعليقٍ لـ CNN بالعربية، على الحملة، ومدى نجاحها في التعبير عن أهدافها، وإيصال رؤيتها للشارع السوري، قال الناشط المدني والمحلل السياسي قاسم الشاغوري: "قد يصاب المواطنون بالإحباط نتيجة الارتفاع الجنوني بالأسعار، لا سيما بعد القرارات الحكومية الأخيرة، فهم يشاهدون دعوات إيجابية للتعايش مع واقعهم الذي يزداد مرارةّ يوماً بعد يوم، وهذا ولّد تناقضاً بين شكل حملة (عيشها غير)، والواقع على الأرض، إلا أنني أعتقد أن مضمونها لم يصل للناس بعد بشكل جليّ، لأن ما تريد قوله بتقديري يحتاج لمدة من الزمن حتى يتبلور بالنسبة للمتلقي."
وأضاف الشاغوري: "سورية اليوم في حالة حرب، وباقتصاد يعادل ما يقارب 3% مما كان عليه قبل اندلاع الأزمة في سورية، وهذا يتطلب تضافر جهود جميع أفراد المجتمع شعباً ودولةً، في تحمّل أوزار وفاتورة هذه الحرب، وقد يكون تزامن إطلاق الحملة بداية العام الحالي، مع ازدياد الشرخ الاقتصادي مضراً بها، إلا أنني أعتقد أن أمامها الكثير لتقوله مادامت حملة مناصرة."
ولفت قاسم الشاغوري مختتماً تصريحه لـ CNN بالعربية إلى أنّ: "بث الأمل من خلال هذه الحملة ليس هو الغاية، بل وسيلة فقط، والغاية بتقديري هي إيصال رسائل تحمل معنى التكافل الاجتماعي بمواجهة الأزمة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العديد من المؤسسات الحكومية ذات الطابع الاقتصادي انضمت إليها، عبر توفير تخفيضات على الأسعار، وهذا ربما يجعل لها بعداً اقتصادياً يتعلق بالشق المعيشي، وقد يبدو أحد الوسائل التي تستخدمها حملة (عيشها غير) لتحقيق هدفها الأساس، فالسوري اليوم يحتاج لرغيف الخبز، كما هو بحاجة لجرعة الأمل، لأن الواقع بات معلوماً لجميع السوريين الذين يواجهونه سوية."
وتجدر الإشارة لأن حملة "عيشها غير" أعلنت عن استمراها، في التواصل مع الجهات الحكومية، والخاصّة التي تبدي رغبتها بدعمها، وتقديم العروض للمواطنين حتى أواخر شهر كانون الثاني/ يناير 2015.
وانضمت لها فعلياً عدّة جهات حكومية، كوزارت الإعلام، والنقل، والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، وبعض المشافي، والمطاعم، والمحال التجارية بالعاصمة السورية، عبر تقديم حسومات للمواطنين، على السلع الاستهلاكية، وتذاكر الطيران، والإعلانات ببعض الصحف الرسمية، والمطبوعات، والدورات التدريبية، وإعفاءات عن غرامات التأخير تتعلق بتسديد ذمم متأخرة.