ناصر الصرامي يكتب عن السعودية: من يقف خلف "إسقاط ولاية الرجل على المرأة"؟
هذا المقال بقلم ناصر الصرامي، كاتب وصحفي سعودي، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر كاتبها، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
أنا الكبرى لشقيقين. انفصلت والدتي عن والدي بسبب الضرب والإهانة والحبس، حين كان عمري 7 سنوات، هي السنوات التي عشتها مع أمي، لنُحرم بعدها من حضنها، ويأخذ أبي "حق الحضانة"... تزوج ونحن أطفال، وقد عشنا من دون أن نرى أمنا إلا 8 مرات على مدى 28 عامًا، وأطول مدة مقابلة كانت 4 ساعات... فقط.
أحد أخويّ كان مريضاً بتكسر الصفائح منذ مولده، تركته والدتي وعمره عامان، وقد ربّيته وكبُر وهو لا يعرفها طبعًا. زوجة أبي كانت مثل الدنيا: يوم معانا و100 علينا ... كنا نتعرّض للضرب والحبس في مراهقتنا.. زوّجني أبي وعمري 16 سنه من أبن عمي، وأنا لا أفقه شيئًا عن الزواج، زواج لم يستمر إلا شهرين، رجعت بعدهما إلى بيت والدي وأنا لا أزال "بكرا"، لأعيش أزمة الأسئلة والتحقيقات، وأكمل تعليمي الثانوي والجامعة في حال لا يعلمها إلا الله.
استخرجت بطاقة بنكية لمكافأة الجامعة، وكانت تلك المكافأة مصدر "مصروفي" الوحيد طوال فترة دراستي، لأن ابي، ومع أن ظروفه المادية كانت ممتازة، لم يكن يعطينا هلله واحدة، "خوفًا" من غضب زوجته. ليس ذلك فقط، بل كان يضربني ويهددني بالحرمان من الجامعة.. ويوقظني من النوم برفسة.
أكملتُ دراستي في ظروف مؤلمة جدًا. أذهب إلى الجامعة مضروبة، مهددة بالفصل، وأرجع خادمة للمنزل، أغسل وأنظف وأرضع الأطفال وأطبخ لعشرة أشخاص، وكل ذلك بلا رحمة أو كلمة طيبة.. وفوق هذا تعرضت للتحرش من والدي أكثر من مرة.
بعد تخرجي، ومن رحمة ربي، توظف شقيقي الآخر في أرامكو بالرياض. وبشق الأنفس وافق والدي على أن ألتحق بوظيفة كانت فرصة لي. توظفت بعقد مدته 7 سنوات، إلى أن حصلت على التثبيت بأمر الملك عبد الله -رحمه الله.
في أول سنتين من فترة توظيفي، كان شقيقي يسدّد معي الإيجار والفواتير، لكنه، فجأة، صار يتهرّب من الالتزامات ويرفض الدفع ويُحمّلني فوق طاقتي، فعشت في عوز حتى وصل بي الحال إلى الإصابة بفقر الدم من الجوع.
ساءت حالتي النفسية، وأنا لا أستطع الشكوى لأحد أو طلب المساعدة من أحد... قررت خلال فترة خلاف بين أبي وزوجته الثانية أن استغل الفرصة، فطردت أخي من البيت وغيرت قفل الشقة، وطلبت منه عدم الحضور مرة أخرى.. وأبلغت والدتي بأن صديقتي الطبيبة تسكن معي، وهو ما حصل فعلا واستمر 3 أشهر، انتقلت الطبيبة بعدها للسكن مع أهلها، ولم أخبر أحدًا بذلك.
لاحقًا طلبت من والدي المساعدة على تغيير السكن لحاجتي إلى "بطاقة العائلة"، وطلبت منه جوازًا وتصريح سفر، فوافق. والسبب أنّ جميع إخوتي من زوجته الثانية تخلّوا عنه وذهبوا مع والدتهم، وكان يحتاج وقوفي معه من أجل زواجه الثالث!.. حضرت إلى منزلنا القديم ونظفته ورتبته للعروس الجديدة.
وعندما قررت العودة إلى عملي كرّر طلباته أثناء توجهي للمطار.. كبُر النقاش وطردني من المنزل وإلى اليوم يرفض التواصل معي.. احتجت لأن أسافر، ولم أفعل لأنه لا يمكنني أن أخرج بدون إذن هذه الشخصية المريضة بـ "جنون العظمة ". تصريح سفري مرّت عليه 3 سنوات وما زال صالحًا لسنتين بعد، وجوازي عندي لكني أخشى أن أسافر فيقوم أبي بـ "تبليغ هروب"... لا أريد أن أخسر كل شيء وأعيش في دار الحماية.
أنا اليوم على مشارف الأربعين. وحيدة... أكثر من 15 عيدًا قضيتها لوحدي. أستيقظ صباحاً للعمل، وحين أرجع أحاول أن أمارس حياة طبيعية... أعترف بأني أعاني من الاكتئاب برغم محاولاتي خوض الحياة مستفيدة من حريتي غير الكاملة. أحاول يوميًا أن أتقوى وأكافح... مطلوب مني تغيير الشقة بعد 6 أشهر وليس لدي بطاقة عائلة تسمح بجعل المكاتب توافق على تأجيري شقة جديدة، ومالك شقتي الحالية يعرف أن والدي هو المستأجر وأنني فقط أرسل مبلغ الإيجار... كلّ شيء في هذه المدينة جاف وقاسٍ.
شقيقي الأول ومنذ أن تركني لم يسأل عني طوال 7 سنوات، والثاني، المريض، يعيش في منزل والدي لوحده.
أبي، وبعد زواجه للمرّة الثالثة، رجع للتسلط وطلب الراتب وغيره... وهكذا، أعيش وحدي مسؤوله عن نفسي، ولكني أبقى معلقه ب "ولي الأمر" وظلمه.
.. هذه قصة "نورا" بتصرّف... وهي إحدى الناشاطات في حملة إسقاط ولاية الرجل على المرأة. هي ومثيلاتها الكثيرات تحت السطح، في قصص تتفاوت في ظلمها وجورها، وسلبها لانسانيتهن.. هُنَّ مَن يَقفنَ خلف الحملة وسخونتها ونشاطها. وفقهن الله لكسب اقل حقوقهن..!.