في مدينة الفحيص الأردنية حراك ثقافي للتأكيد على العيش المشترك
تقرير هدا السرحان
عمان، الأردن (CNN) -- كان موعدنا مع وزير الثقافة الأردني الأسبق الشاعر جريس سماوي في مؤسسة "وتر" للثقافة والإبداع في مدينة الفحيص الأردنية التي تقع في وسط المسافة بين العاصمة عمان ومدينة السلط، وتبعد عن عمان 13 كيلومتراً. في الطريق إلى المدينة الريفية بجمالها وربيعها وبيئتها وبساتينها الخضراء تذكرت أنني زرتها في وقت قريب مضى، حيث قصدتها في مناسبات عدة منها عيدي الميلاد ورأس السنة، ومؤخراً في الاحتفال بعيد الخضر مار جريس.
والإهتمام بهذه المدينة يكثر في مواسم ومناسبات عديدة وكثيرة في مقدمتها المهرجانات التراثية واحتفالاتها الثقافية والفنية، والحقيقة أن الفحيص مدينة أردنية مميزة بنشاطاتها وحراكها الثقافي الدائم، كما هي مميزة بشجرة عيد الميلاد التي تضاء باحتفال رسمي وشعبي كبير في نهاية كل عام، وميدانها المزين بتمثال الحصان الذي هو شعار المدينة.
وصلت إلى الفحيص في وقت مبكر فقمت بزيارة قاعة المعارض والنشاطات التابعة للكنيسة حيث أقيم معرض تنسيق الزهور، وشاهدت تشكيلات ملونة متقنة مدهشة تم تنسقها على الطريقة اليابانية وبحسب مدارسها الكثيرة الخلابة. وعندما أتحدث عن النشاطات الثقافية والفنية في الفحيص، من الواجب أن لا أنسى فرقتها الفنية التراثية التي شاركت في مهرجانات كبيرة مثل مهرجان جرش ومهرجان الفحيص ومناسبات وطنية اخرى. وفي النهاية يقودنا الحديث إلى مقصدنا وهو مشروع "وتر" للثقافة والإبداع، الذي تم افتتاحه في العام الماضي، وهو أحدث مؤسسة ثقافية في المدينة، يشرف عليها ويديرها ويرعى نشاطاتها ابن الفحيص الشاعر جريس سماوي ووزير الثقافة الاسبق الذي رفض أن ينتهي دوره الابداعي بنهاية خدمته الرسمية ، حيث قرر الاستمرار في التفاعل الايحابي الثقافي الحضاري مع محيطه المحلي والعربي والانساني من أجل الحياة الأجمل والأفضل .
وعندما توجهت إلى العنوان المنشود توقفت أمام مقر مركز "وتر" أدهشني ذلك البناء التراثي العتيق الذي يقيم فيه المركز الثقافي وسط البلد القديمة، التي تشتهر بكنائسها وأبنيتها التراثية. وعلمت من الشاعر سماوي أن عمر البيت أكثر من مائة عام، وهو يعود إلى الخوري عيد الصويص، وفيه تقوم نشاطات ثقافية وفنية مميزة، تتراوح بين معارض فنية تشكيلية، وأمسيات شعرية، وندوات، وسهرات موسيقية وفنية طربية قديمة، وكان باكورة هذا النشاط معرض لوحات الفنانة التشكيلية ناتاشا المعاني تحت عنوان زهرة، حيث قال سماوي عنها، عندما التقيناه ، إنها " ترسم النساء القادمات من عوالم وأزمنة مختلفة."
وتحدث الشاعر سماوي عن نشاطات مؤسسته، فقال إن أحدث نشاط للمركز كان مساهمته في إقامة أمسية للشاعر أدونيس بالتعاون مع "مؤسسة شومان " في عمان. كذلك اشتراكه مؤخراً في إحياء الاحتفال الشعبي الكبير بمناسبة عيد القديس مار جريس ( الخضر) قاتل التنين، وهو الاحتفال الذي شاركت فيه فعاليات فنية وكشفية وموسيقية متعددة، وجرت العادة على إحياء هذا الاحتفال منذ أربعمائة عام بالاشتراك بين اهالي الفحيص وجارتها التوأم بلدة ماحص.
وقال الشاعر جريس سماوي في حديثه لموقع CNN بالعربية، إن هذا الاحتفال يمثل جزءاً من طقوس بلاد الشام العتيقة حيث يبادر أهالي الفحيص في هذا اليوم بالذهاب جماعات إلى مقام الخضر مار جريس في بلدة ماحص المجاورة ويقوم كهنة الكنيسة في الفحيص بإحياء قداس احتفالي مسيحي في بلدة ماحص الجارة العزيزة المسلمة حيث يستقبلهم أبناء ماحص قرب مقام مار جريس تحت شجرات البلوط المعمرة ويشاركونهم القداس بل يتقاسم الجميع الشرائط الخضراء التي يقدسها الكاهن أثناء الصلاة ويضعونها في سياراتهم ومنازلهم.
وأضاف سماوي أن "الاحتفال يؤكد على العيش المشترك بين الطوائف في الأردن وكرد فطري وطبيعي وتلقائي على دعاة الفتنة والتطرف والإقصاء."
وحول "وتر،" أوضح سماوي أنها مؤسسة ثقافية غير ربحية مفتوحة أبوابها أمام كل الموهوبين المبدعين من أجل التجريب وقول كل ما هو جديد قي الثقافة والفن والتشكيل والموسيقى، مضيفاً أن "وتر هو مكان مطل على الحرية. خيط مشدود بين نقطتين مضيئتين من أجل اجتراح النغم بين قلبين ينبضان بالحياة والفن. بيت مهيأ للحلم ولصهيل الخيول البرية. مساحة للفعل المغاير والمختلف، لأجل التنوع والاختلاف الجميل، لأجلي وأجلك وأجل من تحب.